رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

إعمار ما بعد الدمار تُسقط أوراق التوت!

عندما يصبح القرار السياسي والأمني مخطوفا من رؤساء دول ورؤساء حكومات لحساب أطراف إقليمية ودولية، وعندما تصل حالة التبجح العلني إلي درجة الاعتراف بالعمالة والوكالة لحساب أطراف غير وطنية فإن الصورة تصبح قاتمة، والمشهد يصير عبثيا بامتياز، وتتلاشي إلي الأبد شعارات التضامن والتكامل والمصير !

 

الأحداث الأخيرة والقريبة جدا التي فرضت نفسها علي واقع المنطقة كشفت الأرض وكشفت ما في باطنها، ولم يعد هناك شك أن المنطقة قارب بلا شراع تتقاذفه أمواج بحر عاتية ومعظم ركابه في حال بين اليقظة والنوم لا يملكون قرار ينقذ القارب من الغرق وربما معظمهم يغطون في نوم سحيق أملا في أن ينقذهم قرصان من قراصنة البحر العميق!

 

المشهد في المنطقة في الأيام القليلة المنصرمة والساعات السابقة تتغير ألوانه وتفاصيله بسرعة مذهلة.. قد تكون كل هذه التغيرات مدروسة بعناية فائقة ونحن لا ندري، وقد ندري ولا نملك قرارا موحدا لأسباب كثيرة نعلمها ويعلمها من يخطط للمنطقة بليل كل يوم لنصحوعلي خبر جديد أو تحول سريع للمواقف !

 

اقرأ أيضا: أغلقوه بالضبة والمفتاح

 

المنطقة فيها ما يكفي فيها من القضايا بداية من القضية الفلسطينية التي كانت تسمي بالصراع العربي الإسرائيلي وتحولت منذ بدء الربيع العبري إلي قضية حماس –إسرائيل أو الضفة، إسرائيل بعد أن استولت على الجولان برعاية أمريكية وصمت عربي مما أدي إلي تراجع القضية المحورية إلي ترتيب متدن، رغم تأكيد مصر تحديدا علي أن قضية فلسطين هي أم القضايا وسبب كل ما يجري في المنطقة .

 

المنطقة تبرز فيها كل فترة قضية جديدة مصنوعة بعناية شديدة وحبكة درامية مملوءة بالفخاخ التي تستهوي شعوبنا للسقوط فيها رغم أن كل الحراك الذي يجري، والأحداث التي تقع مرت علينا وتجرعنا منها خسائر لا تحصي أقلها توقف كل مشاريع التنمية في المنطقة والغرق في التخلف واستمراء القتل واعتياد رؤية الدماء !

 

في العراق يعود الوضع إلي المربع صفر لنكتشف أن ما يزيد علي 17 عاما لم تجعل العراق أفضل أو حتى كما كانت من قبل، والأبشع أن قرارها السياسي والأمني والاقتصادي صار بيد طرف آخر أو قل مختطفا لحساب إقليمي ودولي !

 

في لبنان ليس الحال بأفضل من العراق فالقرار اللبناني في يد ميليشيا حزب الله وكيل إيران وذراعها العسكري إلي جانب توليفة الطائفية التي فرضتها تسوية ما بعد الحرب الأهلية باتفاق الطائف الذي وضع لبنان في خانات ضيقة، فقد ظلت ما يزيد عن العامين بدون رئيس قبل ثلاث سنوات، وظلت بلا حكومة ما يقرب من عام، والآن هي في مأزق يضعها في مهب الريح تنتظر قرارا من خارجها رغم حالة الحراك الشعبي الذي تموج به مدنها وضيعاتها وجبالها !

 

واقرأ أيضا: الاتفاق التركى– الليبي.. هل يشعل حروب الغاز في المتوسط؟

 

في سوريا.. حدث ولا حرج فقد وصل الأمر لاقتطاع جزء من أراضيها في الشمال، وضياع الجولان.. ناهيك عن اجتماعات ولجان لوضع دستور لها بعيدا عن أرضها وأهلها وحكومتها التي ما زالت قائمة !

 

في اليمن بدأت الحرب وكان مقررا لها ثلاثة أشهر طبقا لعاصفة الحزم.. الآن تتم أزمة اليمن عامها الخامس في مارس القادم دون قدرة علي إيجاد حل أو التوصل لقرار وقف القتال !

 

في ليبيا يتكاثر اللئام علي مائدتها بعد أن تحولت إلي مطمع ومغنم من قوي إقليمية وأوروبية وأمريكية، ومنصة إطلاق لميليشيات الإرهاب.. داعش والقاعدة والإخوان بتنويعاتهم المختلفة.. لنشر الفوضى في منطقة شمال أفريقيا بعد الخراب والدمار الذي حدث في العراق وبلاد الشام أملا في محاصرة مصر الجائزة الكبرى ودرة التاج !

 

ذلك هو المشهد وتلك هي الصورة التي تتغير بين يوم وآخر، وربما بين ساعة وأخري وحتى كتابة هذه السطور تلعب الأطراف الدولية أدوارها علي رقعة الشطرنج الواسعة التي تمتد من الشرق إلي الغرب، وكل لاعب لا يريد أن يقتل الملك وينهي الدور.. هذا هو الاتفاق الشيطاني بين اللاعبين.. مجرد ( كش ملك ) تكفي للبحث عن مخرج ليستمر اللعب، ويستمر الرهان علي من يكسب، والحقيقة أن كل أطراف اللعبة الدوليين يكسبون بينما يخسر أصحاب الأرض !

 

القتال والنزاع وتقاطع النفوذ والصراع ينتهي عندما يتأكد اللاعبون أن دول المنطقة قد تحولت إلي ركام وفقدت كل مقومات الحياة.. هنا يبدأ الفصل الثاني ليجلس اللاعبون علي المائدة التي توضع عليها كعكة إعادة الإعمار ليحصل كل طرف علي حصته ونصيبه حسب أدواره في اللعبة وحسب قوته سواء كان النصيب غاز أو نفط أو أموال مقابل الحماية أو شراء سلاح.. ليتم في النهاية رهن كل ثروات المنطقة لعقود طويلة من الزمن سدادا لكلفة إعادة بناء هذه الدول بعد الدمار !

 

حسب هيئات مالية ومصرفية واقتصادية دولية تصل كلفة إعادة الإعمار في البنية الأساسية فقط إلي ما يزيد عن تريليون دولار بالإضافة إلي مثله لإعادة تأهيل مؤسسات هذه الدول وجيوشها التي تفككت وتسليحها !

 

هذه الكعكة الكبيرة تستحق صراع الكبار، وتدفع بالطامعين لوضع قدم في المنطقة، ولا يستثني منهم أحد أمريكا وروسيا وكل دول أوروبا الكبيرة، وتركيا.. وهؤلاء دائما يبحثون عن وكلاء سواء كان الوكيل دولة صغيرة أو منظمات أو جماعات أو أفراد.. لذلك تحدث حالات الاستقطاب والعمالة  وتسقط أوراق التوت فتكشف عوراتهم !

 

الرئيس السيسي قال في كاتدرائية ميلاد المسيح -وهو يهنئ المسيحيين المصريين بعيدهم– (نحن نتعامل بشرف في زمن مفيش فيه شرف).. وهذه رسالة واضحة تفسر كل ما يجري في المنطقة وتصف بوضوح مواقف العملاء والوكلاء في المنطقة، وربما تصريحات حسن نصر الله بعد مقتل قاسم سليماني تؤكد ذلك عندما قال (إن الرد على اغتيال سليماني ليس مسئولية إيران وحدها، بل مسئولية حلفاؤها في المنطقة أيضا)، وكما قال إسماعيل هنيه عن سليماني ووصفه بشهيد القدس رغم أنه لم يطلق رصاصة من أجل القدس وأطلق آلاف الرصاصات علي العرب، وكما يفعل أيتام قطب والبنا في مساندتهم بهلول استانبول الذي يغزو ليبيا ويساند الإرهاب وينقله ويدعمه بأموال قطرية !

 

الآن ندرك لماذا كان عنصر الوقت مهما وحاسما ومصر بقيادتها تبني قوتها الشاملة وتجدد بنيتها الأساسية، ولماذا كانت سياسة مصر هي الحفاظ علي الدولة الوطنية وحدود الدولة؟ ولماذا تحديدا كان فتح ملف تنويع مصادر السلاح وتعظيم القوة البحرية والجوية؟ ولماذا كان التأكيد علي مفهوم الأمن القومي المصري خارج حدود الدولة؟

 

وأخيرا هل فهمنا ووعينا لماذا نطلق علي ما حدث بالمنطقة ثورات الربيع العبري؟ هل أدركنا مصطلح إسرائيل ودول الطوق النظيف؟ هل أدرك العرب كيف أضاعوا فرصة تشكيل قوة عربية مشتركة تحمي أمنهم القومي؟.. إن شاء الله مصر بخير

 

Advertisements
الجريدة الرسمية