رئيس التحرير
عصام كامل

الفقر دفعهما لـ«السهرات الحمرا».. حكاية أغرب جريمة قتل في شبرا.. زوج يبيع جسد زوجته لتاجر ثري من أجل المال.. اتفقا معه على الرقص فقط فطمع في النوم معها.. وقتلاه بعد الاستيلاء منه على 5 آلاف

فيتو

من المرات النادرة في تاريخ الجريمة أن يواجه ضباط المباحث لغزا بهذا الغموض، فكم من حادث طويت صفحته بعبارة "قُيد ضد مجهول" التي تشير إلى عدم توصل أجهزة البحث إلى الجاني، إلا أن الآية انقلبت في هذه الجريمة، فأصبح لدى المباحث قاتل ودافعين مادي ومعنوي، فيما محيت هوية المجني عليه، وظلت شخصيته سرا مستعصيا على رجال البحث الجنائي، وكأنها أرادت أن يواريها التراب ويدفنها مع جثة صاحبها.


الجريمة التي هزت شوارع شبرا الخيمة على مدار الأسبوع الماضي كانت استثنائية كصاحبها الذي عاش ومات بوجوه متعددة وأقنعة كثيرة، أعجزت رجال المباحث لفترة عن تحديد هويته، وفي كل مرة كانت المباحث تعثر فيه على خيط تتبعه للوصول إلى شخصية القتيل، ما أن تمسك بطرفه الأول، حتى ينقطع طرفه الآخر ومعه الحقيقة.

الجثة في ملاءة

الواقعة بدأت بداية عادية جدا، عثر الأهالي خلالها على جثة رجل في الخمسين من عمره داخل "شوال" وملقاة في الأرض البور بالمنشية الجديدة بشبرا الخيمة، وما أن قام الشباب بفض الملاءة الملفوف بها الجثمان، حتى فوجئوا بأنه مقطع الأوصال من اليد والأصابع، وممزق بطعنات في البطن والرقبة، وكان المنظر الأبشع أن وجدوا عضوه الذكري مفصولا عن جسده!!

أي انتقام هذا الذي وضع كل حقد العالم في هذه الجريمة؟ توجه اللواء جمال الرشيدي، مساعد أول الوزير، مدير أمن القليوبية، إلى موقع الحادث ليكون على علم بكل التطورات، وعندما ذهب كان قد سبقه رجال وحدة مباحث القليوبية، برئاسة اللواء هشام سليم، مدير الإدارة العامة للمباحث، في إجراء تحقيق موسع حول الواقعة، وبما أن ضباط الوحدة لديهم خبرة طويلة في التعامل مع مثل هذه القضايا، فقد ظنوا أن الأمر لن يستغرق سوى ساعات حتى يحددوا هوية الجثة ويبدأوا بحصر الشبهات في دائرة علاقاتها، لكن ما لم يكن في الحسبان أن الجناة سلبوا القتيل كل متعلقاته، بطاقة الرقم القومي، رخصة، صور، موبايل، كل شيء، لم يكن أمام رجال المباحث من معطيات هذا اللغز سوى جثة خالية من أي بيانات.

بدأت خطة البحث باقتراح أحد معاوني مباحث القليوبية بإرسال عينة من دم المجني عليه لتحليل البصمة الوراثية لها للتوصل إلى تحديد هويته، لكن العميد حازم عزت رئيس مباحث المديرية، والعقيد أحمد الخولي رئيس فرع البحث الجنائي، كان لهما رأي مختلف، فقد رأوا أن هذه خطوة متعجلة، وفضلوا أن يبدأ البحث عن أي شاهد عيان قد يكون لديه أي معلومات تقود إلى حل اللغز، وكانت المفاجأة!

في أثناء ما كان الرائد أحمد عصر رئيس المباحث منهمكا في متابعة إجراءات تشريح الجثة، وتحريز ملابس القتيل، طرقت بابه إحدى السيدات، فأذن لرجاله بدخولها، وما إن جلست حتى أخبرته بأنها رأت "تروسيكل" يلقي بـ"شوال" في نفس اليوم والمكان الذي عثر فيه الأهالي على الجثة، وبغريزة تربت فيه على مدار سنوات طويلة من خبرة العمل في البحث الجنائي، شعر الرائد أحمد عصر أن كلام هذه المرأة سيكون مفتاحا لكشف غموض الجريمة، على الرغم من قلة المعلومات التي أدلت بها.

وصفت السيدة إلى رجال المباحث شكل التروسيكل، لتبدأ رحلة البحث عنه والتي تولاها النقباء محمد أيمن، أحمد طارق،أحمد عبد اللطيف معاونوا المباحث، فحصر بحثهم في مجموعة من الأشخاص يملكون تروسيكلا بنفس الأوصاف، حتى توصلوا إلى تحديد هوية المتهم، وتبين أنه يعمل كموزع خبز لأحد الأفران في منطقة شبرا الخيمة.

لم يكذب النقيب أحمد عادل معاون المباحث الخبر، وذهب بنفسه إلى سؤال صاحب الفرن عن الشخص المطلوب تحديده، فأخبره الرجل بأن المذكور كان يعمل عنده هو وزوجته في توزيع الخبز مقابل 50 جنيه في اليوم، لكنهما انقطعا عن العمل منذ فترة، ولم يعد يعرف عنهما شيئا، سوى المنزل اللذان كانا يقيمان به.

توجه الرائد أحمد عصر ومعه المعاونون إلى منزل موزع الخبز المشتبه فيه، صاحب التروسيكل الذي أدلت المرأة بأوصافه، وسألوا صاحب المنزل عنه، فأخبرهم هو الآخر أن المذكور ترك المنزل وسافر وزوجته إلى بلدتهما بالفيوم.

مأمورية إلى الفيوم
نسق اللواء جمال الرشيدي، مدير أمن القليوبية مع اللواء حسن الطحلاوي مدير أمن الفيوم بإرسال مأمورية لضبط وإحضار المشتبه فيه، وعندما وجد الرجل وزوجته رجال المباحث فوق رؤسهما، لم يستطيعا أن ينكرا جريمتهما واعترفا بها تفصيليا.

الفقر المذل

بدأ المتهم في حالة رثة، علامات الفقر المذل حفرت في وجهه الضعف والوهن، على رغم سنوات عمره التي لم تتعد الأربعين، قال إنه يعمل كموزع للخبز لصالح صاحب فرن بشبرا الخيمة، مقابل الحصول على يومية لا تكاد تسد صراخ بطنه وزوجته من الجوع، يسكن في شقة متواضعة بأحد أزقة شبرا الخيمة، وتذهب زوجته أحيانا للخدمة في البيوت مقابل لقيمات تحصل عليها أو جنيهات لا تواري عار الفقر الذي فضح سترها وزوجها.

في عصر يوم مشئوم، اقترح عليه أحد أصدقائه بأن تعمل زوجته كمضيفة في أحد الملاهي الليلية بشارع الهرم، خاصة أن المرأة تتمتع بقدر كبير من الجمال، لكن الزوج ثارت ثورة غضبه على صديقه، وقطع علاقته به لمجرد أن اقترح عليه أن يسمح بعرض لحم زوجته في مزاد، لكن وطأة الفقر المدقع لم تدعه يهنأ بموقفه الرجولي، وتحت إلحاح الحاجة وذل العوز، اضطر الرجل إلى الموافقة على أن تعمل زوجته نادلة مقابل "بقشيش" سخي يجود به السكارى ومرتادو الكباريهات، إلى أن جاء يوم وتعرفت على القتيل الذي أغراها بماله وطلب منها معاشرتها جنسيا، فأخبرت المرأة زوجها رغبة القتيل فيها.

وشعر الرجل أن لعنة الفقر تأبى إلا أن تطارده، ليس فقط في قوت يومه، وإنما في شرفه وعرضه، فعادت ثورته تضرب من جديد، لا يريد أن يتنازل عن كرامته مقابل بيع نخوته، مهما كان الثمن، لكن مع تداعي الديون حول رأسه، ومحاصرة الأزمات المالية له، عاد فوافق على دعوة "الزبون" إلى منزله، وهناك اشترط عليه أن تقوم زوجته بمجالسته فقط والرقص له، مقابل ألف جنيه في الليلة، ووافق القتيل الذي فتنه جمال المرأة، وحدثته نفسه بأن يوافق على العرض طمعا في أن يأتي يوم وينال ما هو أكثر من المداعبة، وهذا ما فعله حوال أن يقيم علاقة كاملة مع الزوجة فطرده الزوج.

إصرار القتيل العاشق، وتأجج قلبه بنار الشهوة، لم يخمد، وعكف كل يوم على مطاردة المرأة الفاتنة التي تجالسه بعلم زوجها، لإقناعها بأن تكون أكثر سخاء وأوفر كرما، وعرض عليها مبلغ 3 آلاف جنيه مقابل مواقعتها، فعادت المرأة مجددا وأخبرت زوجها الذي استعرت نار الرجولة في عروقه، لكن الزوجة الفاتنة كانت قد رسمت الخطة ونسجت خيوط العنكبوت حول العاشق الولهان للانتقام من ذله لهما، واتفقت مع زوجها أن تخبر الرجل بموافقتها على عرضه، لكن بشرطين، أن يدفع 5 آلاف جنيه مقابل إعطائه جسدها، وأن توهمه بعدم معرفة زوجها بهذا الاتفاق، وبالفعل اتصلت به وأبلغته شروطها وقالت له إن زوجها في هذا اليوم سيسافر إلى الفيوم لزيارة أهله، وحذرت الرجل من أن يخبر زوجها بشأن هذه المكالمة.

خطة تنفيذ الجريمة

في يوم الجريمة حضر الرجل ودخل إلى "الخية" بقدميه، وما أن استقبلته المرأة الفاتنة، حتى طلبت منه انتظارها ريثما تذهب إلى "التواليت"، وأثناء جلوسه ليستعد ويمني نفسه بالكنز المدفون بين ثنيات هذا الجسد الفائر، داهمه الزوج من وراء ستار وهو يحمل معه سكينا، وطلب منه ترك المبلغ المتفق عليه والعودة من حيث جاء بـ"خفي حنين"، فأبى الرجل تغفيله بهذه الطريقة، وقاوم الزوج، حتى سبق السيف العذل، وسدد له الزوج طعنتين برقبته أودتا بحياته، وعندما وجده غارقا في دمه جثة هامدة، شرع في تمزيق جسده وقطع عضوه الذكري وكأن الزوج شعر أنه السبب في كل هذه المأساة.

وهناك في الأرض الخلاء بالمنشية الجديدة، ذهبا الزوجان بعد أن وضعا الجثة في التروسيكل الذي كانا يعملان عليه في توزيع الحبز، وألقا بها، وسافرا إلى الفيوم لأهلهما، حتى داهمتهما المباحث.

جريمة في الحي الراقي.. جثة متعفنة وسجلات مصلحة السجون كشفت اللغز

الغموض يحيط بهوية المجني عليه

هل انتهت القصة إلى هنا؟ أبدا.. اللغز ازداد تعقيدا وغموضا، وما أن وجه إليهما المحقق أمين حافظ، رئيس نيابة شبرا الخيمة، الذي استمع إلى أقوالهما في محضر رسمي، سؤالا حول اسم القتيل وهويته، حتى بدت الحيرة على وجه الزوجين، وتبين أنهما لا يعرفان من قتلاه، لا يعرفان ضحيتهما، وعندما أخبرا المباحث باسمه، تبين بعد ذلك أنه ليس اسمه الحقيقي وإنما مجرد لقب مستعار، بالإضافة إلى أن القاتلين لم ينظرا في أوراقه الثبوتية قبل أن يتخلصا منها، ما جعل رجال المباحث في حيرة من أمرهم.. أمامنا قاتل وشريكته ودافع للجريمة.. لكن من القتيل؟!

بدأت إدارة مباحث القليوبية برئاسة اللواء هشام سليم، رحلة جديدة من البحث عن هوية المجني عليه، وبإعادة استجواب الزوجة المتهمة أرشدتهما عن صور تحتفظ بها على هاتفها الشخصي، جمعت بينها وبين المجني عليه، فيما أكدت أنها تعرفت على القتيل في ملهى ليلي بشارع الهرم، فاصطحب الرائد أحمد عصر، رئيس مباحث قسم أول، معاونه النقيب أحمد أيمن، والقوة المرافقة له، ومعهم صور المجني عليه التي حصلوا عليها من المتهمة، لعرضها على صاحب الملهي الذي أكد معرفته بالقتيل، وأخبر رجال المباحث أنه دائم السهر هنا لاصطياد النساء، وأخبرهم باسمه الذي اتضح أنه غير الاسم الذي أدلى به المتهمان في الاستجوابات، وعندما سأله العميد صموئيل عطا الله مأمور قسم أول شبرا الخيمة عن أي شخص يكون من معارف المجني عليه، ويمكن الرجوع إليه لسؤاله، أرشده صاحب الملهى الليلي إلى أحد أصدقاء القتيل الذين اعتاد السهر معه، لكن المشكلة أنه لا يأتي إلى الكباريه منذ فترة، فاضطر المعاون أحمد أيمن أن يداوم على مراقبة الملهى حتى ظهر الشخص المطلوب، وبسؤاله وعرض صور القتيل عيله، أخبر رجال المباحث باسم ثالث للرجل، ما دعى المعاون أحمد أيمن أن يضرب كفا بكف.. ما هذه القضية المعقدة التي لا تريد أن تغلق؟

طلب رجال المباحث من صديق المجني عليه رقم هاتفه، وبالبحث عنه في إحدى شركات المحمول، اكتشفوا أن الشريحة مسجلة باسم إحدى السيدات، ليزداد اللغز حيرة وغموضا، ويكاد اليأس أن يضرب ضباط المباحث في التوصل إلى هوية المجني عليه، حتى جاءت الفكرة إلى رأس الرائد أحمد عصر، لماذا لا نطلب من شركة المحمول التي يتبعها خط القتيل تركيب الشريحة والاتصال بآخر الأرقام التي أجراها؟

كانت هذه الفكرة كفيلة بالكشف عن هوية القتيل، وباتصال رجال المباحث بآخر رقم أجراه، رد عليهم نجله، فسألوه عن والده، فأخبرهم أنه متغيب منذ أسبوع ولا يعرفوا عنه شيئا، فطلب منه العميد صموئيل عطا الله، الحضور إلى القسم لمقابلته، وهناك اصطحبه إلى مشرحة النيابة في زينهم، وبعرض الجثة عليه، تعرف الشاب على أبيه، الذي تبين أنه تاجر ثري، وتم تسليم جثمانه إلى ذويه لدفنه، وبهذا أغلق ملف واحدة من أعقد القضايا وأكثرها غموضا على رجال المباحث.
الجريدة الرسمية