رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

الأشكيف وزراعة المكرونة

من علامات المرحلة الإعدادية ذلك المدرس الذي أطلقنا عليه اسم «الأشكيف» وسبب هذه التسمية يعود إلى أن الأستاذ «أشرف» هذا، كان وجهه مخيفًا للغاية والحبوب تتناثر على خديه وجبينه وكل ملمح في وجهه..

 

في تلك الأيام كان يعرض مسلسل «ألف ليلة وليلة الشهير»، حول الأميرة الجميلة التي يعشقها جني يسمى الأشكيف، والذي اختطفها في قصره أملا في أن يجبرها على حبه.. وكنا في أثناء مشاهدتنا هذا المسلسل نشعر برعب يليق بأطفال سذج، أطفال الأولى والبلي وشد الكوبس، مع كامل احترامنا لأطفال الميوزكلي وأفلام الرعب حاليا..

 

اقرأ ايضا: سيما أونطة

 

وحكاية الأستاذ أشرف مثيرة ومضحكة إذ كان يدرس لنا مادة «الزراعة» ورغم أن مثل هذه المواد لا تحظى باهتمام أحد، فلا نذاكرها ولا نحرص على النجاح في امتحاناتها الشهرية أو في نهاية العام، إلا أننا كنا مجبرين على صمها صما خشية غضبة الأشكيف الذي كان عقابه شديدا لمن يهملها أو لا يعتني بكراستيها.. كراسة المدرسة وكراسة الواجب المنزلي..

 

وشخصيا، كنت أشد الحريصين على استذكار كل كلمة يقولها الأستاذ أشرف وحفظها جيدا، فشر أبا محمد أبوسويلم بطل فيلم «الأرض»، وهذا ما أهلني لأن أصبح «رائد الفصل»  في حصة الزراعة، إذ كنت متفوقا وأحصل على درجة لا تقل عن «تسعة ونص من عشرة» في أي امتحان ولو مفاجيء..

 

اقرأ ايضا: عجوز يكتب التاريخ على حذاء

 

وفي أحد الايام، دخل الأستاذ أشرف الفصل، وكنا كالعادة كمن حط على رؤوسهم الطير، وكما يقال «ترمي الأبرة ترن»، وهذا ليس من باب الأدب – لا سمح الله – بل من الرعب الذي ينشره الأشكيف فينا بمجرد رؤياه أو حتى لاقتراب موعد حصته..

 

لم يلتفت الاشكيف المخيف لنا فور دخوله، بل أخذ الطباشيرة وراح يكتب على السبورة تاريخ اليوم ميلاديا وهجريا واسم المادة تعلوها البسملة، ثم عنوان الدرس، فماذا كان عنوان الدرس!

إنه «زراعة المكرونة»..

 

اقرأ ايضا: اقتلوا الست النكدية

 

أي نعم «زراعة المكرونة» ورغم غرابة الاسم لعلمنا أن المكرونة تصنع ولا تزرع إلا أن أحدنا حتى لم ينظر للآخر ولو من باب الاستغراب، ورحنا ندون وراء الأستاذ أشرف ما يكتبه على السبورة كالعادة..

«3 أكتوبر 1989 م.. زراعة المكرونة.. تزرع المكرونة في الفترة من ديسمبر إلى يناير.. وتحصد في أوائل فبراير.. يمكن زراعتها سادة وكذلك يمكن زراعتها بالصلصة.. تتعدد أنواع البذور وكذلك الثمار، لكن أجوده هي بذور المكرونة القلم.. وتصلح معظم الأراضي سواء الطينية أو الرملية لزراعة المكرونة، لكنها تحتاج إلى جو معتدل أو بارد.. وتروى أشجار المكرونة بقليل من المياه حتى لا تتعجن.. وتصدر مصر المكرونة إلى معظم بلدان العالم خصوصا أوروبا وأمريكا لشمالية.. وتدر زراعة وتصدير المكرونة دخلا كبيرا على البلاد يتجاوز العشرة ملايين دولار سنويا».

اقرأ ايضا: أسطورة جبال الملح

انتهى الدرس بعدما شرحه لنا الأشكيف بالتفصيل واختبرنا ليتأكد من تحصيل كل المعلومات واستيعابها، أو بالأحرى حفظها، إذ طلب منا كتابته عشرين مرة في كراسة الواجب المنزلي، وفي اليوم التالي أجرى لنا اختبارا في هذا الدرس وحده، وبحمد لله حصل معظمنا على الدرجة النهائية «عشرة من عشرة»، وكان هذا من باب «التقية» التي لم نكن نعرف عنها شيئا، وإنما كنا نطبقها اتقاء لغضب الأشكيف.

Advertisements
الجريدة الرسمية