رئيس التحرير
عصام كامل

تأملات فى الوباء: الدول.. سجون كبيرة

منذ الكارثة، يرفع معظم البشر، الآن، عيونهم، كل لحظة، الى السماء، يرون أنها تعاقبهم بفيروس كورونا. معدلات التطلع الى السموات، والتضرع الى الله تزداد بالقطع فى الدول ذات الكثافة العالية فى المصابين والمتوفين.

 

وقت الشعور بقرب النهاية يستبد بالإنسان نزوع متلهف إلى ال|إعتراف بالتقصير مع الذات الإلهية. نعرف ربنا وقت المحنة وقبيل إسدال الستار. هذه طبيعة بشرية. فيروس يثير الرعب فى كوكب الارض. دقيق غير معروف متحول. مخلوق من أدنى مخلوقات الله يضرب الجيوش والحكومات والأمم.

 

يحبس رؤساء دول وبرلمانات وراء الجدران. تتحول مكاتبهم ومضاجعهم ومنتجعاتهم إلى زنازين مسورة بالرعب والتوتر والتوجس، والتشكك فى كل من لامس وإقترب أو عطس وكح وارتجف!

 

اقرأ ايضا: عندما تغيب الدولة عن الفن!

 

وبالرغم من الصورة الزائفة التى يقدمها أقوى رجل في العالم، دونالد ترامب، عن عدم إكتراثه بالفيروس، وقد ضرب بالفعل حتى كتابة هذه السطور مساء الأربعاء ٣٦ ولاية أمريكية، أقول بالرغم من تظاهره باللامبالاة، فإن المقربين والمحيطين به يسربون معلومات عن حالة القلق والخوف من الاصابة خاصة أنه فوق السبعين بسنين!

 

وزيرة الصحة البريطانية مصابة. حضرت إجتماعا للحكومة يرأسه بوريس جونسون. وزيرة الثقافة الفرنسية مصابة. قائد عام الجيش البولندى مصاب. رئيس أركان الجيش الإيطالي مصاب. كل إيطاليا تحت الحجر الصحى. الستون مليون إيطالى لزموا بيوتهم. مدرجات المباريات خالية. مباريات تأجلت في فرنسا وإسبانيا وبريطانيا.

 

إقرأ ايضا: الكمامة.. والقمامة!

 

ميركل أعلنت إن الفيروس سيضرب مابين ٦٠ ٪؜ إلى ٧٠٪؜ من الشعب الألمانى. كل العالم خائف من ذرة خفية ذات قدرة إلهية هائلة على التسلل والغزووالإحتلال والفتك. بجلالة قدرها، تقف القوة الأمريكية عاجزة مرتبكة. علماء العالم فى سباق مع الزمن لإنقاذ الدول من الانهيار الإقتصادى.

 

لاحظت خلو ميادين التظاهرات والإحتجاجات. فر المحتجون هربا بأرواحهم. لم يفروا أمام قوات الأمن المركزى ودروعهم وهراواتهم وقنابلهم المسيلة للدموع. فروا من فيروس لا يرونه. يرون فقط جثث الذين قتلهم ملفوفة فى الأكياس السوداء. حقق الفيروس لحكومات لبنان والعراق والجزائر وأماكن أخرى من مناطق الغضب والرفض الشعبى للحكومات القائمة ما لم تسطع قوات عسكرية وأمنية مشتركة تحقيقه.

 

إقرأ ايضا: كلنا ركاب وكلنا كمسارية!

 

لو ظهر هذا الفيروس متزامنا مع الربيع العبرى.. لكان ربيعا للحكومات والأنظمة التى أطيح بها. لا أقصد قط الى تشف، بل ألاحظ وأسجل وأتأمل. الملايين التى ملأت ساحات الميادين الكبرى فى دول الربيع العبرى، وأمضت الليالى الطوال تحت الزمهرير والأمطار خارج الخيام، وداخل خيام التزاحم والتلامس، ما كانت لتبقى او تستمر لو همس أحدهم أن فيروسا ينتشر، يضرب الرئات ويفتك بالكلى!

 

مرة أخرى، أكرر أنى لا اقصد إلى تشف، بل أتصور كيف أن الإنسان فى لحظات الخطر الغيبي الداهم سيرى إن ما يتكالب عليه في الدنيا من سلطان سيصير بلا أية قيمة ما دامت النهاية تلوح على ظهر فيروس يتراقص فى الأفق!

 

اقرأ ايضا: متعة إذلال أصحاب المعاشات!

 

يتحدثون عن لقاح وشيك مع أول إبريل، نرجوا الآ يكون الكدبة الكبرى، ونتمنى الآ يتحول الفيروس أو يتحور، لأن إستمرار تحول الدول إلى زنازين وسجون كبرى، سوف تترتب عليه إلى جانب الإنهيارات السياسية والعسكرية والمالية إنهيارات عصبية، تدفع بالبشر إلى سلوكيات غريزية تستهدف الحياة بينما هى الموت بعينه.. شئ أقرب إلى الزومبيز!

من المؤكد أننا أغضبنا الله غضبا عظيما...

إعتبروا يا حكام العالم.. نحن ندفع معكم ثمن ظلمكم وعدوانكم وحروبكم.. لأننا سكتنا وبررنا وهللنا ونافقنا.. كل شعب يستحق فيروسه.. حاكمه!

 

الجريدة الرسمية