رئيس التحرير
عصام كامل

نجيب محفوظ يكتب: الأدب ثورة على الواقع

نجيب محفوظ
نجيب محفوظ

في مجلة الهلال عام 1984 كتب الأديب نجيب محفوظ يقول:

الأدب وثيقة تسجيلية يمكن الاستئناس بها، لكن من المغامرة غير العلمية الاعتماد عليها. أن أحداث الأدب تقع في التاريخ القديم أو المعاصر، حتى الأدب المجرد لا يخرج كلية عن حدود التاريخ المرنة.


ولكن أي تاريخ وأى تسجيل؟ إنه لا يعتمد على المراجع والإحصاء.. بل يعتمد أولا وأخيرا على القلب والعاطفة والوجدان.

فالأدب وسيلة تسجيلية لا للتاريخ ولا للواقع.. بل يخيل لى أن الأدب ثورة على الواقع لا تصوير له، غاية ما في الأمر أن هذه الثورة قد ترتدي شكلا صريحا كما في الأدب الحديث، أو ترتدى لباس الواقع الظاهر بعد أن تحدث فيه خفية كل تغييراتها.

ورواية بين القصرين يمكن اعتبارها وثيقة تسجيلية، وكذلك رواية للأستاذ أحمد حسين وهى عن نفس الفترة، اقرأ الروايتين وسوف توقن أنه لا توجد وثيقة تسجيلية على الإطلاق.

والحق أنني لم أكتب الثلاثية (بين القصرين ـ قصر الشوق ــ السكرية) لأؤرخ لمصر، بل لم اكتب القصص التاريخية الصريحة (عبث الأقدار ــ كفاح طيبة ــ رادوبيس) لأقدم تاريخا بأمانة.

وما دفعنى للكتابة في الحالتين إلا حبى لأماكن وأشخاص وقيم.. أما الأخلاق فأمرها مختلف في اعتقادى.

عموما أي رواية هي نوع من السلوك، وأى سلوك هو حركة أخلاقية، فلا يخلو أدب من أخلاقية معينة، أحيانا يكون الأديب مؤمنا بمجتمعه فيحكم بالطريقة التي يختارها على شخوصه تبعا لأخلاقية جاهزة يؤمن بها.

وهناك من يقترب من قيم جديدة، وقد تبدو لذلك روايته غير أخلاقية، أو أنها جمالية بحتة.. على حين أنها تبشر ضمنا بأخلاق جديدة.

وعلى هذا الأساس فإنى أعتبر مؤلفى "صورة دوريان جراى" و"أزهار الشوك" عشيق الليدى تشاترلى كتابا أخلاقيين.. حتى المرحوم الشاعر عبد الحميد الديب فهو كاتب وشاعر أخلاقى.
الجريدة الرسمية