رئيس التحرير
عصام كامل

اللواء عبد الحميد خليفة بطل موقعة "السبت الحزين": الإسرائيليون حاولوا إقناع بدو سيناء بأن الجيش المصري يريد قتلهم | حوار

اللواء عبد الحميد
اللواء عبد الحميد خليفة

شاركت بعملية الثأر لشهداء أطفال بحر البقر

 والجيش المصرى نفذ 4500 عملية خاصة ناجحة طيلة حرب الاستنزاف

 الفريق أول محمد فوزي له الفضل في إعادة تأهيل الجيش المصري من جديد بعد النكسة 

الطيران الإسرائيلي  قصف مدرسة مذبحة بحر البقر فكان الرد قاسيا فى عملية السبت الحزين وكبدناهم خسائر كبيرة

عقيدتنا لا نعتدى على مدنيين أو جندي أعزل وأهل سيناء كانوا خير عون   

 

 

في عام 1972 تلقى إشارة من القيادة العسكرية، تدعوه لتقديم نفسه إلى وزارة الحربية وكان حينها برتبة نقيب، ذهب إلى مدير مكتب الوزير الذي أبلغه بأن الإشارة كانت بتعليمات الرئيس السادات، وأرشده إلى دخول قاعة الاجتماعات، وعندما رأى كبار قادة الجيش الموجودين داخل القاعة  ظن أن الدعوة وصلت له بالخطأ، فذهب للجلوس في آخر القاعة بسبب وجود قيادات الجيش بها، وبعد لحظات دخل الرئيس السادات وقدم له الحضور التحية العسكرية، وسرد لهم الرئيس أسباب عدم إعلانه 1971 عام الحسم على الرغم من إعلانه من قبل.

 

 وكان من ضمن الأسباب عدم وجود أسلحة هجومية كافية لاستخدامها في الحرب، ووعدنا بأن عام 1973 سيكون عام الحسم الحقيقي ولن يكون هناك اعتماد على أي من الدول الكبرى، ولكن كل اعتمادنا أولا على الله سبحانه وتعالى ولن يخذلنا والثاني ثم صمت ونظر إلى الحضور في تمعن وسأل: أين ابني عبد الحميد؟ فظن حينها أن الرئيس السادات من المؤكد لا يقصده فهو لايزال برتبة نقيب ومعظم المتواجدين كبار قيادات الجيش، ثم أعادها مجددا أين ابني عبد الحميد قائد عملية السبت الحزين، حينها فقط أيقن أن الإشارة جاءت صحيحة.

طلب منه الرئيس السادات سرد ما فعله أبطال الصاعقة المصرية في القوات الخاصة الإسرائيلية وهي العملية التي أسمتها جولدا مائير «السبت الحزين» وحجم الخسائر التي كبدها لهم بالأسلحة التقليدية  "الأر بي جي والبندقية" ، وبعدما انتهى من سرد ما حدث في العملية قال الرئيس السادات إنه بالاعتماد على الله أولا ثم على الأبطال من الضباط من الصف والجنود أمثال ابني عبد الحميد سيكون عام 1973 عام الحسم وبالفعل بدأ الإعداد للحرب والعبور.

إنه اللواء عبد الحميد خليفة أحد أبطال قوات الصاعقة المصرية، الذي شارك في عملية الثأر لشهداء أطفال بحر البقر، والذي كُلف يوم 10 رمضان الموافق 6 أكتوبر 1973، بالانتقال إلى الجانب الآخر لتنفيذ عمليات خلف خطوط العدو في مهمة كان من المفترض أن تستغرق 9 أيام، إلا أنها امتدت إلى 6 أشهر.

وقد حقق الجيش المصري النصر بعدما أصيب المصريون  في عام 1967 وبالتحديد في يوم 5 يونيو بما يشبه الزلزال الذي زعزع ثقتهم برهة من الزمن في قوة وصلابة الجيش ولكن سرعان ما فطنوا للأمر واستعادوا الثقة  بالوقوف خلف رجال القوات المسلحة التي ما لبثت أن استعادت تماسكها بعد النكسة وبدأت في حرب الاستنزاف أو حرب الألف يوم كما أطلق عليها بعض الإسرائيليين وتبعها العبور وتحرير الأراضي المصرية في أكتوبر 1973. 

*في البداية ماذا حدث في نكسة 5 يونية 67 ؟

دائمًا ما أطلق على 5 يونيو 1967 جولة وليست نكسة لأننا بدأنا على الفور عقب الهزيمة الاستعداد للعبور وتحرير الأراضي المغتصبة؛ كان علينا حمل ثقيل بإعادة موازين القوى بعد ضرب جميع طائراتنا وإضعاف سلاحنا الجو، وسرعان ما نفذنا العديد من العمليات الحربية الاستنزافية للعدو وهذا كان من أجل إعادة الثقة في أنفسنا من جديد واستعادة ثقة الشعب أيضا.

وكان لنجاح معركة رأس العش التي كان قائدها البطل فتحي عبد الوهاب وتمكنه من وقف زحف القوات الإسرائيلية إلى مدينة بور فؤاد ، رد فعل كبير فى القوات وأيضا في الشعب الذي أدرك أن قواته لا تزال قادرة على حماية الوطن، وأعقب عملية رأس العش الكثير من العمليات الخاصة الناجحة وتسللنا إلى العمق الإسرائيلي وتخطي الجنود المصريين للألغام وإحداث ضربات موجعة للعدو والرجوع سالمين، مما أعاد لهم الثقة في النفس من جديد والتيقن من أن مقولة الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر هي مجرد أكذوبة كبيرة وهزيمتنا كانت مجرد جولة وليست مقياسًا للمقاتل المصري وجيشه.

*هل كانت العمليات كثيرة ومؤثرة ؟

وصل عدد العمليات الخاصة التي نفذها الجيش المصري طيلة حرب الاستنزاف 4500 عملية وحققت نجاحًا ساحقًا خلال هذه الفترة، وكانت الاشتباكات شبه يومية، وشارك بها كل قوات الجيش تقريبًا وكانت القيادة العامة تتابع باهتمام بالغ نتائج كل عملية على حدة، هذه العمليات المؤلمة للعدو لولاها ما استطعنا عبور القناة والانتصار فى حرب أكتوبر.

*ولكن هناك معارك عديدة شاركت فيها فهل تتذكرها .. ما هي أسرارها ؟

عملية الثأر لشهداء أطفال بحر البقر، كانت معدة من قبل القيادة المصرية للثأر لشهداء مدرسة بحر البقر، حينما هاجم الطيران الإسرائيلي الجبان مدرسة للأطفال، حيث انتشرت أشلائهم بشكل أشعل نيران الغضب في قلوبنا، وكلفت بالرد على هذه العملية وحينها كانت رتبتي ملازم أول وكان الهدف محددا وهو الدخول من نفس النقطة التي جاء منها الطيران الإسرائيلي الجبان، وهذه عادة العدو الصهيوني يترك أرض المعركة ويهاجم أهدافا مدنية في محاولة للتأثير على معنويات الجبهة الداخلية ولكنها كانت تأتي بنتائج عكسية من شعبنا البطل.

وتم اختيار أفراد العملية بعناية فائقة، واستطلاع طريق الهجوم والعودة، حيث كان الطريق مليئا بالألغام والأسلاك الشائكة والساتر الترابي، وكان الخوف من انفجار لغم وكشف العملية قبل حدوثها، وتم إعداد التدريبات لكل سيناريو العملية. وكان من الصعب عمل إغارة على العدو لقلة عددنا، حيث إن المجموعة كانت مكونة من 12 مقاتلا وبأسلحة خفيفة؛ لذلك قررنا عمل كمين، وتم وضع عدد 6 من اللغم الكبير في طريق الدبابات الصهيونية على هيئة مثلث، وبالفعل تمكنا من اصطياد 3 دبابات للعدو محملين ببعض القوات الخاصة، ومن شدة الانفجار الذي حدث طارت قطعة من إحدى الدبابات إلى الناحية الأخرى وسقطت في الجانب المصري، هذا الجزء تم إرساله إلى قيادة الجيش للتأكيد على نجاح  العملية، ولم يتم سقوط أي شهيد في هذه العملية.

*ماذا بعد نجاح العملية الأولى؟

قررت قيادة الجيش بعد نجاح العملية الأولى أن يعقبها عملية أخرى على أن يأخد أسيرا من الصهاينة الإسرائيليين لاستجوابه ومعرفة أسباب تكثيف تواجد قوات العدو في هذه المنطقة ، وتم التخطيط لعمليتين يتم تنفيذها في نفس الوقت إحداهما بمجموعة من الصاعقة وأخرى من المشاة وحدد لها موعد يوم السبت 30 مايو 1970.

كلفت بقيادة مجموعة الصاعقة المكلفة بتنفيذ عملية أسر أحد أفراد العدو، وكان لا بد من وجود خطة محكمة وأكثر حذرا من التي قبلها لأننا نحتاج إلى أسير حي وعدم معرفة وجودنا في المنطقة، وبالفعل ذهبنا في مجموعة عددها 12 مقاتلا من قوات الصاعقة 8 مسلحين ببندقية آلية و4 تسليحهم آر بي جي، ثم تمت الاستعانة بشخصين من الضفادع البشرية "قوات البحرية المصرية" ليتم سحب الأسير أثناء العودة سباحة في قناة السويس وتمركزنا في منطقة مرور الدورية الإسرائيلية، وتركنا أول مجموعة تمر أمام أعيننا، ليلتقفها كمين المشاة المتواجد بعدنا بالهجوم وتم قتل الجميع.

 

وأثناء العودة اشتبكتنا مع قول إسرائيلي آخر أثناء عودته، ودمرنا 7 مدرعات وأسرنا الرقيب يائير دوري تسيفي، وهو سباح عالمي ومقاتل في الجيش الإسرائيلي، وأرسلنا إلى الضفادع البشرية لإرسال ناقلتين للمساعدة في نقل الأسير، والمصابين عبر القناة.

وكادت أن تلحق طائرات العدو بنا إلا أن سلاح الدفاع الجوي لدينا تمكن من إسقاط طائرة وإصابة أخرى وتمت العملية بدون حدوث أي خسائر في الأرواح من جانبنا، وأحدثنا خسائر كبيرة في صفوف العدو لذلك سميتها جولدا مائير حينها بـ «السبت الحزين».  وعلمنا أن الرئيس جمال عبد الناصر مكث بمكتبه منذ يوم 29 مايو 1970 إلى حين انتهاء العملية، حيث كان يتابع كل أخبارنا أولا بأول وكان مهتما بكل العمليات التي تحدث في حرب الاستنزاف ويتابعها بأهمية بالغة حتى وافته المنية 28 سبتمبر 1970.

*لماذا لم يسلك الجيش المصري نفس النهج الإسرائيلي أثناء الرد على مذبحة بحر البقر بقذف مدارس أو مدنيين؟

عقيدة الجيش المصري تنهينا عن إطلاق الرصاص على جندي أعزل وليس مواطنا مدنيا، وكنا حريصين على عدم إطلاق النيران أثناء الاشتباكات على جنود من العدو أقل منا في التسليح، فلم نطلق النيران على سيارات الإمداد والتموين أو عربات عودة للأجازات، ولذلك كان الرد على قتل الأطفل العزل بضرب النخبة في الجيش الصهيوني الإسرائيلي وهو ما أوجعهم. والجيش المصري ليس من الجيوش التي تتكون من المرتزقة لذلك له عقيدة قوية في الحرب، لدرجة أن الضباط والجنود كانوا يتسابقون على ترشيح أنفسهم للقيام بعمليات عسكرية ضد قوات العدو ويتفاخرون فيما بينهم بمن وقع على الاختيار لتنفيذ المهمة.

 

*كيف حدثت الطفرة فى القوات المسلحة بعد 5 يونيو 67 ؟

يعود للفريق أول  محمد فوزي، وزير الدفاع في الفترة ما بين 1968 إلى 1971، الفضل في إعادة تأهيل الجيش المصري من جديد بعد النكسة وأول من جنّد حاملي المؤهلات العليا لأنها قبل هذه الفترة كانت لا تُجند في الجيش، مما أثرى الجيش المصري عددا ونوعًا.

*كيف أمضيت 200 يوم خلف خطوط العدو تراقب تحركاتهم أثناء حرب أكتوبر؟

 في أول يوم رمضان جاءت إشارة بالتحرك إلى منطقة الزعفران، وحينها بدأنا التكهنات باحتمالية وقوع حرب حقيقة واسترداد الأرض من جديد وهذه ما هي إلا الخطوة الأولى للعبور، وكُلفنا يوم 10 رمضان الموافق 6 أكتوبر 1973،  بالانتقال إلى الجانب الآخر لتنفيذ عمليات خلف خطوط العدو في مهمة كان من المفترض أن تستغرق 9 أيام، إلا أنها امتدت إلى 6 أشهر، على الرغم من خروجنا للمهمة كانت لدينا تعيينات ومياه وذخيرة ومهمات تكفي لـ9 أيام فقط وظللنا 5 أشهر صائمين بعد انتهاء المؤن بدون أكل أو شرب.

 

*نعلم أنك على علاقة جيدة بالبدو وكان لهم دور وطني كثيرًا خلال الحرب فكيف تم ذلك؟

بعد اتمام المهام التى كلفنا بها، انقطعت صلتنا بالقيادة، وأصبحنا في حالة لا نعرف ماذا نفعل؟ وكدنا نموت من الجوع، ولكن أثناء تحركنا عثرنا على مخزن غلال مملوك لإحدى القبائل البدوية وقررنا تسلل أحدنا إلى داخله وبالفعل تمكن من الدخول وأتى لنا بما يكفينا من المؤن وترك الباقي، وحينها ترك أموالا مقابل ما أخذناه وربط المال على القفل بواسطة فتله، وتفاجأ صاحب المخزن عند فتح القفل بوجود المال، ورأى سقف المخزن مفتوحا فتوقع أن القوات  متواجدة في المكان وجارٍ البحث عنها بواسطة الإسرائيليين، ولكن فوجئ بأن قواتنا أخذت جزءا بسيطا من البلح والقمح وتركت الباقي، وحينها أيقن أننا رجال صالحون، وكانت هذه الحركة العفوية هي بداية تحالف القبيلة بكاملها معنا، وبعدها وجدت اثنين من بدو سيناء، وكانوا خائفين جدا، وعندما اقتربت منهم وتعاملت معهم أبدوا اندهاشهم من عدم قتلهم، وأبلغونا أن الإسرائليين أفهموهم أن الجيش المصري بمجرد وصوله إلى سيناء سيقتل أهلها ويوجد منشورات باللغة العربية تحمل هذا المعنى.

 وبدأ الرجلان يسردان لنا القصص بعدما اطمأنوا لنا، وأيقنوا أن الإسرائيليين هم العدو وليس الجيش المصري، وأجريت عليهم اختبارات لمعرفة مدى إخلاصهم لنا وتأكدت من ولائهم بالفعل وباتوا ينقلون لنا أخبار معسكرات وتمركزات العدو أول بأول. ولا أنسى علي بركات، من أهل سيناء، الذي كان يرسل زوجته فاطمة إلينا أثناء رعيها الغنم بالأكل والشرب، وكانوا غطاء على خطوات تحركنا في الصحراء، وصنعنا الكثير من الكمائن خلف خطوط العدو وأحدثنا خسائر كبيرة فيهم، ونقلنا معلومات كافية للقيادة المصرية عن تحركات قوات العدو، وظللنا كذلك حتى وقعت مصر اتفاق الكيلو 101 وعندها فقط تمكنا من العودة إلى القيادة محتفلين بالنصر.

 

*في النهاية نحب أن نعرف هل ما زلت تتواصل حتى الآن مع الجنود وأهالي سيناء الذين دعموك أثناء العبور؟

بالطبع  ما تزال تربطنا علاقة قوية حتى الآن مع الضباط والجنود الذين شاركوا معي في حرب الاستنزاف ونصر أكتوبر، كما تربطني أواصر صداقة مع أهالي القبيلة التي دعمتنا عندما كنا خلف خطوط العدو، وأذكر منهم الحاجة فاطمة التي كانت تنقل لنا المؤن وساعدتها منذ فترة قريبة على العلاج داخل المستشفيات العسكرية أثناء إصابتها بالسرطان، ولم تلبث فترة قصيرة حتى توفيت.

* أخيرًا بالنسبة لفيلم الممر كيف شاهدته وما رأيك فيه من حيث المضمون؟

فيلم الممر جيد بالنسبة لأناس كثيرين لكن أهم ما يؤخذ عليه أنه لم يستند إلى أي معركة حقيقية على الرغم من وجود آلاف العمليات البطولية التي حدثت طيلة حرب الاستنزاف وما بعدها، وما بهم من مادة غنية تكفي لعمل مئات الأفلام، بالإضافة إلى جعل المراسل الحربي مادة ساخرة ونحن رأينا الأستاذ حمدي الكنيسي والأستاذ جمال الغيطاني، هذا قلل من شأنه خلال العملية في الفيلم وهو على العكس تمامًا في الحقيقة، كان المراسلون يتدربون معنا ويسابقوننا في الوطنية والغيرة على تراب البلد، كما عرض الفيلم موقف الفتاة البدوية وكيف كانت تكشف وجهها أمام الجنود، وهو ما لم يكن يحدث على الإطلاق في الحقيقة، حتى إن الحاجة فاطمة التي ذكرتها من قبل كانت دائمة الزيارة لنا وحتى عند وصولها القاهرة وعلاجها  في إحدى المستشفيات العسكرية ووفاتها لم أر وجهها قط ولا أعرف كيف كانت ملامحها.  

الجريدة الرسمية