رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

صورة طبق الأصل.. الوسواس القهرى

كل بيت في العالم تقريبا، تحول الى بؤرة توتر وقلق ومشاحنات. البقاء القهرى بالمنازل خلق الاحساس الحتمى بالسجن. من عجب أن الناس كانوا يضطرون إلى إلتزام البيوت تحت صغوط الأحكام العسكرية.

 

أوقات الحروب، والثورات والانقلابات، والعصيان بأشكاله، تفرض الحكومات حظر التجوال، وتأمر الناس بالبقاء خلف الابواب وعدم مغادرتها اطلاقا والإ.. التحذير الأخير يشمل أحيانا إطلاق النار. هذه المرة، ومع الحقير الخطير المسمى كورونا..

 

توسل المصريون بخاصة إلى الحكومة أن تعلن الحظر حنى لا يصاب الأصحاء بالفيروس المختبئ فى حلق مريض بلا أعراض. فرضت الحكومة المصرية إذن الحظر الجزئي. وربما في السيناريو الثالث تضطر الى فرض الحظر الكلي. أي عدم مغادرة المساكن طيلة الأربع والعشرين ساعة مع إستثناءات زمنية محدودة للتبضع المشروط صحيا. الشوارع الآن خالية ووسط القاهرة يبدو فى حالة إستثنائية تماما.

 

فراغ.. خلاء.. لا بشر!

خلت الشوارع وإمتلأت البيوت. بالتالى ستنتقل ثقافة الزحام إلى البيوت. الكثافة العددية والمدة الزمنية والعطلة والبطالة ومعهم جميعا الشعور بالخوف تخلق معارك يومية صغيرة متعددة. الشعور العام الآن كآبة رونا، أي إكتئاب الكورونا.

اقرأ ايضا: العالم في خطر

 

داخل البيت أنت تغسل المغسول وتعاود غسل الملموس. ودعك المدعوك ورش المرشوش. نظرات الآباء والامهات كبار السن، ناهيك عن الجدود والجدات، هى نظرات توجس وذعر من الشبان بالبيوت. بعض الشباب لايدرى مدى جدية إحساس الخوف من الموت أو العدوى لدى كبار السن من الأبوين أو غيرهما بالعائلة. هو فعلا شعور داهم ومؤلم. يضاعف منه إحساس الكبار بأن الشبان لا يكترثون.. حتى ولو كانوا يمازحونهم.

 

لا وقت للمزاح اليوم

كلنا فى مزاج عكر. كلنا واقف أو جالس مترقب زوال الغمة أو وقوعها. يا رب السموات كم هذا موجع! تلك النظرة الخائفة فى عيني الأم من أن يكون أحد افراد العائلة حاملا للفيروس. تلك النظرات المتشككة. أو العكس. أن تعيش فى زنزانة كبيرة، هى بيتك فى نهاية الأمر، لكنها مملوءة بأشباح الفيروس.. عذاب لا يحتمل.

 

وهذا ماجرى..

دخل الشاب علي أبيه صارخا: انا سخن يابابا. أنا سخن. خذنى إلى الحميات

جس الأب جبهة ابنه ووجدها فوق الدافئة.. ثم انتبه أنه لامس جبهة ابنه.. وربما يكون.. إنتبه الإبن أيضا أن أباه خائف.. طرد الأب هواجسه بسرعة ومارس أبوته.. واستشار طبيبا وجاء بأدوية.. لكن الشاب اصر على مشاورة رقم وزارة الصحة 105. ردوا بعد رابع محاولة. سآلوه عندك وعندك وعندك وعندك وعندك؟.. وكانت إجابته بلا، ولا، لا، لا.

فقالوا:  إذن لا تقلق!

 

اقرأ ايضا: شيء من الكرامة.. أخيرا

 

سألهم: أروح الحميات آخذ مسحة؟

أجابوه: انت سليم.. لا يمكنك التوجه الى الحميات إلا بإخطار منا.

هدأت ملامح الشاب. وإرتاح الأب.. وعاود جس جبهة إبنه.. كانت عادية وأقرب إلى البرودة!

الوهم.. يقتلنا.

إنصرف الإبن.. وتحسس الأب جبهته.. وتساءل فى جزع: أنا دافي ولا سخن؟

ثم صاح متوجسا: أنا سخن وحلقي.. وعيني.. و..

نادي على ابنه: إنت يازفت!

سأل الإبن أباه الاسئلة ذاتها التى تلقاها من الخط 105، وكانت إجابات الأب زجر ونهر وسبابا.. فجس الولد جبهة أبيه وإبتسم رغم سيل الشتائم ومازحه: ياعم محمد قوم إنت حتحور علي.. مفيش حرارة وقورتك باردة! ضحكنا.. قليلا.. ولما أراد معانقتى صددته بذراعى: إعقل...وإبعد الفيروس بيننا!

نحن نعيش زمن الوسواس القهرى.

Advertisements
الجريدة الرسمية