رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

أضغاث أحلام

لا خوف على أمة تحلم ولديها قدر من الخيال ونخبة تبشر بإمكانية تحقيق الأحلام، والعكس صحيح، ومن المعلوم أن كل الإنجازات الإنسانية الضخمة بدأت بحلم ووجدت من يبشر بها، وقد قال الله جل جلاله لعباده: “لا تقنطوا”، وقال يعقوب لأولاده "لا تيأسوا"، وقال يوسف لأخيه "لا تبتئس"، وقال شعيب لموسى "لا تخف"، وقال نبينا ﷺ لأبي بكر "لا تحزن" فنشر الطمأنينة في نفوس الناس، في ساعات القلق، منهج إلهي نبوي، فانشروا الطمأنينة والثقة بالله، فلا بد من فرج قريب!

فقد انتظر سيدنا أيوب ١٨ سنة، وانتظر سيدنا يوسف ١٣ سنة، وانتظر سيدنا يعقوب ١٤ سنة، بينما انتظر سيدنا موسى ٤٠ سنة، فالأرض أعدت للبلاء ولم يسلم منها حتى الأنبياء، فالصبر فضيلة والحلم والخيال فضائل للنهضة الإنسانية، وكل الابتكارات بدأت بحلم كبير نما عندما كان هناك من يبشرون به لقهر المستحيل لإسعاد البشرية، فلا شيء في الطبيعة يعيش لنفسه.

النهر لا يشرب ماءه، والبحر لا يأكل سمكه، ولكن النخبة الآن تعيش فقط لنفسها ومصالحها وأحلامها ذاتية، لذا فإن تحقيق الأحلام القومية تستدعي خلق الحلم الجماعي للأمة، كما فعلت ألمانيا واليابان ودول النمور الآسيوية، وتثبت الصين كل يوم أنه لا يوجد مستحيل، فدولة عدد سكانها مليار و٣٠٠ مليون إنسان لم تشكُ بل اجتهدت في تشغيلهم، وأنتجت وصدرت وغزت العالم، وألغت كلمة الفقر من قاموسها وتحدت العالم وكسبت.. إنها الإرادة والانضباط والتنفيذ الصارم.‏

وكانت بطولة أفريقيا نموذجا حيا لمصر التي تحلم وتسعى لتحقيق الحلم، فكانت البطولة نموذجا لمصر التي تبني والفساد الذي يسعى للهدم، فمصر التي بنت وجددت استادات في ٥ شهور هى مصر الحلوة التي كان المهندسون والعمال فيها يعملون ٢٤ ساعة، لكي تظهر الاستادات أفضل من كوبا أمريكا، مصر الحلوة التي نظم شبابها حفل افتتاح عظيم، ثم كانت مصر الحلوة اللي في المدرجات.

اقرأ أيضا: الوضع الدستورى المرتبك للبرلمان المقبل

وأمام ذلك هزم الفساد مصر الحلوة. قبل أن تدخل البطولة.. الفساد في اختيار المدرب الذي لا يستحق أن يدرب فريق درجة ثانية في الدوري.. الفساد في اختيار قائمة المنتخب المشاركة في البطولة واستبعاد الأفضل.. الفساد في التشكيل الذي يصر علي عناصر فاشلة طوال الوقت، ومع هذا تجاوزت مصر الحالمة تلك الحالة بسرعة عندما استفادت وصححت الأخطاء، ونظمت بطولة أفريقيا تحت ٢٣ سنة بامتياز وإبهار.

ولا يوجد تغيير سواء كان إصلاحياً أو ثورياً ينجح مرة واحدة، جذور التخلف يصعب اقتلاعها في الوجيز من الزمن، وجذور الديمقراطية لا تستقر في التربة إلا بعد أكثر من محاولة.. الثورة الفرنسية نجحت في شهور قليلة أن تحول الملكية المستبدة إلى ملكية دستورية، ثم سقطت الملكية الدستورية وأعلنت الجمهورية الأولى، ثم سقطت الجمهورية الأولى وقلبها بونابرت إلى قنصلية ثم إمبراطورية.

ثم سقطت الإمبراطورية لتعود الملكية من جديد، ثم قامت ثورتان ضد الملكية، ثم أعلنت الجمهورية الثانية من جديدة، ثم انقلبت الجمهورية إلى إمبراطورية من جديد، ثم سقطت الإمبراطورية وأعلنت الجمهورية الثالثة، وبدورها سقطت مع مطلع الحرب العالمية الثانية، ثم أعلنت الجمهورية الرابعة حتي ١٩٥٨م، ثم استقرت الجمهورية الخامسة من ١٩٥٨م إلى اليوم.

اقرأ أيضا: المعارضة الرشيدة المطلوبة

رحلة تاريخية استغرقت من قيام الثورة ١٧٨٩م حتي قيام الجمهورية الخامسة ١٩٥٨م، وما حدث مع فرنسا في ١٦٩سنة يتحقق الآن في سنوات قليلة، ولعل تبسيط التعاملات واستغلال أقصى درجات الذكاء الصناعي سيكون لصالح الفرد في تسهيل وتسريع كل معاملاته، وربما تكون الآلات الذكية والحواسيب والحكومات الإلكترونية ذات القواعد الثابتة التي تُنظم حياة الأمم والشعوب.. والتي تُطبق على الجميع بمساواة وبدون واسطة أو شبهات فساد.. ستقلص دور الهيئات والمنظمات الحكومية إلى حد كبير وبالتالي تغيير شكل ومفهوم الدولة، وهناك بحوث عديدة عن الذكاء الاصطناعي، في إدارة الدول.

ولهذا يتوقع أن يكون هناك اضمحلال وانحدار لدور الدولة النظامية لصالح الحواسيب العملاقة والروبوتات (الذكاء الاصطناعي)، وفي خلال عقود ليست بالبعيدة، فهل هناك استعداد لهذا المستقبل أم ستظل كالعادة أضغاث أحلام.

 

Advertisements
الجريدة الرسمية