رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

التأثير السلبي والإيجابي لارتفاع قيمة الجنيه أمام الدولار

في حلقة تليفزيونية تم استضافتي فيها للحديث عن سعر صرف الجنيه وتأثير ذلك على انخفاض الأسعار خاصة مع ارتفاع سعر الجنيه مقابل للدولار الذي بدأ رحلة الهبوط أمام الجنيه، وكان السؤال المباشر لماذا لم تشهد الأسواق انخفاضا كبيرا في الأسعار بعدما انخفض الدولار؟ 

وقد تناولت في الحلقة ما سبق أن تناولته هنا في نفس الزاوية من أسباب تؤدي إلى عدم شعور المواطن بارتفاع سعر الجنيه مقابل الدولار، من أهمها عدم السيطرة على الأسواق ومحاسبة المحتكرين لبعض السلع بصورة دقيقة تمنع من فرض أسعارهم مهما انخفض سعر الدولار الخ، وقد سجل سعر صرف الجنيه أمام الدولار أداءً قويًا منذ بداية العام الماضي وحتى الآن، بعدما كسر حاجز 16 جنيهًا لأول مرة منذ فبراير 2017. 

 

وارتفع سعر صرف الجنيه أمام الدولار نحو 213 قرشًا حتى الآن مقارنة بسعره في بداية العام الماضي، بنسبة ارتفاع حوالي 11.8%. ووصل متوسط سعر الدولار أمام الجنيه في البنوك حاليا، بحسب بيانات البنك المركزي، إلى نحو 15.73 جنيه للشراء، و15.83 جنيه للبيع.

اقرأ أيضا: برنيس.. حلم أمريكا وإرادة مصر

 وبالطبع يرجع ارتفاع قيمة الجنيه إلى زيادة المعروض من الدولار نتيجة ارتفاع موارد مصر من العملة الصعبة نتيجة أكثر من سبب منها زيادة إيرادات السياحة واستثمارات الأجانب في أدوات الدين المصرية. 

اقرأ أيضا: الإرهابيون والقانون الجديد للمعاشات

ويبدو للبعض أن ارتفاع قيمة الجنيه أمام الدولار خبرًا سعيدًا للاقتصاد المصري، خصوصًا بعد التراجع الذي شهدته العملة المحلية جراء قرار التعويم في نوفمبر 2016 والذي تسبب في ارتفاع معدل تضخم الأسعار لمستويات قياسية نتيجة لانخفاض قيمة العملة. ولا شك طبعا أن ارتفاع الجنيه أمام الدولار هو علامة على تحسن مركز الاقتصاد المصري فارتفاع الجنيه يعني أن الاقتصاد يدخل له موارد دولارية تساهم في الدفاع عن قيمة العملة الوطنية، وهو أمر مهم لأن مصر مستورد صافٍ للغذاء والوقود وهذا الأمر ينعكس على معدلات التضخم.

   ومن الناحية الداخلية يعني ارتفاع الجنيه أن منظومة التعاملات داخل البلد ارتفعت وهذا أمر جيد بالنسبة للمواطن، لأن قدرته الشرائية تحسنت والتضخم تراجع. وقد سجل التضخم السنوي قفزات كبيرة خلال عام 2017 تأثرًا بالإجراءات الإصلاحية التي اتخذتها الحكومة خلال الأعوام الأخيرة، ومن ضمنها تعويم الجنيه، ورفع أسعار الطاقة عدة مرات، حيث بلغ التضخم ذروته في يوليو 2017 عند 34.2%، وهو أعلى معدل في نحو 3 عقود. لكن التضخم السنوي بدأ في التراجع بشكل ملحوظ بدءا من نوفمبر 2017 وحتى مايو 2018، قبل أن يعود للصعود مرة أخرى في يونيو 2018 مع رفع أسعار الوقود.

   وتراجع معدل التضخم السنوي مرة أخرى على مدار شهري نوفمبر وديسمبر الماضيين، ثم ارتفع مجددًا في شهري يناير وفبراير، وانخفض مجددا في شهري مارس وأبريل، قبل أن يعود للارتفاع في مايو الماضي، ثم شهد هبوطا حادا في شهور يونيو ويوليو وأغسطس وسبتمبر وأكتوبر الماضية رغم رفع أسعار الوقود والكهرباء في يوليو، ثم عاد للارتفاع في ديسمبر ويناير الماضيين. فإذا كان الهدف من ارتفاع الجنيه تحسين مستوى المعيشة فهذا يعني أن ارتفاع الجنيه أمر جيد. وحدد تقرير لبنك استثمار فاروس، القطاعات التي ستستفيد من ارتفاع قيمة الجنيه بأنها قطاع السلع الاستهلاكية، والرعاية الصحية والأدوية، مع تراجع تكلفة إنتاج السلع أو توفير الخدمات.

 ولا يبدو ارتفاع قيمة الجنيه أمرًا جيدًا على المستوى الخارجي، فارتفاع قيمة الجنيه يعني ارتفاع أسعار السلع المصرية المُصدرة للخارج مقابل السعر في الدول الأخرى، وبالتالي تقل تنافسيتنا، وهذا يضر بهدف مصر في حال كانت تريد زيادة الصادرات. فالصادرات ستكون بها مشكلة لو أن الجنيه استمر في الصعود أمام الدولار. وهناك إحدى الشركات توقفت عن تصدير الورق للصين بسبب أن الصين خفضت عملتها نحو 20% وفي المقابل ارتفع الجنيه أمام الدولار نحو 12% لذلك أصبح سعر منتجات الشركة مرتفعًا بنسبة 32% عن بقية المنافسين. فكانت النتيجة أن المستوردين في الصين أصبحوا لا يستوردون من الشركة لأن سعر بضائعها أصبح غالي. فارتفاع الدولار يخلف تضخم ويتعرض المستهلك للضغط، أما في حال انخفاض الدولار وزيادة قيمة الجنيه، يتعرض المصنعين والمزارعين لضغوط. وخلال العام المالي الماضي سجلت قيمة الصادرات المصرية ارتفاعًا لتصل إلى 28.4 مليار دولار مقابل 25.8 مليار دولار خلال العام المالي 2017- 2018.

   وفي مجال السياحة فإنه ليس من مصلحة العاملين في المجال السياحي أن يرتفع الجنيه أمام الدولار. واستفادت السياحة من تراجع قيمة الجنيه أمام الدولار عقب قرار التعويم، حيث جذب سعر الخدمات السياحية الرخيصة مقارنة بالدول المتنافسة المزيد من السياح إلى مصر. وحققت مصر خلال العام المالي الماضي إيرادات قياسية من السياحة بلغت 12.5 مليار دولار، مقابل 9.8 مليار دولار خلال العام المالي 2017- 2018. ويقول تقرير بنك استثمار فاروس إن القطاعات الخاسرة من قوة الجنيه تتضمن قطاعات المقاولات، والصناعة، والكيماويات والأسمدة، والبتروكيماويات، ومواد البناء. وفسر التقرير خسارة هذه القطاعات بتراجع إيرادات التي تعتمد كثير من شركاتها إما على التصدير للخارج، أو تنفيذ مشروعات خارج البلاد.

 

ويعتبر البعض ارتفاع قيمة الجنيه أمام الدولار خبرًا سعيدًا نظرًا لأن مصر دولة مستوردة في الأساس، أي تعتمد على الاستيراد لتلبية احتياجاتها وأن تراجع في الدولار يعني أنها ستوفر من فاتورة استيرادها لكن ارتفاع الجنيه قد يفتح شهية المستوردين مع تراجع الدولار، للتوسع مرة ثانية في الاستيراد.

Advertisements
الجريدة الرسمية