رئيس التحرير
عصام كامل

محمود السعدني يكتب: ما أحلى الذكريات

محمود السعدني
محمود السعدني

فى مجلة صباح الخير يناير عام 1967 كتب محمود السعدنى بمناسبة ذكرى أحداث مجزرة الإسماعيلية وبسالة البوليس المصرى مقالا قال فيه:  

أحداث ما حدث فى يناير 1952 بمدينتى المحبوبة الإسماعيلية لا يمكن أن يزول من خاطرى.. فما أغرب تلك الأيام عساكر البوليس والطلبة والعمال ولصوص المعسكرات فى جانب، والطبقة الحاكمة والأثرياء ورجال السياسة فى جانب.

فى الشارع عساكر البوليس يطلقون النار على عساكر الانجليز، والعساكر الإنجليز يطلقون النار على الناس وفى المكاتب.

السفير البريطانى يجتمع بمعالى وزير الخارجية وسعادة المحافظ يجتمع بالقائد البريطانى وضابط الاتصال يسهر مع ضابط الاتصال الإنجليزى، وفى صباح آخر أيام عام 1951 سقط 140 قتيلا فى السويس وفى مساء نفس اليوم كان سعادة محافظ السويس فى مكتب القائد البريطانى يطلب منه الإذن بالمرور فى الطريق الصحراوى.

لقد رأيت بعين رأسى عسكرى البوليس المصرى الشهيد الذى لا أعرف اسمه، والذى أطلق النار على قائد الدبابات البريطانى فأرداه قتيلا، وذهب الإنجليز ثم عادوا بدباباتهم ومصفحاتهم ومدافعهم وقتلوا من حى الاربعين 140 شخصا وعبروا ترعة الجناين واطلقوا النار على عسكرى البوليس الذى قتل القائد.

أطلقوا النار عليه من بعد نصف ياردة واندبت الرصاصة بين حاجبيه، فلما مات أطلقوا عليه مدافعهم الرشاشة فمزقوه، وتم دفنه بعد ذلك فى موكب فخيم لكن العسكرى الشهيد لم يكن بالنعش، فقد تناثرت أجزاؤه فى الترعة وذهبت مع التيار إلى بعيد. شهدت ذلك بعينى يوم الإسماعيلية وكان يوما صعبا.

لقد كان بودى أن أتذكر اسم قائد المعركة، ولا أذكر هل اسمه اللواء عبد الرؤوف أم اللواء رائف، ولا أعرف هل هو على قيد الحياة أم مات إلى رحمة الله. المهم أنه كان رجلا.. وأنه حارب إلى آخر دقيقة وخرج إلى الأسر مرفوع الرأس يوم 25 يناير 1952 مع جميع ضباطه.. خرج العساكر إلى الأسر فى موكب حزين بعد أن جردوهم من سلاحهم وملابسهم واحذيتهم وأخذوهم سيرا على الأقدام إلى المعسكر. كانوا 70 جنديا من بلوكات النظام، وفى المستشفى مات أغلب الجرحى.

اقرأ أيضا: 

محمود السعدني يكتب: البوسطجي والعم زوربا

بعد ذلك بشهور قليلة هبت مصر كلها بقيادة جمال عبد الناصر والضباط الأحرار، وثارت لكل شهداء معركة الشرطة. ولكل المصريين تعظيم سلام لعساكر البوليس فى يوم عيدهم ، ودمعة على قبر الذين ماتوا، وباقة ورد للذين عاشوا ليشهدوا يوم الثأر والنصر العظيم الذى أتى فى النهاية لنصرة أصحاب الحق وليس أصحاب الدبابات والمدافع.

الجريدة الرسمية