رئيس التحرير
عصام كامل

حكاية كسوة السيدة زينب

ثلاثون فتاة وامرأة من عديد من الدول، من تونس ومن كندا ومن فرنسا ومن أمريكا تقودهن امرأة صوفية محبة من مدينة سوسة بتونس وطبيب عاشق لآل البيت، ترك باريس وعاش حالة الوجد بلا حدود، على مدار ثلاثة أشهر من العمل المتواصل ليلا ونهارا.

 

نسجوا كسوة محلاة بخيوط من حرير مطعم بالذهب، وأحجار كريمة صيغت بمهارة يدوية، وإشراف فني وتاج مرصع بالياقوت والمرجان حيكت تفاصيله بدبي، قماش الدانتيل جاء من أفخم محال فرنسا المتخصصة في هذا الأمر، والقماش الأخضر من مصر المحروسة.

 

اقرأ ايضا: سقوط الإنسانية في امتحان كورونا

 

خطاطون وفنانون كتبوا ورسموا وجلبوا الأحجار من مكة والمدينة، وأقاموا هيكلا للضريح على نفس مقاس الضريح الأصلي بالقاهرة، أقاموه في سوسة وواصلوا العمل ليلا ونهارا حتى انتهوا من صياغة وحياكة كسوة الضريح "المشيرة"، أم العواجز كما يلقبونها، السيدة زينب بنت علي بن أبي طالب رضى الله عنها وأرضاها.

 

كيف امتد جذور هذا الحب في أعماق البشر عبر قرون زادت على الأربعة عشر قرنا؟ كيف ظل هذا النبت ممتد الجذور في نفوس البشر عبر مئات السنين، يرتوى من ذكريات على صفحات التاريخ؟

 

اقرأ ايضا: أردوغان.. بين المغامرة والمؤامرة

 

كيف يصل الوصل إلى القلوب التي لم تر المحبوب بعين الواقع وقد راق لها أن تبصر ببصيرة لا يدرك أبعادها إلا مؤمنون يرون بعيون القلوب ما لا تراه عيون الوجوه؟ كيف دانت لهم القلوب وناجتهم الحناجر بكرة وأصيلا؟

 

قصة السيدة أم حبيبة مع آل البيت واحدة من قصص "النداهات" فلم تكن يوما من الأيام على هذا الطريق ولا قريبة منه، كانت قاضية معروفة لها نجاحاتها التي حققتها مع المرأة التونسية في تاريخها، ربما كانت لا تعرف الكثير من أمور دينها، ولم تكن تتصور أن ينتهي بها الطريق إلى حيث وصل، مواطنة عادية تصارع الحياة من أجل مستقبلها وتحقيق ذاتها في السلك القضائي.

 

اقرأ ايضا: لماذا يجب ان نكره إسرائيل؟

 

قصص مثيرة وتفاصيل أكثر دهشة تقودها إلى خلاص من ذلك الصراع الموحش في حياة جافة يقاس فيها المستقبل بما حققت من مكسب دنيوي زائل، وصلت الطرق والمدقات والآثار بها إلى مساحة من الغوص في أعماق النفس البشرية ومنها الانطلاق إلى عالم أكثر رحابة، كل التفاصيل كانت تقودها إلى مقر ومستقر غير الذي خططته لحياتها، في الأفق البعيد صوت ما يناديها أن تخلص وتتخلص وأن تتبدى في حلة أخرى هي حلتها ومنتهاها.. ذهبت ولم تعد.

 

زوجها الطبيب المشهور التقاها على ذات المنصة، وهو الذي غاص في قلوب البشر طبيبا ومعالجا وشافيا بإذن الله، وجد شيئا ما يستقطبه إلى ذات المنحنى، عليل في طريق تغلفه أنوار لا يراها إلا المبصرون، شفافية تحيط الذات البشرية، تنقله من واقع إلى خيالات أبهى من الواقع الهش الذي نحياه، ينتقل إلى ذات المصير، إلى الهوى والعشق السرمدى لآل البيت.

 

فما أبهاه من عشق وما أنضره من حب.. تلك كانت قصة أم حبيبة والدكتور الطيب وموعدهما الليلة مع تغيير كسوة السيدة زينب رضى الله عنها وأرضاها.

الجريدة الرسمية