رئيس التحرير
عصام كامل

إيما خليل تكتب.. زملائي الأعزاء شكرا 

ايما خليل
ايما خليل

يا قارئى لا ترجو منى الهمس الآن فحسبى أننى قد أتالم.. فطبقات فوق طبقات من بخار كثيف تنفذ الآن نحو سطح ملتهب.. فعند أهم منعطف إنسانى فى التاريخ الحديث، كان الاختبار الأصعب الذى يقيس المسافة الحقيقية بين صاحب الرسالة ومن يتعاملون معه.. وما أكثر قدرة هؤلاء الذين يشترون، وما أقل قدرة الكريم على التعلم فن التخلى.. فإن كانت الجائحة امتحان قاسى لجموعنا نحن الأطباء مع فيروس قاتل، فقد استطاع كل من فينا قدر استطاعته تقديم آيات الإخلاص الجدير بالتوقف والتمعن.. ولكن ما حدث خلال الأيام القليلة الماضية من تنكر البعض أو تملصهم أو أحيانًا بطشهم، قد اصطدم داخلى بقائمة مفرودة من الأسئلة يراها كل شهود العيان.. هل هذه سمومًا تدس فى الأرض ضد من حقن الدماء؟ هل كانت هذه هى رسالة الشكر من القلب لكل من حاول فك كرب إنسان؟ هل هذا هو العرفان إلا آخر وجه لطبيب يرعاك قبل الرحيل؟ فما زال لدينا شهية للفهم حتى وأن حق علينا البكاء، فيا ويل أمة كبيرها صغير وصغيرها كبير.. فإن اختلف الناس جميعًا حول أي شخص فلن يستطع أحد أن يختلف حول هذه القيمة.. ورغم ذلك.. حتى وأن كانت هناك قلة تناست كم تغير مصير شعب لأن كان بينهم خائنًا أو جاهلًا واحدًا على الأقل، فسيظل كل طبيب على أرض هذا الوطن صامدًا على خط العدوى، ونعلنها بملء الفم والقلب لن نقسم ونوعد ثم نخلف ولن نترك رسالتنا اليوم فى مهب الريح.. ولن نطلب منكم البكاء على قبر هؤلاء الذين خففوا الألم فى وقتٍ كان يتباكى فيه الآخرون خوفًا من المرض، فمن جحد أو نكر استحق دفن رأسه وحده فى الطين.. نحن لا تحركنا بطوننا، نحن لا نستجدى أحدا نحن فقط أصحاب رسالة وقسَم يستنفران الإخلاص داخلنا.. ولن يسمح منا شخصًا يوما فى تحويل الأبيض إلا إلى أسود حتى وأن تحول الحق إلى باطل فى أشد لحظات الضعف الإنسانى حرجًا.. فاليوم نحن أمام معركة حسمت نتيجتها قبل أن تبدأ، فأنت إما مع أو ضد ولا شيئًا آخر فى المنتصف.. فإن كان واقعنا مُرُ فى عيون كثيرين فنحن نعوذ بما تبقى لدينا من حياء ونستجير بكل دعم كى نمر بمرحلة المخاض تلك التى يمر بها كل كائن حى يحيا الآن على هذه الأرض.. فهذه حقًا هى أيام الغضب.. أيام يتجلى فيها كل أصيل على حقيقته دون أي قناع أو زخم.. وإلى كل زميل طبيب أو ممرض يتنفس الآن داخل مبنى حجر صحى، إلى كل من عاشرتهم طيب المعشر ونتحرك سويًا على خط الخطر ببسالة وشجاعة تعوًدت عليها منكم، إلى كل وجه ممرضة نظرت إليه عينى مريض كى يؤنسه قبل الرحيل، وإلى كل من مسح العرق عن جبين من همً على حافة الموت.. إليكم كل التحية والعرفان لما تفعلون أولًا وكل التحية والامتنان لأنكم زملائى ثانيًا.. زملائى الأعزاء شكرًا.

الجريدة الرسمية