رئيس التحرير
عصام كامل

توفيق الحكيم يكتب: اللهم اجعلها سنة خير

توفيق الحكيم
توفيق الحكيم

  فى مطلع يناير 1946 كتب الأديب توفيق الحكيم “رحل عام 1987” مقالا فى اخبار اليوم وأعاد نشره بكتابه "قلت يوما" قال فيه: لا بد لمن يذهب إلى أسوان من أن يرى خزان أسوان، إحدى أعاجيب الهندسة الحديثة بلا مراء، وقد كثر الكلام فيه وفى كهربته.. لكن كل كلام ضعيف باهت إلى جانب الحقيقة، فيجب أن نرى الأشياء بأعيننا لأن العين تستطيع أن تحيط لكن اللسان لا يستطيع دائما أن يعبر.

 

وفى ليلة شتوية ذهبت لزيارة خزان أسوان، وما كدت أن أقف على ذلك السد الذى يرتفع أكثر من ثلاثين مترا ويمتد إلى أقل من كيلو مترين حتى سمعت هدير كهدير البحر وضرب وجهى رذاذ كرذاذ المطر، وإذا المياه تندفع من عيون مفتوحة بيضاء كالقطن المندوف يعلوها بخار كأنه دخان حريق يستقبل ضوء الشمس، فإذا قوس قزح دائم بألوانه الزاهية صاعدا من النهر يختم على صخور الشلال الخضراء منها والجرداء.

قلت للحاضرين ليتنا ننشئ فى هذا المكان فندقا أو كازينو أو مشارب للشاى صغيرة فى بعض هذه الجزر الكثيرة. أبحرنا بالقارب البخارى إلى المياه المخزونة وهى كما أخبرونى حوالى خمسة آلاف مليون من الأمتار المكعبة ينفق منها بحساب دقيق لحاجة مصر من الشرب والرى والملاحة.

مررنا بمعبد أنس الوجود فرأينا أن الماء غمره ولم يظهر منه سوى قمة مدخله، والغريب أن هناك أحجارا من الجرانيت يقعد أحدها فوق الآخر مائلا وكأنه يتكئ على قاعدة أحجار هائلة يقف أحدها فوق قاعدة فى حجم البندقة وهو فى جلسته لا يقع من زمن وإن خيل لنا أنه لو نفخ فيه بالفم لوقع.

قال احد الحاضرين: عجبى لهذا الحجر الذى لم يسقط للآن، فقلت: ذلك لأنه لم يجد أحدا هنا يسقط عليه.

رغدة تهدي دعاء السنة الجديدة بصوتها لجمهورها (فيديو)

عدنا بعد ذلك الى الفندق وجاء معه السرور والبهجة والمرح فهذه ليلة رأس السنة الميلادية نأكل الديك الرومى وننظر إلى الرقص الدائر فى الحلبة تحت صخب الطبلة والسكسفون وصباح السكارى وصوت النفخ فى الزمارات ولبس الطراطير والتيجان.

كنت وضعت بفضل عناية أهل الكرم والبصيرة بين سيدتين جميلتين حتى إذا أطفأت الأنوار منتصف الليل إيذانا بعام جديد أقبل وتقبلنى إحداهن عملا بالعادة، صبرت وترقبت الساعة 12 وأخيرا أطفئ النور وعلا التهليل وتم التقبيل وأعيد النور فإذا بالجميلتين غير موجودتين واذا بى قد قبلت .. يا حفيظ، اللهم اجعلها سنة خير سنة 1946.

الجريدة الرسمية