رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

سقوط الإنسانية في امتحان كورونا

أن يغادر الغرباء الذين أتوها طائعين مدينة ووهان المنكوبة بفيروس كورونا أمر مفهوم. أن تقوم دول بإخلاء رعاياها من الصين أمر محمود، وأن تقوم شركات طيران بإلغاء رحلاتها إلى الصين أو إلى ووهان قد يكون أمرا منطقيا، أما أن ترفض دول متقدمة دخول سفن إليها لأن بها مصابين فهذا أمر لا إنساني بالمرة.

 

أن تبقى هذه السفن سجينة البحار والمحيطات، وتزداد الإصابات بمن عليها فهذا أمر بشع ومريع وفظيع.. تصور نفسك على ظهر سفينة ظهر بها المرض في حالة أو حالتين، وتمنع من دخول أي دولة لتبقي رهين الحصار بين الموت جوعا أو غرقا أو انتقال الفيروس إليك لا لشيء إلا لأن العالم فقد إنسانيته.

 

اقرأ أيضا: الإعلام والأخوة الإنسانية

 

المثير أن مبررات رفض رسو تلك السفن يحمل مصطلحات إنسانية بزعم حماية البلاد من انتقال المرض إليها، فيكون الخيار أن تظل تلك السفن في عرض البحر دون أية مساعدات طبية، تساهم في حصار المرض وإنقاذ الأصحاء ومحاولة علاج المصابين.. ليس هناك أقسى من أن يحكم عليك العالم المتحضر أن تنتظر مصيرك، أن تنتظر الموت يأتيك جوعا أو مرضا أو غرقا.

 

إن أزمة ظهور كورونا الإنسانية كشفت الوجه القبيح للبشرية كلها، الصين أغلقت مصانعها لفترة من أجل حماية الناس وحصار التجمعات الكبرى، فتعطلت مصانع الأدوية ومصانع الكمامات، ولم تمد دولة واحدة يدها إلى الدولة المنكوبة للمساعدة أو المساهمة في حصار فيروس من الممكن أن يصبح طاعون العصر.

 

اقرأ أيضا: استقالة وزير فقد سيطرته على الوزارة

 

أن يتصرف الإنسان بأنانية مرتبطة بحرصه على الحياة أمر متعارف عليه، أما أن تتصرف الدول بذات المنطق وتتصرف بأنانية وتوحش وعدم إنسانية، فهذا ما لا يقبله منطق، فقد مرت على الإنسانية كوارث كثيرة كان التعاون فيها هو العنوان الأبرز.

في أوقات الأعاصير الكارثية تتعاون الدول فيما بينها لتقليل حجم الخسائر والمساعدة في حصار الأزمة، أما الآن فإن العالم يحاصر المأزوم ويضعه في مرمى الموت وحيدا بلا أي تعاطف.

 

فإذا كان البعض يتعامل مع الأزمة الحالية باعتبارها كارثة صحية، فإن الواقع يشير إلى كونها أزمة إنسانية بالدرجة الأولى.. أزمة كشفت التراجع الإنساني في التعامل مع دولة تواجه منفردة طاعونا جديدا دون أن تحاول الدول الكبرى وغيرها أن تمد يد المساعدة لبشر لا ذنب لهم سوى أنهم تعرضوا وحدهم لهذا الداء اللعين، ولم يجدوا من رفاق الكوكب إلا كل إنكار وحصار وقتل بالبطيء.

 

اقرأ أيضا: أردوغان.. بين المغامرة والمؤامرة

 

أقول دون مبالغة إنه قد آن الأوان لتصحيح هذا المسار المريع، لنعلن للصينيين أننا بجانبهم في محنتهم متطوعين أو معاونين أو متبرعين بما يمكن أن يجعل من هذا الموقف مساحة للتعاون الإنساني في مواجهة المصاعب والأمراض، فماذا تساوى الحياة إذا عشناها بتلك الأنانية المفرطة واللا إنسانية الموحشة والحصار الموغل في الكراهية والخوف والحقد!

 

Advertisements
الجريدة الرسمية