رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

الهروب من القاهرة

نحو ٤٢ مدينة جديدة ظهرت خلال ٤٠ سنة مضت؛ مع تطوير كبير يشمل محافظات ومدن رغم ملاحظات واسعة عليه وأداء أجهزة المحليات والوزارات المسؤولة عنه، إلا أن فكرة الهروب من الوادى الضيق والعاصمة القديمة أصبحت محل تطبيق حقيقي مؤخرا؛ خاصة بعد إعلان إطلاق ٢٠ مدينة جديدة ذكية ومعها العاصمة الإدارية التى تنتقل إليها الحكومة منتصف العام الحالى ٢٠٢٠ .

 

حقيقة؛ ظلت مفاهيم وزارات مضت قاصرة حول أساليب إنشاء كتل خرسانية فى صحراوات شتى ودعوة مواطنين للانتقال إليها، كما ظلت عمليات نقل سكان مناطق عشوائية أو مفتقدة للتنمية بفعل إدارة غبية أو فاسدة؛ مرفوضة دوليا وإنسانيا رغم تقنينها بالتشريع؛ وهو قانون نزع الملكية للمنفعة العامة، حتى سطر المصريون المادتين ٦٣ و ٧٨ من دستور ٢٠١٤ ؛ إحداهما تجرم تماما الإخلاء القسري والثانية تضع آليات تحديد الفئات المستحقة للسكن المدعوم من الدولة؛ وتتبنى فكرا جديدا لها تجاه التنمية العمرانية ومشروعات الإسكان.

 

فى السابق؛ كانت مشروعات الإسكان قاصرة على عدد من المبانى والخدمات المحدودة الملحقة بها؛ بشكل لا يشجع مواطنين على الانتقال إليها، حتى إن نسب الإشغال ببعضها ظلت ضعيفة للغاية حتى تغيرت نظرة الدولة إليها، وها هى مدن أكتوبر والشروق والعبور وزايد والعاشر من رمضان والسادات وغيرها؛ تنتظر مئات آلاف من الأسر سنويا الإعلان عن طرح وحدات سكنية وأراضى كاملة المرافق بها للسكنى والاستقرار فى مناخ حياة مختلف.

 

اقرأ ايضا : أم فى مواجهة ابنتها الحاضن

 

داخل المدن الجديدة؛ ستجد مستويات مختلفة من الخدمات ذات الصلة بوسائل الانتقال والتجارة والتسوق وغيرها؛ وأغلب الحقوق المتعلقة بالرعاية الصحية والأمن والتعليم، وإن كانت متباينة التكاليف، ولكنها تميز حقا رؤيتك لحياة مختلفة فى ظروف أكثر اختلافا عن واقع مجتمعاتنا القديمة؛ والتى نتمسك بتطويرها بالمشاركة والحفاظ على حقنا فى كل لحظة من أعمارنا ارتبطنا فيها بأهالينا داخلها.

 

لم تسلم رؤية الدولة لمستقبل التنمية العمرانية من سماسرة الاتجار بحقوق المواطنين فى السكن الملائم؛ وحتى الآن فشلت محاولاتها فى ضبط ألاعيبهم وتحايلهم وإغراءاتهم لبسطاء أو مقتدرين؛ تحصلوا على وحدات سكنية أو أراضى؛ للتنازل عنها وتسقيعها لقاء أموال تحرمهم متعة تجربة الخروج من الوادى الضيق والعاصمة، ولم تفلح كثيرا قرارات منح موظفى بعض أجهزة المدن الجديدة الضبطية القضائية فى كشف كل الحالات الخاصة بالتصرف غير القانونى فى الوحدات السكنية المدعومة من الدولة والأراضى.

 

مفهوم التنمية العمرانية بات ملموسا على أرض الواقع فى مدينة السادس من أكتوبر؛ التى قسمت إلى ثلاثة أجهزة؛ آخرها أكتوبر الجديدة وحدائق أكتوبر؛ وداخل نطاقهما انطلقت توسعات كبيرة للعمران المدعوم بإرادة المواطنين أنفسهم لأجل حياة متجددة، لكن معضلات ومشكلات الانتقال إلى مدن جديدة بينها العاصمة الإدارية بالأخص؛ بقرار حكومى؛ سيكون على الدولة التعامل معها لتسهيل مهام موظفيها وخدمة المواطنين والمستثمرين المتعاملين معها بالتأكيد، ربما ليس أكبرها ابتعاد مكانها عن قلب القاهرة.

 

واقرأ ايضا: ماذا تريدون من 15 مليون "جنة"؟!

 

ركزت الدولة مؤخرا على شرائح مهنية وطبقة وسطى تآكلت استحقاقاتها قبل ربع قرن؛ وقدمت لها فرصا ملائمة فى امتلاك ثقافة جديدة للسكنى؛ دعت كثيرين منها إلى نشرها، وليس أقل من أن تدعم الحكومة شخصية مدن جديدة على المستوى الاقتصادي؛ الصناعي بالأخص؛ لتنتقل إليها فئات واسعة فى تطبيق مطور لنظرية المستعمرات العمالية التى شهدتها مصر قبل ٦٠ سنة.

 

فارق كبير؛ بين كثافات سكانية بمناطق غير مخططة؛ أو غير مؤهلة لاستيعاب مواطنين أكثر من المقيمين فيها، وبين رؤية جديدة للمستقبل يتحرك بها الباحثون عنه بعيدا عن الضوضاء والرداءة والتدنى فى السلوك كمظاهر ميزت الحياة فى مناطق قديمة مؤخرا؛ ولو أن كثيرا منها أفسدته سلطات إدارة حطت من مستوى مصر فى مؤشرات الفساد العالمية باعترافات آخر وزير للتنمية الادارية فى حكم مبارك نفسه.

 

تجارب المدن المليونية الجديدة مرهونة أسباب نجاحها بانتقال حقيقي غير صوري لمواطنين حالمين إليها، وإصرار دولة على إدارة صحيحة مختلفة لثرواتها ومواردها؛ وأولها المورد البشري، والتصرف الذكى فى الأصول المملوكة للدولة داخل العاصمة القديمة المعاد رسم شخصيتها الاقتصادية قبل ١٠ سنوات؛ سيدعم تنمية حقيقية لفرص النمو الحقيقي، وإن كنا نختلف كثيرا مع رؤية تعتمد قطاع العقارات وحده كقاطرة للتنمية؛ دون تكامل مع الصناعة والزراعة؛ وهما عنوان نجاح وصعود كل بلد قوى فى العالم المعاصر.

 

Advertisements
الجريدة الرسمية