رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

رحلة " الست إفراج" مع كورونا .. تطوعت لعلاج المصابين وهاجمها "الفيروس القاتل"

الممرضة الشابة إفراج
الممرضة الشابة إفراج

مطلع شهر مارس الماضي، بدأ فيروس كورونا المستجد في الانتشار في مصر، وعلى إثره اتخذت الحكومة المصرية عددا من الإجراءات الاحترازية والوقائية لمواجهة خطر الانتشار. 

وقع الاختيار على مستشفى الصدر بمحافظة بني سويف بصعيد مصر على أن يكون مستشفى عزل لمصابي كورونا، كان الحدث جللا لكل العاملين، البعض شعر بالخوف والذعر، بعض الممرضات قدمن طلبات إجازة والبعض الآخر اعتذرن عن عدم قدرتهن على المجازفة بحياتهن وحياة عائلتهن، إلا أن الممرضة إفراج فتحي بكري، في العقد الرابع من عمرها، أما لثلاثة أطفال، شعرت بالمسئولية تجاه المرضى، وكان لها رأي آخر. 

 

حيرة بالغة وقعت فيها إفراج لكنها حسمت أمرها "الموضوع كان اختبارا صعبا، فأنا لدي عائلة وأبناء ولا يمكن تعريضهم للخطر، لكن الإحساس بالمسئولية كان يلاحقني طول الوقت، لذا اتخذت قراري بالتطوع في العمل مع مرضى فيروس كورونا". 

تعمل إفراج في قسم الرعاية المركزة ولم يكن هناك حاجة إليها، ولم يطلب أحد من مسئولي المستشفى ضمها إلى المجموعة المنوط به متابعة المرضى المصابين بفيروس كورونا: "لم يطلب أحد أن أكون ضمن طاقم التمريض لكن كيف لي أن أكون ممرضة وأنسحب من مواجهة خطر يهدد البشرية، فهي لحظة فارقة في العالم وستكون لحظة منيرة في تاريخي المهني".

القرار لم يكن سهلا، جلسات مطولة مع الأصدقاء والعائلة، البعض حذرها من الانضمام إلى ممرضي مصابي كورونا، والعائلة شعرت بالتهديد يطالهم داخل منازلهم، تقول إفراج: "عائلتي شعرت بخوف شديد، فهم يقرأون الأخبار ويتابعون البرامج الحوارية، ويدركون خطر الفيروس ويخشون على أطفالهم وأبنائهم، لهم الحق في الخوف، ولكن ليس لي أي حق في الخوف، فهذا عملي ودوري في المجتمع". 

 

 

انتصرت الممرضة الشابة على قرار العائلة وأجبرتهم على الانصياع لرغبتها، ولمنع أي ريبة أو خوف يتسلل إليهم قررت أن تعمل في المستشفى لمدة 15 يوما بشكل متواصل دون عودة إلى المنزل وتركت أبناءها في عهدة عائلتها.

قبل الانضمام إلى فريق التمريض كان عليها أن تتخذ قرارا مصيريا آخر، فهي تعمل في إحدى العيادات الخاصة لمساعدتها على المعيشة، لذا من باب الأمانة بات ضروريا أن تبتعد عن عملها الخاص ولو كلفها خسارة مصدر رزق في ظل الظروف الراهنة، تقول إفراج: "تواصلت مع الطبيب المسؤول عن العيادة وأبلغته بقراري بالتواجد ضمن طاقم التمريض المباشر لمصابي كورونا، ومن باب الحيطة والحذر كان علي أن أتوقف عن مزاولة عملي في العيادة خشية حملي للفيروس، شكرني الطبيب واحترم أمانتي في عدم إخفاء أية معلومات وتمنى لي التوفيق في مهمتي".

 

 

لا يمكن أن تفصل شعورك بالخوف عن المسئولية التي تحملتها إفراج، تعمل طوال اليوم في بيئة صعبة، عندما كانت تلقي برأسها على وسادة النوم، كانت تتذكر أبناءها وعائلتها وأصدقاءها، وكذلك دعوات المرضى لها ولزميلاتها: "أنا أدرك أن الفيروس غير مميت في حالات كثيرة لكن لا أستطيع أن أنكر تسلل الخوف إلي في لحظات".

خلال فترة تواجدها بين مصابي فيروس كورونا، شعرت "إفراج" ببعض الأعراض تهاجمها، كحة، وحشرجة في الحلق، ووهن، قاومت شعورها بالإرهاق حتى تستطيع أن تستكمل دورها، بالرغم من إصرار المستشفى على عمل فحوصات للتأكد من عدم إصابتها.

إحدى زميلاتها مريضة بمرض السكري، أجرت تحليل الفيروس وخرجت النتيجة إيجابية فشددت إدارة المستشفى على ضرورة عمل تحاليل كاملة لكافة الطاقم الطبي. "يوم الاثنين الماضي في تمام الساعة الثامنة، تلقيت اتصالا هاتفيا من أحد الأطباء المسئولين، طالبني بالهدوء والرضا بقضاء الله وقدره واختباره، أخبرته أنني مستعدة لتقبل النتيجة على قراري"، ظهرت نتيجة تحيليل إفراج إيجابية. 

 

 

أفكار كثيرة دارت في رأس إفراج، موقف عائلتها؟ موقف أبنائها، كيف ستقضي 15 يوما أخرى لحين انتهاء فترة الحجر الصحي لها، كيف تحولت من ممرضة إلى مريضة؟ بدأت الأخبار عن إصابة طاقم تمريض مستشفى الصدر في الوصول إلى قرية "إفراج" علمت أسرتها، سارعوا بالاتصال بها وأصيبوا بالصدمة لتأكد إصابتها بالفيروس:"كان أزمة كبيرة بالنسبة لهم، هم سبق أن حذروني لكنني لم أستمع ولا أشعر بالندم فهذا قرار أحترمه حتى الآن يكفيني دعوات المصابين لي لحسن معاملتهم"، تقول إفراج. 

كانت الأزمة الكبرى عندما تلقت اتصالا هاتفيا من نجلتها "حبيبة" في الصف الأول الإعدادي: "كانت حبيبة منهارة وتبكي بشدة لشعورها بخوف شديد، حاولت تهدئتها وأخبرتها أن الأمر ليس خطرا، أخبرتها أنني قدمت مساعدة للناس، ودا اختبار من ربنا". قلت لها في نهاية المكالمة: "وبعدين يا حبيبه أنا أقوى من حتة فيروس بيشوفوه بميكرسكوب وكلها أسبوعين وراجعالك وهجيبلك معايا التليفون اللي وعدتك بيه".

سعادة غامرة شعرت بها الممرضة المصابة بكورونا فى مقر عزلها بمدينة ملوى جنوب محافظة المنيا حين أخبرتها نجلتها  أن أهالي قريتها يصفونها بالبطلة لكونها تواجه فيروس قاتل ولأنها لم تتخل عن تقديم المساعدة للمرضى وظلت فى الصفوف الأمامية لمحاربة الفيروس المستجد حتى تمت إصابتها.

تنتظر إفراج بفارغ الصبر انتهاء فترة الحجر الصحى والتعافى من المرض ثم العودة من جديد إلى أطفالها الصغار وإلى عملها، وتؤكد أنها لن تمانع إن طلب منها العمل مرة أخرى ضمن طاقم التمريض لمصابي فيروس كورونا.

Advertisements
الجريدة الرسمية