رئيس التحرير
عصام كامل

محمد فودة يكتب: لقاء مع الله

محمد فودة
محمد فودة



استوقفني قول الحق سبحانه وتعالى: "وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ * الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ".. البقرة 45،46


وتوقفت أكثر عند كلمة (يظنون)؛ ذلك أن لقاء الله سبحانه عين اليقين، فلماذا جاءت في الآية يظنون، ولم تأتِ مثلا يوقنون؟!

فالظن يعرف في اصطلاح الأصوليين بأنه ما احتمل أمرين هو في أحدهما أرجح من الآخر.. فالاحتمال الراجح يسمى ظنا والمرجوح يسمى وهما، وإذا استوى الاحتمالان سُمِّي ذلك شكًّا.

ويقول ابن الجوزي: َذكر أهل التَّفْسِير أَن الظَّن فِي الْقُرْآن على خَمْسَة أوجه:
أَحدهَا: الشَّك: وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْبَقَرَة: ﴿إِن هم إِلَّا يظنون﴾.
وَالثَّانِي: الْيَقِين. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْبَقَرَة: ﴿الَّذين يظنون أَنهم ملاقوا رَبهم﴾، وَفِي سُورَة الحاقة: ﴿إِنِّي ظَنَنْت أَنِّي ملاق حسابيه﴾.
وَالثَّالِث: التُّهْمَة. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: فِي التكوير :﴿وَمَا هُوَ على الْغَيْب بظنين﴾، أَي بمتهم.
وَالرَّابِع: الحسبان. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الانشقاق: ﴿إِنَّه ظن أَن لن يحور﴾، أَي: حسب.
وَالْخَامِس: الكذب. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي النَّجْم: ﴿إِن يتبعُون إِلَّا الظَّن وَإِن الظَّن لَا يُغني من الْحق شَيْئا﴾.

أما عن السر في استخدام كلمة يظنون، فيقول فضيلة الشيخ الشعراوي:
والحق سبحانه وتعالى يقول: {الذين يَظُنُّونَ}، ولم يقل: الذين تيقنوا أنهم ملاقوا ربهم.. لماذا لم يستخدم الحق تعالى لفظ اليقين وأبدله بالظن؟ لأن مجرد الظن أنك ملاق الله سبحانه وتعالى.. كافٍ أن يجعلك تلتزم بالمنهج، فما بالك إذا كنت متيقنا، فمجرد الظن يكفي.

وإذا أردنا أن نضرب لذلك مثلا، ولله المثل الأعلى نقول: هب أنك سائر في طريق. وجاء شخص يخبرك أن هذا الطريق فيه لصوص وقطاع طرق، فمجرد هذا الكلام يجعلك لا تمشي في هذا الطريق إلا إذا كنت مسلحا ومعك شخص أو اثنان، فأنت تفعل ذلك للاحتياط. إذن فمجرد الظن دفعنا للاحتياط.. إذن فقوله تعالى: {يَظُنُّونَ أَنَّهُم ملاقوا رَبِّهِمْ}، فمجرد أن القضية راجحة.. هذا يكفي لاتباع منهج الله، فتقي نفسك من عذاب عظيم.

والحق سبحانه وتعالى يقول: {الذين يَظُنُّونَ أَنَّهُم ملاقوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} والرجوع إلى الله سبحانه وتعالى أمر يقيني، فما دمت قد جئت إلى الدنيا مخلوقا من الله، فأنت لا محالة سترجع إليه.

وهذا اليوم يجب أن نحتاط له، حيطة كبرى، وأن نترقبه، لأنه يوم عظيم.. والحق سبحانه يقول: {ياأيها الناس اتقوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ الساعة شَيْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّآ أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى الناس سكارى وَمَا هُم بسكارى ولكن عَذَابَ الله شَدِيدٌ}.. [الحج: 1-2].

إذا كان هذا حالنا يوم القيامة، فكيف لا يكفي مجرد الظن لأن نتمسك بمنهج الله. ونحن نحتاط لأحداث دنيوية لا تساوي شيئا بالنسبة لأهوال يوم القيامة.. إن الظن هنا بأننا سنلاقي الله تعالى يكفي لأن نعمل له ألف حساب.
الجريدة الرسمية