رئيس التحرير
عصام كامل

غسل محمد رمضان!

تعلمنا في الدراسات الإعلامية أن قدرة وسائل الإعلام على التغيير أقل من قدرتها على تدعيم الاتجاهات القائمة، وأن التغيير في الاتجاهات والأفكار والعقائد يحتاج إلى خطط طويلة الأمد وأدوات ورسائل تبتعد عن المباشرة. هذه بديهية إعلامية معروفة.

 

وخلال الساعات القليلة الماضية وحتى قبيل الساعة التاسعة من مساء أمس، كان الناس يترقبون التطوير المنتظر للتليفزيون المصري، إلى أن جرى تنويه صادم عن استضافة المذيع للفنان المرفوض غنائيا.. والمحظور من الرقص والابتذال.. محمد رمضان.

 

بهت الناس! كيف يتحدى التليفزيون مشاعرهم الرافضة لظهوره وهيئته المرتبطة بصورة البلطجي والمتعجرف والمغتر والمتباهي كما روجت له أفلامه ومهرجاناته ووقعته اللاإنسانية مع الطيار، الذي نكث وعده معه وبث صورته داخل كابينة الطائرة! وتساءلوا عن دور وزير الدولة للإعلام أسامة هيكل.. وتساءلوا عن دور الأعلى للإعلام.

 

 وإعلام التآمر موجود داخليا أيضا !

 

شاهدت تطوير التاسعة وتابعت، ويمكن القول إن شكل الشاشة تغير تغيرا لافتا، جماليا ووظيفيا، وبالطبع هناك توتر أدى إلى نبرة خطابية زاعقة من المذيعة الشابة، وحركات والتفاتات عصبية متكررة.. نتوقع أن تهدأ وتتخلص منها.. كانت زميلتها أكثر رصانة ورزانة ومهنية. التغطية الإخبارية كانت متنوعة وبإيقاع جديد.

 

لكن تبقى مسألة استفزاز الناس، ورغم كل الجهود التي بذلها مقدم البرنامج لتحسين صورة رمضان تحسبا لمسلسله في رمضان، والذي بات مهددا بسبب الرفض الشعبي الجارف لهذه الشخصية التي تقدم للجيل الحالي أسوأ النماذج، وليستعيد جمهورا بات يرى صوره بالسيوف والآر بي جي مقززة، فضلا عن ملابسه الشيفون، وتعريه!

 

هي إذن حملة إعلانية، لكن من المفهوم أيضا أن من الصعب جدا تحويل اتجاهات الرأي العام ضد شخص يرى الناس أن السماء أغرقته مالا وحظا وانقلب عليهم بالتعالي والتباهي وتقديم فن يهدم القيم ويحرض على الجريمة وأخذ الحق بالسيوف والسنج وجراكن البنزين.

 

مرسوم ترامب.. اليهودية قومية !

 

تبرأ مذيعون كثيرون من أن يقدم ماسبيرو على استضافة شخص محظور اجتماعيا، في عداء مع الرأي العام، لكن المذيع يستضيفه، وفشلت الحملة الجماهيرية لوقف استضافته وكان لي دور، ونجح التلفزيون في تكدير الصفو العام ورفع ضغط الناس وأحسوا بأنهم موضع الاستهانة، وأن الضيوف، من بعد هذا الشخص، سيكونون على الشاكلة ذاتها.. شخصيات ممزقة السمعة!

 

ما الهدف من التطوير في أي منظومة أو وسيلة إعلامية؟

 

زيادة المشاهدة لتوسيع دائرة الاستمتاع والإقناع وإحداث التأثير السلوكي المنشود، ولن يتحقق ذلك قط إلا بالأسلوب العلمي وبالاختيار الواعي للأشخاص، والبعد عن أساليب الصحافة الصفراء، والكف عن ملاحقة الشاذ والغريب من السلوكيات والتركيز على القيم وأبطالها، مع الامتاع بالفنون المبهرة في الإخراج والتصوير والنماذج المعلوماتية.

 

أما زيادة المشاهدة باستدعاء ما يمقته الناس وعرض القرف عليهم.. فهو أشبه بسيدة جميلة مبتذلة!

كان يمكن أن نفرح كثيرا بالبداية الطيبة للتطوير.. لولا استضافة رمضان ناشر القيم الفاسدة في المجتمع ومن العجب أنه وصف في بدء حواره مع المذيع كل الذين دعوا إلى مقاطعته ورفضه بأنهم... نقطة في بحر المعجبين!

 

الجريدة الرسمية