رئيس التحرير
عصام كامل

المخدرات وتهديد وجود المجتمع (1)

لم تعد قضية المخدرات في مصر مجرد قضية عادية تشير إلى بعض الخطورة على المجتمع، كما كانت في السابق، لكن هذه القضية صارت الآن قضية حياة أو موت، حياة المجتمع كله وسلامته أو ضياعه - لا قدر الله - في غياهب المجهول، فقد استشرى خطر المخدرات وزاد إلى حد لا يمكن إغفاله أو السكوت عنه، وتصل نسبة تعاطي المخدرات بمصر، نحو 12% من تعداد السكان، الذي يتخطى 100 مليون نسمة. وهو رقم ضعف المعدل العالمي، و27 % من المتعاطي الإناث، و 73% من الذكور، و24 % من الحرفيين، فمتوسط الإنفاق الشهري على المخدرات 337,1 جنيه.

 

   تتعدد أنواع المخدرات وأيضا تتنوع نسبة تعاطيها، فتعاطي الترامادول 51,8 %، والحشيش 23,3 % والهيروين 25,6 %، فبعض هذه الأرقام قامت وزيرة التضامن الاجتماعي بإعلانها، والبعض الآخر من صندوق مكافحة وعلاج الإدمان. واحتلت مصر الترتيب الثاني في أفريقيا من حيث تعاطي وتجارة المخدرات، ووصل ترتيبها على المستوى العالمي المركز العاشر بين أكثر الدول استخداما للحشيش .

 

وتتعرض تقارير دولية متعددة لنصيب الدول العربية من القنب الهندي أو الحشيش، فتشير إلى احتلال مصر المرتبة الثالثة في الاستهلاك بـ5.9 مليون مستهلك بعد نيجيريا (20.8 مليون) وإثيوبيا (7.1 مليون)

   وتشير التقديرات إلى أن حجم إهدار الأموال بسبب تعاطي وتجارة المخدرات في مصر خلال العشر سنوات الماضية بلغ 30 مليار جنيه أنفقت على مزاج المصريين، كما تزايدت عدد القضايا في مجال مكافحة انتشار المخدرات بشكل ملحوظ، ووصل عدد القضايا المضبوطة إلي أكثر من مليون ونصف قضية لعام 2018 فقط علي مستوي مصر، مما يعكس الزيادة الملحوظة على مستوى عدد القضايا والمتهمين، وهو ما يؤكد خطورة مشكلة المخدرات يوم بعد آخر.

أفلحت إن صدقت!

   وعندما بالبحث عن معرفة الأسباب التي أدت إلى زيادة التجارة وأيضا التعاطي واللجوء إليه بشكل ملحوظ خلال عام 2019، اتضح أن 30,6 % يتعاطون المخدرات من أجل العمل لفترة طويلة مثل أخذهم للترامادول، و35,2 % يتناوله من أجل نسيان الهموم، 34,8 % من أجل الاكتئاب، 36,6 % من أجل القبول الاجتماعي، 37,8 % من أجل حبهم للتجربة، 24,9 % من أجل الإبداع، وأخيرا 29,1 % من أجل الجرأة، وهذه النسبة في حد ذاته صادمة لمجتمع به نسبة كبيرة من المتعلمين .

 

   وبلغة الأرقام كذلك، نجح قطاع مكافحة المخدرات نجح على مدار عدة خمسة أشهر فقط في إزالة 814 فدانا زراعات نباتات مخدرة، وضبط 98 طنا من مخدر الحشيش، و2230 كيلو من مخدر الهيروين، و580 كيلو من مخدر الكوكايين، و 318 كيلو من مخدر الأفيون، و498,118,248 قرصا مخدرا، بإجمالي قضايا  178760 ارتكبها 196602 متهم.

 

   وقد كشف تقرير لـ"لجنة الكشف عن تعاطي المخدرات بين العاملين في وزارات ومؤسسات الدولة"، عن تعاطي 250 حالة للمواد المخدرة، من بين 8282 موظفا في 8 وزارات، تم الكشف عليهم، خلال الأشهر الماضية. كما قد أعلنت وزارة التضامن الاجتماعي، إحالة 27 من سائقي الحافلات المدرسية للنيابة، بعد ثبوت تعاطيهم للمواد المخدرة، منهم 17 حالة حشيش، و8 ترامادول، و2 مورفين.

 

   والملاحظ انتشار المخدرات بكثافة منقطعة النظير في المناطق الشعبية والعشوائيات مثل حي الشرابية والزاوية الحمراء والخصوص وعزبة النخل الخ. فقد أجرى بعض الباحثين بحثا حول ظاهرة المخدرات في منطقة الشرابية وأطلعوني على النتائج باعتبارها نموذجا للعشوائيات والأماكن الشعبية، فكانت النتائج مروعة، فقد كان الهدف من البحث التعرف على ملامح ظاهرة تعاطي المخدرات بين الشباب، حيث تركز على استكشاف أبعاد الظاهرة بين شباب العشوائيات، باعتبار المناطق العشوائية تعيش مجموعة من الظروف والمشكلات التي تجعل التعاطي في سياقها وسيلة لتصريف التواترات والتكيف مع صعوبة الظروف.

ينك "ناصر" لوحده مش كفاية

   تناول البحث تعاطي المخدرات بين الشباب بحى الشرابية، أجريت على عينة بلغت (211) حالة جميعها من الذكور، اختيروا بطريقة كرة الثلج عن طريق مجموعة من الإخباريين في العديد من الأحياء بها، في الفئة العمرية من (15) إلى (30) سنة، وكان حوالي ثلث العينة من الأميين معظمهم يمارسون عملا هامشيا في مهن حرفية أو خدمية بطريقة غير منتظمة، ومن ثم بدخول غير منتظمة. كان ومن أهم النتائج : إن فئة غير المتزوجين تمثل أكثر من نصف العينة، ثم من هم دون سن الزواج مثلوا نسبة حوالي 20% من حجم العينة، وينتمون لأسر كبيرة العدد، وينتشر التعاطي بين شباب المنطقة العاملين والعاطلين المتعلمين والأميين بنسبة 100% ، وأكثر الأنواع انتشارا كان البودر، والأستروكس، ثم البانجو، يليه الأقراص، ثم الأدوية، والمواد الطيارة، والحشيش، يليه الهيروين والماكستون فورت، أغلبهم يتعاطونه بانتظام.

 

   ومن العجيب ظهور أنواع من المخدرات جديدة ولم تكن معروفة من قبل، مثل مخدر "الكريستال ميث"، وهو أحد أنواع المخدرات الجديدة والتي لا يعلم اسمها أو تأثيرها إلا عدد قليل من هواة المخدرات، والذين يتابعون الأنواع الجديدة التي تصدر أولا بأول. ويطلق عليها اسم "الشبو"، أو هو الاسم الدارج الذي ينتشر بين فئات الشباب. وقد أطلق عليه اسم الكريستال وذلك لأنه يشبه إلي درجة كبيرة شكل الكريستال فضلا عن الأسماء الأخرى التي يطلقها الناس عليه كالثلج، والأيس، والجلاس. ويتم تعاطيه عن طريق طحنه ليتحول إلي بودرة، ثم يتم استنشاقها بعد ذلك أو إذابته في ماء ووضعه داخل حقن، ومن ثم داخل الوريد في الجسم ولكن في الأغلب يتم تدخينه، ويتم استنشاق  دخان الشبو القاتل.

 

   ومن أضراره أنه يتسبب في نوع من العدوانية الزائدة، والدخول في بعض الحالات الهستيرية شديدة الخطورة، ويصل الضرر به إلى قتل أحد الأفراد أو ربما قتل نفسه، كما أن الجرعات العالية منه تتسبب في حالة من النشوة والفرح والهوس، وربما يرجع تناول العديد من الشباب والإقبال عليه أن يتناوله يصبح لفترة بدون نوم فهو من أقوى المخدرات تأثيرا في إبعاد الفرد عن الراحة والنوم.

 

الجريدة الرسمية