رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

«عاش في جلباب أبيه».. حكاية أستاذ جامعي أكمل مسيرة والده في صناعة الفخار

فيتو

خلال مسيرته الأدبية الحافلة، خرج علينا الأديب الراحل برواية شهيرة تسمى "لن أعيش في جلباب أبي"، ظلت سنوات وسنوات تداول بين عموم المثفقين، حتى أتى عام 1996 واستطاع السيناريست مصطفى محرم أن يطوع تلك الرواية ويحولها إلى دراما عائلية من الطراز الأول، يبرز خلال سعي الابن الدائم للتغريد بعيدا عن سرب عائلته، والتنصل شبه الكامل من ماضي الأب وطبيعة عمله.



في قرية جريس مركز أشمون بمحافظة المنوفية، ثمة رواية لم تسرد أحداثها بعد لأستاذ جامعي "عاش في جلباب أبيه"، ورفض أي طريقة يمكن أن تثنيه عن استكمال مسيرة الأب ومهنته التي ورثها بدوره عن والده، ليكون بطل هذه الرواية "الدكتور هاني هلال"، أستاذ الإعلام بعدد من المعاهد والكليات الخاصة، والحاصل على درجة الدكتوراة عام 2015، ووكيل إحدى المدارس صباحا، وصانع الفخار بورشة الأب بعد الظهيرة!.



البداية كانت من منزل ريفي بسيط يقع على أطراف قرية جريس، في أسرة بسيطة يعمل ربها في صناعة الفخار بورشة تبعد عن المنزل بنحو 100 متر، وسط مجموعة من الورش في منطقة تشتهر في المحافظة بتلك الصناعة، وأم تقوم بمهام المنزل على أكمل وجه، وترعى عددا من الإخوة الذي أراد بعضهم أن يشارك والده في العمل، ليكون على رأسهم الدكتور هاني نفسه: "وقتها كان عندي 6 سنين كنت في أولى ابتدائي، نزلت أول مرة مع والدي وكنت حابب جدا اتعلمها، كنت بخلص مدرسة واطلع على الورشة، وفي ظرف 4 سنوات أصبحت صنايعي شاطر ووالدي بيعتمد عليا اعتماد شبه كلي".



مرت السنوات وظل هاني يحاول التوفيق بين دراسته صباحا والعمل مع والده وأخيه شعبان في الورشة بعد الظهر، حتى أنهى دراسة الإعدادية وأراد الالتحاق بالمدرسة الثانوية: "كنت بسمع والدتي دائما تقول نفسي أشوف حد منكم دكتور، حبيت أحقق لها أمنيتها".



إلا أن الظروف الاقتصادية للوالد حالت دون ذلك، ما جعله يلتحق بالثانوية المنزلية عقب إنهاء فترة التعليم بالمدرسة الصناعية، حصل على مجموع 86% فلم يستطع أن يلتحق بكلية الإعلام ويصبح دكتور بمجال الإعلام فيحقق حلمه وحلم الأم معا: "دخلت كلية التربية النوعية جامعة المنوفية، وتخصصت في قسم الإعلام، وعام 2009 حصلت على درجة الماجستير من المعهد، لقيت رغبة أمي ما زالت تطرق رأسي لازم أكون دكتور".



اعتمدت على بعض الزملاء في الوصول إلى الكيفية التي من خلالها يستكمل صعود الدرج العلمي للوصول إلى لقب الأستاذ الجامعي، وبالفعل تقدم برسالته التي حملت عنوان "تعرض طلاب الجامعة للبرامج الدينية وعلاقتها باكتساب تعاليم الإسلام"، وتمت مناقشتها عام 2015، ليصبح في هذا العام رسميا دكتور متخصصا في مجال الإعلام والصحافة المتخصصة.



في الوقت الذي حصل فيه على درجة الدكتوراة، كان قد تم اختياره للعمل في مدرسة "شنشور الثانوية" بقرية شنشور بالمنوفية، كمتخصص في مجال الأنشطة الإعلامية للمدرسة ونائب لوكيل المدرسة: "أنا معين في وزارة التربية والتعليم، عام 2013 كان أي حد يحصل على ماجستير ودكتوراة له حق يتعين في الوزارة، فكنت أخصائي إعلام في المدرسة، بعلم الطلبة يعني إيه أنشطة إعلامية في المدرسة، كان نفسي أوصل اللي اتعلمته لطلبة الجامعة وتكون جامعة حكومية، أنا حاليا مش عارف أوصل لهم ده فبستغل شغلي في المدرسة لكن بإمكانيات محدودة بحاول أعلم كل طالب في المدرسة إنه لو عنده هواية ممارسة الإعلام سواء الكتابة أو الإلقاء بعرفهم يعني إيه صحافة يعني إيه تحقيق ومقال وحوار، يعني إيه إذاعة وإلقاء، لكن أنا نفسي إنه ده أوصله للطلبة المتخصصين".



أثناء عمله في المدرسة وتحديدا بداية عام 2016 قرأ هاني عن طريق الصدفة إعلان في إحدى الصحف عن رغبة معهد الإعلام في حي المقطم بالقاهرة في تعيين بعض أساتذة الإعلام، فتقدم وتمت الموافقة على اختياره: "درست في 2016 و2017، درست في كليات الإعلام صحافة متخصصة وتاريخ الصحافة المصرية وتشريعات الإعلام وإدارة المؤسسات الإعلامية، لكن مبشتغلش بشكل دائم في المعاهد الخاصة، ومش معين لأنها محتاجة دكتور متفرغ مش معين في هيئة حكومية، اشتغلت سنتين وقالوا لازم تتفرغ فرفضت لأنه أيا كان ده تعين حكومي".



اكتفى هاني بعد نهاية عمله في معهد المقطم فترة وجامعة 6 أكتوبر فترة أخرى، بأن يتمسك بالتعيين الحكومي في المدرسة، حتى يتحقق حلمه الأكبر في التعيين بإحدى الجامعات الحكومية: "يوميا بوصل المدرسة الساعة 8 ببدأ أشوف الطلبة المشتركة معايا في الإذاعة والصحافة المدرسية لو أي عمل إداري بقوم به، بحاول أفعل أي شيء خاص بالإعلام في المدرسة، الساعة اتنين بروح اتغدى واطلع على الورشة لحد بعد صلاة العشاء".



ينتهي عمله كمدرس بدرجة دكتور جامعي في المدرسة في الثانية ظهرا، ليبدأ الوجه الآخر من حياته، والذي تتبدى معالمه في الورشة الصغيرة الواقعة في أحد أزقة القرية، يخلع عنه بدلته يرتدي ملابس العمل التي يحمل كل جزء بها آثار عمل الأيام السابقة: "بالرغم من إننا كلنا اتوظفنا بقت جزء بيكمل الدخل، لكننا منقدرش نسيبها لأنه والدي ممكن يتأثر نفسيا بده لو كلنا مشينا والورشة دي اتقفلت، ودي مهنة مش عيب ولا تعيبني أنا أو إخوتي. أحيانا كدة نفسي تراودني إني لازم أسيب الشغلانة دي إزاي تكون دكتور وتلبس لبس كله طين وتشتغل في الطين ده والبهدلة دي، ببص على زمايلي الدكاترة التانيين نفسي ساعات بتشيل شوية، لكن ببص لوالدي ووالدتي ودعواتهم بكمل بيساعدوني أكمل فيها وكفاية دعواتهم لي".


Advertisements
الجريدة الرسمية