رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

احترموا تاريخ "العزيزة" والكبار

 

قامة فنية كبيرة امتلكت ناصية الغناء بصوت شجي عذب، وأغنيات طربية يتلقفها  الجمهور في كل مكان، تبنى صوتها عمالقة النغم في مصر، وهي اكتفت بموهبتها وسحر أعمالها، ولم تغير إطلالتها بل حافظت على بساطتها ونظارتها الطبية وشعرها المنسدل.

 

وبعد تقديمها روائع غنائية، وفي أوج الشهرة الطاغية، انسحبت الفنانة المغربية عزيزة جلال طواعية من الساحة في منتصف الثمانينات، حتى تتفرغ لأسرتها بعد زواجها من رجل أعمال سعودي، انتقلت للعيش معه في "الطائف"، ولأكثر من 30 عاما، غابت أخبارها وبقيت أغنياتها خالدة.

 

 أطلت "العزيزة" فجأة العام الماضي في برنامج "اللقاء من الصفر"، بالبساطة نفسها والنظارة الطبية، غير أنها ارتدت عباءة سعودية، تحدثت عن شهرتها الأسطورية، وأغنياتها الباقية في الأذهان، وأسرتها وزواج أولادها، ثم وفاة زوجها الذي عاشت معه أكثر من 30 سنة، وأدت خلال الحلقة مقاطع من أغنياتها، فأعادت إلى الأذهان الأصالة والفن الحقيقي المفتقدين في زمن السطحية والابتذال.

 

الإطلالة البرامجية دعت الجمهور للتساؤل عن إمكانية عودة عزيزة جلال، خصوصا بعد زواج أولادها ووفاة زوجها، فضلا عن الانفتاح الفني الذي تعيشه السعودية.. وكأن الجمهور يقرأ ما يفكر فيه قادة الثقافة والترفيه بالسعودية، الذين اختاروا لها مهرجانا يليق باسمها وتاريخها ونجاحها الأسطوري، فرغم أن "شتاء طنطورة" ما زال في نسخته الثانية، فإنه بات قبلة وملتقى أسماء ذات ثقل وكبار فناني العالم وموسيقييه أمثال ياني، عمر خيرت، الأوبرالي أندريا بوتشيلي، محمد عبده، وسواهم.

 

اقرأ أيضا: "ممالك النار" والهذيان التركي القطري

 

أحيت العزيزة، كما يلقبها الجمهور، حفلا تاريخيا طوت معه عقوداً من الغياب، وأوقدت ذكريات الجمهور العريض التي توقفت عند منتصف الثمانينيات، مستعيدة نمطا غنائيا تميزت به، لكنه اختفى لصالح نمط سريع غريب.

 

لم تخل إطلالة العزيزة من بعض الارتباك الواضح على وجهها في اللحظات الأولى من اعتلائها المسرح، فقالت: "نَفَسي انقطع"، لتأخذ نفساً عميقاً قبل البدء.

 

أرادت عزيزة جلال أن تتمالك نفسها من رهبة مواجهة الجمهور، بعد غياب 34 عاماً، فألقت كلمة مؤثرة شكرت فيها حكام وقادة السعودية والمغرب، وجمهورها في كل مكان على مساندتها، وتشجيعها على العودة لإحياء الحفلات.

 

 حافظت عزيزة، على الحشمة المعتادة والنظارة الطبية، وتركت علامات الزمن ظاهرة على وجهها، فنانة طبيعية تلقائية احتفى بها جمهور مسرح "المرايا" بإنصاته عند الغناء وتصفيقه بحرارة في الفواصل وعند انتهاء الغناء ومطالبته بالمزيد، مثلما احتفى بها جمهور التلفزة عبر "السوشيال ميديا"، وغرد أحد عشاق الفن الأصيل "عزيزة جلال عادت لتعطي دروسا في الغناء وتسكت الأصوات النشاز والألحان السيئة التي نسمعها اليوم... الغناء الحقيقي يتجلى هنا".

 

تدرك "العزيزة" أن عودتها لن ترضي الجميع، لا سيما الشباب الذين لا يعرفونها، لذا خاطبتهم: "غنيت الأعمال التي أقدمها الليلة وعمري كان 20 سنة ورجعت أغنيها بعد غياب سنوات... اللي في جيلي هيستمتعوا باللزمات والكلام الحلو. أقول للشباب: اسمعونا لأن الماضي ما بيكون من غير حاضر أو مستقبل... استحملونا... اسمعونا علشان نسمعكم".

 

تباينت ردود الفعل في "التواصل الاجتماعي" على أداء عزيزة جلال، فغرد البعض مشيدا بعودتها والأصالة المتجلية في صوتها والإعجاب بالكلمات والألحان والأداء، بينما دعتها تغريدات أخرى إلى احترام تاريخها، لأن صوتها بدا منهكا وتأثر بغياب السنين والتقدم في العمر.

 

إن كان المتلقي لا يعرف قيمة وتاريخ وأهمية عزيزة جلال، فله العذر، لكن ما عذر الإعلامية البحرينية بروين حبيب، التي أثارت الجدل، بنشرها رأي كاتبة سورية مقيمة في لبنان، عن أن الصوت يشيخ، تحت عنوان "ليتها لم تعد... عزيزة جلال"، تحدثت فيه عن محبتها لعزيزة جلال بقدر حبها لوردة وميادة الحناوي...

 

وأنها زارت مدينة مكناس المغربية مسقط رأس عزيزة من محبتها لفنها، وأنها ظلت تسأل نفسها عن سبب اعتزالها الفن والشهرة من أجل رجل، حتى شاهدتها صدفة مع زوجها وأطفالها في مطعم بإسبانيا، وجدتها ترتدي العباءة السعودية وتتحدث لهجة أهل الطائف، وتحسرت على اعتزالها وبنفس الوقت أحبت أمومتها.

 

تابعت الكاتبة السورية التي تبنت بروين رأيها: "انتظرت حفلها ببالغ الشوق لأتأكد وبكل أسف أن الزمن لا يعود وما كان بالأمس لن يكون لنا الآن... غنت عزيزة في بداية الحفل هو الحب لعبة... لا مجال للمقارنة بين الحفل الذي أقيم في الثمانينيات باستاد القاهرة عندما كانت العزيزة في شبابها. أول مرة أكتشف أن الصوت أيضا يشيخ بشكل مؤلم، وتلك هي النقطة التي توجع أعمارنا!".

 

انتهى رأي الكاتبة السورية وأكملت عليه بروين حبيب بتساؤلات لمتابعيها من قبيل "هل من حقنا أن نصادر عودة المواهب إلى مجراها... أم أنها لن تستطيع عبور النهر مرتين؟!"... الحقيقة دافعت أغلب الآراء عن عزيزة جلال وعودتها وتاريخها واسمها ورفضت الإساءة إليها.

 

واقرأ أيضا: "اخرسى يا شرين".. تعلموا من الرياض

 

 الغريب أن الكاتبة السورية التي تمنت عدم عودة عزيزة جلال، لم تقل الرأي نفسه على ميادة الحناوي وهما من الجيل نفسه، فهل شاخ صوت "العزيزة" وظل صوت ميادة شابا؟.. ثم لماذا لم تنتقد استمرار الفنان الكبير صباح فخري في الغناء رغم تجاوزه الثمانين؟!

 

لا يحق لأحد المطالبة باعتزال كبار الفنانين، خصوصا القامات وأصحاب التاريخ، فقد ظلت كوكب الشرق أم كلثوم تغني حتى وفاتها وهذا حقها، وكذلك موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب، والفنانان وردة ووديع الصافي، وحاليا "جارة القمر" فيروز، والفنانة سميرة توفيق.

 

لابد أن يتعلم الجميع احترام الأعمار والتاريخ الفني للعمالقة، خصوصا أن هناك نفوسا تائقة للأصالة والطرب، للبساطة والرقي، بعيدا عن التلوث السمعي والبصري.

Advertisements
الجريدة الرسمية