رئيس التحرير
عصام كامل

بلال خضر يكتب: في وداع الدكتور كيلاني محمد المهدي

بلال خضر
بلال خضر

فقدت الأمةُ الإسلامية عَلَمًا من أعلام الدعوة، وإمامًا من أئمة البيان، وفقيها ربانيا متبحرا، وأصوليا مجتهدا أفنى عمره في تعليم الفقه وأصوله.


رُفع قلمٌ طالما صدع بالحق، وأغمد سيفٌ طالما سلطه الله على كل متشدد أو مشكك، وسكت لسانٌ ظلَّ صادقا مدويا، داعيا إلى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة.

كان –رحمه الله- سيدا في الورع والزهد، يكسوه الوقار والهيبة مع تواضع جم ونفس مطمئنة، كان لنا نعم المُرَبّي والمُعلّم محافظا على دينه خادما له، مجتهدا في نقل صورته الحسنة، ونشر وسطيته وسماحته.

كان لأهل بلده ولطلابه المرجع والمأوى في الفقه والأصول والفتوى، جريئا في الحق لا يحيد عنه، شجاعا في فتاويه قويا في أدلته وترجيحاته.

وقف -رحمه الله- سدًا منيعا أمام تغول الفكر المتشدد وفكر ومصالح الجماعات والأفراد في المنطقة والذي يهدف إلى الوصول للمصالح الخاصة التي تشوه صورة ديننا الحنيف، وظل رحمة الله تعالى يدعو ويرسخ لوسطية الأزهر ويعلم منهجه الميمون إلى أن لبى نداء ربه راضيا مرضيا.

رحل عنا من علم الناس عمليا كيف تكون الحياة بالعلم وللعلم رغم قسوة الحياة عليه، كان -رحمه الله- متواضعا في كل أحواله على علو قدره ومنزلته، مثالا للجد والاجتهاد والصبر والمثابرة، وكل من خالطه يشهد على حاله رحمه الله.

كنا دائما نهرع إليه ونطمئن إلى رحابه كطلاب للعلم ليكشف لنا غور المسائل الفقهية ويبين لنا الطريق ويفتح لنا الأبواب.

رحل عنا من كان كالغوث للعامة والخاصة يلجأ إليه في الملمات المهمات،يجيب بما يرضى ربه لا يخاف في الله لومة لائم، فقد كان بحرا في العلوم موسوعيا، فهو شيخ العربية وإمام القراءات وحجة الفقه، جمعت له العلوم فكأنما صارت له علما واحدا.

رحل عنا أول من وجهنى شخصيا وحببني في الفقه وعلومه وشجعني على الدراسة في كلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر.

كان -رحمه الله- يعلمنا بأسلوبه السهل المختصر كتب التراث وخاصة الفقهية منها ولا زلت أذكر شرحه لكتاب بداية المجتهد ونهاية المقتصد للإمام ابن رشد، وهو يوضح لنا مسائله ويكشف أغواره ويصمم على غرس الملكة الفقهية فينا، يبين معانيه وخلاف الفقهاء فيه وسبب الخلاف ويسرد الأدلة بطريقة تقرب الفكرة ويسقطها على الواقع بطريقة لا يتقنها إلا عالم حاذق متفنن.

رحل عنا الفارس الأمين المربي الفاضل وأولاده في النسب، وفى رحم العلم خير شاهد على ذلك. 

إنه أستاذنا وشيخنا المرحوم الأستاذ الدكتور كيلاني محمد المهدى أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر الشريف، رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته.
الجريدة الرسمية