رئيس التحرير
عصام كامل

نصب تذكاري للفرص الضائعة

كل المحبة للضياع الذي لولاه ما تذوقنا طعم الفرصة التي لم تتحق، تلك التي هربت في آخر لحظة بينما أناملنا كادت تلمسها.. التي سقطت في الجب قبل أن نلتقطها.. التي ماتت جنينا في رحم الخيال.. التي انطفأت سريعا قبل أن تبصر أعيننا نورها.. لولا الضياع، لم نكن لنصنع ذلك النصب التذكاري المغروس في مخيلاتنا وأحلامنا، ونحن نتحسر على تفويتنا الفرصة.

 

لولا الضياع، ما تذوقنا حلاوة –افتراضية– للقاء لم يتم، وحبيب لم يبق، وعمل لم نلتحق به، وكوب انسكب على ملابسنا قبل أن نرتشف منه شيئًا فأبقينا البقعة التي خلفها شاهدًا على متعة لم تحصل.. لولا الضياع ما كانت ذاكرتنا ممتلئة بأشياء حلوة لم ندركها.. لولا الضياع، ما كانت الحلاوة، فالفرص التي أدركناها لم تكن سوى «فلاش» لمع للحظة ثم اندفن في قبر الواقع حتى قبل أن نتحقق من وجوده.

 

اقرأ أيضا: الصحافة فين

 

لولا الضياع، ما كنت لأحيا على ذكرى الفرص التي لم تكن.. الفرص المحققة «ماسخة» مثل كوب الماء العاشر الذي نشربه بعد عطش، أما الفرص الضائعة فتبقى حلاوتها كأول نقطة عسل تذوقها آدم من فم حواء.. لا تغضب على ما فاتك من فرص، لكن انظر للأمر على أنه يوفر لك متعة لاحقة، حتما ستتذوقها حين تمسك النجمة التي طالما قفزت إلى السماء كي تلتقطها، واعلم أنه كلما طال الانتظار كلما زادت حلاوة اللقاء.

 

وأذكرك ونفسي بكلمات جدي حين قال: إن الندم على الفرص الفائتة، أفضل من الألم الذي سببته لنا فرص محققة كنا نظن فيه الخير.. تذكر معي كم مرة تمنيت شيئا وحين طالته يدك لم تجده كما تخيلت، فشعرت بخيبة أمل!

 

أتذكر أنا حين كنت في الجامعة، رأيتها نجمة لامعة، ست الحسن والجمال، بهية كما الشمس حالمة كما القمر، إن التفتت خفق قلبي وإن تبسمت رقص.. كل ما حلمت به هو أنا أحادثها ولو دقيقة واحدة، كنت أظن أن الجنة في جوارها، وأن كلامها عسل لا محالة، فعيناها تشي بذلك، لكنني حين تجرأت واقتربت منها كانت الصدمة..

 

واقرأ أيضا: فى إيد أمينة

 

فتأتي التي حلمت بها، لم تكن سوى بلهاء فارغة، لا تعرف شيئا عن شيء، حدثتها عن فولتير فحدثتني عن الفواتير.. سألتها عن ناسا فقالت «سيب الناسا في حالها».. ذكرت لها ماركس فدعتني للمرقص.. أما جين فوندا فظنت هي أنها إحدى طرازات هوندا.. قلت إني أحب ماجدة الرومي فأقسمت أن الجبن الشيدر أطعم.. كنت أظنها نجمة بعيدة في السماء، ويا ليتني ما اقتربت لتبقى هي حلما، لكنني غامرت فأضحت كابوسا يطاردني ليل نهار..

 

لهذا أقدم خالص اعتذاري ومحبتي للفرصة الضائعة.

 

الجريدة الرسمية