رئيس التحرير
عصام كامل

«سيرته الحلوة في كل مكان».. صاحب محل حلوى يخلد اسم شقيقه بـ «الجمل بيبو»

فيتو

في الذكرى العطرة التي تنثر ضياءها حولنا في الثاني عشر من ربيع الأول من كل عام، حيث توافق ذكرى مولد النبي الكريم، تعج الشوارع والأزقة بالحلوى والعرائس وكافة صنوف البهجة وضروب الألوان التي لا حصر لها، إيذانا بقدوم الليلة المباركة، فلا يخلو شارع من شوارع المحروسة من الشادر الأحمر الضخم الذي يحتضن عشرات، بل مئات أنواع الحلوى والعرائس، وبالطبع الجمال والأحصنة سواء المصنوعة من السكر أم البلاستيك.


وفي إحدى الشوارع المتفرعة من شارع رمسيس بالقاهرة، كان الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف يحمل طابعا خاصا إلى حد كبير، ففي محل يمتلكه مصطفى محمود مصطفى أو "الأسطورة" تجد على أحد الأرفف جملا صغيرا ممهورا بعبارة "بيبو حبيبي".

لدقائق قليلة تقف أمام الجمل، تتساءل من هو بيبو هل هو لاعب النادي الأهلي الشهير "محمود الخطيب"، هل يحب صاحب المعرض النادي الأهلي لدرجة جعلته يصنع لعبة خصيصا لأحد رموزه، فتقف وتسأله "تقصد مين يا عم مصطفى ببيبو"؟ "لتأتيك الإجابة على وجه السرعة، "ده أخويا وحبيبي محمد مصطفى الشهيد اللي مات السنة اللي فاتت في حادثة عربية على كوبري 6 أكتوبر".

التفاصيل يسردها مصطفى دون ملل أو نقصان في جزء منها، "أنا حبيت أخلد ذكراه، أخويا كان اسمه محمد محمود والشهير بـ "بيبو" الناس كلها كانت بتحترمه ولما مات عملت له مصاحف باسمه، قلت أهل المنطقة مش أحسن مني وأنا هستغل الصنعة اللي أنا شاطر فيها وأخلد اسمه بطريقتي الخاصة".

إذا أقبل عليه طفل فقير أو غير قادر على شراء أحد ألعاب المولد، وتحديدا إذا تعلقت عينا الطفل بـ "بيبو" الجمل الذي يجلس فوقه طفل ذو شعر أشقر، يعطيه له بسعر التكلفة دون مكسب: "أنا بطلعه بثمنه فقط بصنعته رحمة ونور مبكسبش فيه، وكل ما حد ييجي يشتريه مني بقوله ده جمل أخويا بيبو، ولو مش قادر تدفع خده رحمة عليه، ويمكن هيكون نقطة في بحر من جمايله عليا، وبتمنى من ربنا إنه يصبرني على فراقه".

ينخرط مصطفى في البكاء، تتلاشى المعلومات الراسخة في ذهنه رويدا، لا يتذكر سوى الأيام التي كان بيبو فيها هناك جواره، في فترة الموسم كما يطلقون عليها، وهي الأيام التي تسبق ذكرى المولد النبوي، الصخب الذي كان يصنعه بيبو فور قدومه للمعرض، ومداعبته لكل من يقف معهم للشراء "أخويا هنا في المنطقة سيرته كانت شبه سيرة عبد الحليم حافظ وأم كلثوم في مصر، الناس كلها كانت بتحبه وبتتكلم عنه وعن لسانه الطيب معاهم، فرحوا لما عرفوا إني هعمل جمل باسمه".

يمسح مصطفى دموعه، منتقلا بالحديث عن تفاصيل الوفاة ولماذا يصمم طوال الوقت أن يطلق على أخيه لفظ "الشهيد"، وكذلك أبناء المنطقة يطلقون عليه "الشهيد بيبو": "السنة الماضية أخويا كنا لسه شاريين له عربية بينقل عليها بضاعة، مكنش كمل خمس أيام شغال عليها، شاء القدر إنه يعمل حادثة بيها ويموت في لحظتها، ويترك 3 أولاد أمانة في عنقي، أنا شغال على الشادر كل موسم مولد النبي، حاولت السنة دي أسعد أولاده وأسعده هو نفسه في قبره بأنه أي طفل ييجي يفرح باللعبة اللي على اسمه ويترحم عليه، ونفسي يكون سامعني، عايز أقول له أنا رايح لك عمرة نصف الشهر الحالي وهعمل العمرة دي ليك، أنا وأمي وارجع بني آدم جديد شبهه ونفسي تكون سيرتي زي سيرته. كنا بنبقى قاعدين في الشارع مع بعض كان ابني وأخويا وصاحبي "كان فاكهة الشارع"، بيلاغي اللي رايح واللي جاي، كنا لما نشتغل نألف أغاني ونغنيها مع بعضنا"، لم يكتف مصطفى بالجمل فقط كطريقة لإحياء ذكرى أخيه، فقد قرر أن يصطحب والدته في عمرة المولد النبوي الشريف، ويهديها لروحه.

الجريدة الرسمية