رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

«سيناريوهات الحسم» بمفاوضات سد النهضة.. إثيوبيا تراهن على الوقت لفرض الأمر الواقع.. ومصر تستعد بـ«الحل البديل»

سد النهضة
سد النهضة

تكشّفت الأوراق كاملة في ملف سد النهضة الإثيوبي بعدما ظهر الموقف السوداني على حقيقته كعقبة أمام مصالح مصر وأمنها المائي الذي لا يقبل القسمة على اثنين، وجاء ذلك بعدما تحفظ السودان على مشروع قرار من مجلس وزراء الخارجية العرب يؤكد تضامن الجامعة العربية مع موقف مصر والسودان الخاص بسد النهضة الإثيوبي باعتبارهما دولتي المصب.

9 سنوات هي عمر المفاوضات التي كان السودان طرفًا أساسيًا فيها، إلا أنه لم يكن له دور حقيقي في حماية المصالح المصرية وأمنها المائي، حتى أعلن صراحة موقفه الأخير تجاه مصر في الاجتماع الأخير لوزراء الخارجية العرب، ورفض السودان المشاركة في تبني موقف عربي يدعم مصر وموقفها في مفاوضات سد النهضة، ما مثّل صدمة لدى الكثيرين بسبب تخلي الخرطوم عن التزاماتها العربية تجاه "أم الدنيا" بشكل مفاجئ.

الدكتور محمد نصر علام وزير الري والموارد المائية الأسبق أعرب عن دهشته الكبيرة من الموقف السوداني "غير المبرر" من رفض مشروع القرار العربي الداعم لمصر في مفاوضات سد النهضة، وهو إحدى الخطوات الدبلوماسية التي تحاول مصر من خلالها جمع تأييد دولي ضد التعنت الإثيوبي في المفاوضات التي استمرت على مدار 9 سنوات قبل الاجتماع على بنود اتفاق أخير وعادل للأطراف الثلاثة.

علام وصف في تصريحاته لـ"فيتو" ما أقدمت عليه السودان بـ"عداء مصر"، مؤكدًا أن الخرطوم لا تهدد الأمن المائي المصري فقط بل موقفها أيضا لا يراعي المصالح السودانية نفسها، حيث يؤثر ذلك على تغيير طبيعة الري والزراعة في السودان بشكل مفاجئ، وسط وضع اقتصادي منهار إلى جانب عدم وضوح دراسات أمان السد التي تمثل خطرًا كبيرًا على السودان يصل إلى حد الفناء.

الدول المساهمة فى بناء سد النهضة | قائمة الشركات العاملة ودور «مستر إكس» الخفى

وأكد أن إثيوبيا تستخدم السودان ضد مصر، حيث أظهرت الأخيرة موقفها الدبلوماسي الرسمي من مصر في محفل دولي إقليمي وهو جامعة الدول العربية، وهو بالتأكيد نفس الموقف الذي ستبديه الخرطوم حال لجوء مصر لمنظمات دولية كمجلس الأمن، لافتا إلى أن الفريق السوداني الذي يتولى التفاوض في أزمة سد النهضة لم يتغير بعد الأحداث التي أطاحت بالرئيس السوداني السابق عمر البشير ومازال يلتزم بنفس النهج العدائي ضد مصر منذ عام 2013، وهو موقف لا مبررات له إلا أن الخرطوم تشترك في المشروع الإثيوبي الإستراتيجي للإضرار بمصر ومحاولة إضعافها، وتناست السودان كل المواقف المصرية الداعمة لها من الاعتراض على تجميد عضويتها بالاتحاد الإفريقي واستقبال الرئيس الراحل حسني مبارك للرئيس السابق البشير وقتما كان مطلوبا دوليا، ناهيك عن أن العلاقات المصرية- السودانية عميقة ومتجذرة منذ أن وحد محمد على باشا السودان وأنشأ مدينة الخرطوم.

 وقال الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة: إن الموقف السوداني تجاه مصر في أزمة سد النهضة لم يتغير، وما حدث في اجتماع وزراء الخارجية العرب كاشف لطبيعة الموقف السوداني، فمشروع القرار الداعم لمصر في أزمة سد النهضة لم يجرؤ القطريون، وهم الأشد عداوة لمصر مؤخرا، أن يتحفظوا عليه بينما فعلت السودان ذلك.

سد النهضة.. من المراوغة إلى المواجهة

وأشار فهمي إلى أن هناك نقاطا يجب الانتباه إليها وهي أن السودان تبنت موقف إثيوبيا قبل الذهاب إلى واشنطن وبدء المفاوضات برعاية الولايات المتحدة الأمريكية، وهو نفس الموقف الذي تبنته في كل مراحل التفاوض، فالسودان لم يوقع بالأحرف الأولى على وثيقة اتفاق سد النهضة التي خرجت من اجتماعات واشنطن، ولم يبدِ أيضا أي تحفظات، وأعتقد أنه إذا تم استئناف المفاوضات فيجب أن نعرف ما هي تحفظات السودان التي منعته من التوقيع والاعتراض على الوثيقة لندرسها من الناحية القانونية.

وذكر أن السودان سيمثل مشكلة لمصر في الفترات المقبلة لأنها دولة جوار ولنا معها علاقات تفاصيلها عميقة وكثيرة وهناك علاقات تاريخية، لكن على خلفية الأحداث الأخيرة وتقدم النظام بالخرطوم بشكوى ضد مصر حول أحقية السودان في مثلث حلايب وشلاتين ورغم أنه طلب دوري يقدمه السودان مع كل انعقاد لمجلس الأمن، لكنه كاشف لطبيعة النظام الجديد في السودان وموقفه من مصر.

وأتوقع أن العلاقات بين القاهرة والخرطوم لن تكون على ما يرام في قادم الزمن، رغم أن القاهرة لا تتخذ أي إجراءات تصعيدية ضد جارتها الخرطوم في المواقف المختلفة، فمنذ فترة سحبت السودان سفيرها من مصر وهو ما لم ترده  القاهرة بالمثل مع جارتها، وأوضح أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة أن إثيوبيا تبني مفهوم "الدولة الإقليمية الكبيرة" في نطاقها الجغرافي، والسودان تدخل في هذا النطاق، وأعتقد أن السودان تسعى لكسب ود أمريكا للخروج من دائرة العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، مضيفًا أن قدرة الدولة المصرية على التعامل مع الأطراف الإقليمية الفاعلة في سد النهضة بالتمويل والاستثمار مثل الصين وإيطاليا وإسرائيل سيتضح في الفترة المقبلة، خاصة أن تلك الدول سيكون لها ردود أفعال بسبب الموقف المصري الرافض بشكل قاطع لبدء التشغيل وعملية الملء بدون التوقيع على اتفاق مسبق، فمصر أعلنت بشكل صريح ورسمي رفضها لسياسة الأمر الواقع التي تحاول أن تفرضها إثيوبيا.

وأكد فهمي أن الموقف الأمريكي الحالي من المفاوضات لا يمكن التعويل عليه إلى النهاية لأنه قد يتغير مع الوقت ويجب على الدولة المصرية أن تعتمد على إستراتيجية تحرك جديدة لكسب الوقت في هذا الملف، وألا تترك الأمور تنتقل من وزارة الخزانة الأمريكية إلى الخارجية الأمريكية وبدء جولات مفاوضات جديدة لأن كل ذلك يمنح إثيوبيا الوقت للانتهاء من تشييد السد وتشغيله، ووقتها سيكون الوقت قد أزف على الاعتراض في ظل سعي إثيوبيا لملء وتشغيل السد خلال العام المقبل.

إثيوبيا تستفز مصر بنشر صور جديدة تظهر التسريع في بناء سد النهضة وأوضحت الدكتورة أماني الطويل، الخبيرة بمركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية، أن سد النهضة جزء من مشروع صيني كبير في منطقة القرن الأفريقي، مشيرة إلى أن الصين تمول بناء السد وتورد التوربينات ومحطات نقل الكهرباء، بينما تتبع إثيوبيا تكتيكا إسرائيليا في التفاوض من خلال التلاعب بالوقت دون الوصول إلى نتائج، فإسرائيل هي الممول السياسي للسد بينما الصين الممول اللوجيستي.

 

وأضافت الدكتورة أماني الطويل أن الدولة المصرية يمكنها أن تصل إلى تفاهم مع الصين لخفض قدرة توربينات السد وتوليدها للكهرباء وربطها بعدد سنوات ملء خزان السد في سنوات الجفاف ليتناسب مع الاحتياجات المائية لمصر، وأن يكون الملء باتفاق مسبق لأن ما تفعله إثيوبيا من محاولة فرض الأمر الواقع يخالف القوانين الدولية، وأشارت إلى أن الموقف الأمريكي من الممكن تغييره في أي مرحلة فهو مرتبط بحجم التنازلات التي يمكن أن تقدمها مصر في الملفات الأخرى، موضحة أن الموقف الإثيوبي الجريء والعدائي لمصر يرجع إلى أنها تعتقد أن مصر لا تمتلك أوراق ضغط مؤثرة لكبح جماح الأحلام والطموحات الإثيوبية في منطقة شرق النيل، مؤكدة أن إثيوبيا ترغب في تأكيد حجمها الإقليمي كقوة صاعدة والدفاع عن مصالحها.

 

“نقلا عن العدد الورقي...”

Advertisements
الجريدة الرسمية