رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

قراءة في إقرار سوريا بالإبادة العثمانية للأرمن

قبل أسابيع قليلة من حلول  الذكرى السنوية لواحدة من أفظع الجرائم الدولية التي شهدها التاريخ الحديث، وهي الإبادة الجماعية للأرمن في تركيا العثمانية عام 1915، جهر علنا مجلس  الشعب  السوري بإقرار أن ما ارتكبته سطات البطش للسلطنة العثمانية بحق الأرمن في عام 1915،هو جريمة  إبادة جماعية.

 

اقرأ أيضا: مذكرة الحدود البحرية التركية الليبية سابقة خطيرة لم تفعلها أي دولة

 

و بالرغم من أهمية قرار مجلس الشعب  السوري المهم، و بالرغم أيضا  من فاعلية إقرار الجماعة الدولية بضرورة الحد من ارتكاب مثل هذه  الجريمة النكراء - الإبادة الجماعية– التي يسمها كافة فقهاء القانون الدولي بجريمة الجرائم الدولية قاطبة، والجريمة النموذج للجرائم ضد الإنسانية، لكن يظل التناول القانوني لمسؤولية "تركيا"، في جبر الضحايا الأرمن وعوائلهم، القضية الأهم ليس لأرمينيا والشعب الأرمني فقط، ولكن للجماعة الدولية بأسرها.

 

إن  الأساس  القانوني للتعويضات يجد معينا لا ينضب في  المواثيق  الدولية العديدة  لحقوق الإنسان، والتي  تكفلت بإقرار حق  الضحايا للانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في التعويض، وتعززت مفاعيلها علي الصعيد العملي، ووصلت إلى  حد  اعتبار حق  الحصول على التعويضات من أهم المبادئ التي  تطبق عندما تتعرض حقوق  الإنسان إلى الانتهاكات.

 

اقرأ أيضا: فلسطين قررت تعديل مشروع إدانة صفقة القرن لصعوبة حشد تأييد دولي

 

إن الأساس  القانوني للمسؤولية الدولية هو نظام  لا يغفل  الضرر الواقع  على  الأفراد من جانب  الدول، ولتحقيق ذلك تم استحداث نظرية تدخل الأفراد -الطبيعيين  والمعنويين– في إطار النظام القانوني للمسئولية الدولية.

وفي نطاق هذه النظرية يجوز للدول التي ينتمي لها الفرد المضرور بجنسيته إثارة المسئولية الدولية ضد الدولة التي ألحقت بالفرد الضرر.

 

في ذات  السياق، لا يجوز غض الطرف عن الانتهاكات الجسيمة للقواعد الآمرة في القانون الدولي، ومنها ارتكاب جريمة الإبادة  الجماعية، دون إقرار المسئولية الدولية لمرتكبي هذه الجريمة النكراء سواء من الدول أو الأفراد، فقد أصبح مستقرا منذ عقود خلت أن جريمة الإبادة الجماعية أحد الجرائم  الدولية التي لا تسقط بالتقادم، ولا يجوز حيالها العفو عن مرتكبيها، أو الدفع بالصفة الرسمية لمرتكبي هذه الجريمة.

 

اقرأ أيضا: إصدار ليبيا وتركيا تشريعات بشأن حقوقهما بالمنطقتين الاقتصاديتين "باطل"

 

تعد  الترضية، أحد  الآثار القانونية غير المباشرة للمسئولية الدولية، كوسيلة مهمة من وسائل  إصلاح الضرر  في القانون  الدولي، وهي وسيلة الانتصاف التي يتم بموجبها إصلاح الضرر المعنوي الذي يلحق بأشخاص القانون الدولي، ومن بين صور  الترضية التي عددتها المادة 37 من مشروع مسؤولية الدول عن الأفعال غير المشروعة دوليا عام 2001: التعبير عن  الأسف، و عدم إقرار الانتهاك أي إعلان عدم  مشروعيته، و الاعتذار.

 

جلي أن الترضية تقدمها الدولة التي انتهكت قواعد  القانون الدولي  للدولة المتضررة في  إطار جبر الأضرار التي يتعذر إصلاحها عن طريق الرد  أو التعويض  المالي، كإهانة الرؤساء مثلا، وهنا تخرج الحالة الارمينية عن ذلك الإطار، فمن غير المتصور أن يكون مجرد  الاعتذار التركي، شافيا لغليل الدولة والشعب الأرمنيين، تجاه  الجرائم المرتكبة بحق أجدادهم ونشير هنا لقضاء محكمة العدل  الدولية في لاهاي، في قضية La Grand، حيث قررت المحكمة أن اعتذار الولايات المتحدة لألمانيا بخصوص احتجاز موظفيها في  السلك الدبلوماسي يعتبر غير كاف.

 

أما التعويض أو الرد العيني (إعادة  الحال إلي ما كانت عليه) – أحد  الآثار القانونية المباشرة لجبر الضرر-، فيعني  في الحالة الأرمينية، أن تقوم تركيا بإعادة الممتلكات والأشياء المختلفة التي صادرتها السلطات العثمانية ثم التركية لاحقا منذ عام 1923، إلي أصحابها الأرمن بالحالة التي ستكون عليها قبل عملية الاستيلاء، وهنا نؤكد على  أن الرد العيني واجب دولي  طالما لم يكن مستحيلا

 

اقرأ أيضا: بلطجة في البحر

 

يعد التعويض المالي، أحد الآثار القانونية غير المباشرة للمسئولية الدولية، لرفع العمل غير المشروع دوليا أو  جبر الضرر  الناجم عنه، ويعد التزاما دوليا علي عاتق الطرف المسئول وفق قواعد  القانون الدولي، وهو النتيجة الطبيعية للمسئولية الدولية، وتطبيقا لذلك، تقوم الدولة المسئولة بدفع مبلغ  من المال كتعويض نقدي عن الأضرار التي ترتبت عن فعل استوجب المسئولية الدولية، وحين تقرر الدولة المتضررة -أرمينيا تدليلا– تفضيل ذلك النوع من أنواع الجبر، فلا تستطيع الدولة المطالبة بالتعويض  المالي –تركيا تدليلا- الرفض .

 

وختاما، فإن القرار التاريخي  للبرلمان السوري، يعكس ويقرر التضامن الإنساني  العالمي، للإقرار بالحقيقة الدامغة بشأن إبادة الأرمن، و يرسل رسالة قوية لمنكري ارتكاب الجريمة، و ينهض بالدول التي لم تصدر مثل ذلك القرار، لأن  تضطلع بمسئوليتها الدولية تجاه إحقاق حقوق الضحايا .

 

Advertisements
الجريدة الرسمية