رئيس التحرير
عصام كامل

رحلة سد النهضة والحقائق الغائبة (3)


اقترحت مصر اقتراحا رفضته إثيوبيا يقضي بأنْ تُقدّم إثيوبيا 40 مليار متر مكعّب سَنويًّا من المِياه إليها على مدى سبع سنوات، وهي الفترة المُقترحة لمِلء خزّان سد النهضة، وبقاء مُستوى المِياه في سد أسوان عند 165 مترًا فوق سطح الأرض.


وقد صرح المتحدث الرسمي باسم وزارة الموارد المائية والري أن مفاوضات سد النهضة قد وصلت إلى طريق مسدود، نتيجة لتشدد الجانب الإثيوبي ورفضه كافة الأطروحات التي تراعى مصالح مصر المائية، وتتجنب إحداث ضرر جسيم لمصر. وأوضح أن إثيوبيا قدمت خلال جولة المفاوضات التي جرت في الخرطوم على مستوى المجموعة العلمية البحثية المستقلة، وكذلك خلال الاجتماع الوزاري الذي تلاها في الفترة من 30 سبتمبر وحتى 5 أكتوبر 2019 مقترحًا جديدًا يعد بمثابة ردة عن كل ما سبق الاتفاق عليه من مبادئ حاكمة لعملية الملء والتشغيل..

حيث خلا من ضمان وجود حد أدنى من التصريف السنوي من سد النهضة، والتعامل مع حالات الجفاف، والجفاف الممتد التي قد تقع في المستقبل. كما رفضت إثيوبيا مناقشة قواعد تشغيل سد النهضة، وأصرت على قصر التفاوض على مرحلة الملء وقواعد التشغيل أثناء مرحلة الملء، بما يخالف المادة الخامسة من نص اتفاق إعلان المبادئ الموقع في 23 مارس 2015، كما يتعارض مع الأعراف المتبعة دوليًا للتعاون في بناء وإدارة السدود على الأنهار المشتركة.

ويظهر الموقف الأثيوبي من مفاوضات سد النهضة تعنتا أوصل المفاوضات إلى مرحلة الجمود التام، خاصة بعد رفض إثيوبيا للمقترح المصري الذي قدم طرحًا متكاملًا لقواعد ملء وتشغيل سد النهضة يتسم بالعدالة والتوازن ويراعي مصالح الدول الثلاث. وهذا الموقف يأتي استمرارًا للعراقيل التي وضعها الجانب الإثيوبي أمام مسارات التفاوض على مدار السنوات الأربع الماضية منذ التوقيع على اتفاق إعلان المبادئ..

حيث سبق وأعاقت إثيوبيا المسار الخاص بإجراء الدراسات ذات الصلة بالآثار البيئية والاقتصادية والاجتماعية لسد النهضة على دولتي المصب، بامتناعها عن تنفيذ نتائج الاجتماع التساعي، وموافاة الاستشاري الدولي بملاحظات الدول الثلاث ذات الصلة بتقريره الاستهلالي، في مخالفة واضحة للمادة الخامسة من اتفاق إعلان المبادئ، والتي تقضى بإجراء تلك الدراسات واستخدام نتائجها للتوصل إلى اتفاق حول قواعد ملء وتشغيل سد النهضة.

وعلى ضوء وصول المفاوضات إلى طريق مسدود، فقد طالبت مصر بتنفيذ المادة العاشرة من اتفاق إعلان المبادئ بمشاركة طرف دولي في مفاوضات سد النهضة للتوسط بين الدول الثلاث، وتقريب وجهات النظر والمساعدة على التوصل لاتفاق عادل ومتوازن، يحفظ حقوق الدول الثلاث دون الافتئات على مصالح أي منها.

وفي لفتة غامضة أصدرت الولايات المتحدة بيانًا أعلنت فيه دعمها للمُفاوضات الثلاثيّة التي كانت تجري للتوصّل إلى اتّفاق يحفَظ حُقوق الجميع لتحقيق الازدهار والتنمية الاقتصاديّة المُستدامة، بالإضافة إلى احترام دول وادي النيل لبَعضهم البعض فيما يَخُص حقّهم في المياه.

ويأتي غموض البيان الأمريكيّ الذي جَرى انتقاء كلماته بعنايةٍ فائقةٍ بحيث يُرضي جميع الأطراف، فلم ينُص مُطلقًا على احترام اتّفاقيّات توزيع المِياه الدوليّة التي تَحصُل مِصر بمُقتضاها على النّصيب الأكبر، وإنّما على "الاحترام المُتبادل لدول وادي النيل لبعضهم البعض فيما يخُص حقّهم في المياه"..

وهي صيغة فضفاضة حمّالة لكُل الأوجه. وفي ظِل وجود تقارب في الموقفين السوداني والإثيوبي، طلبت مصر دخول طرف رابع حيادي لتَسهيل عمليّة التّفاوض، لكن رفضت إثيوبيا في تعنت واضح هذا الطلب.

وظهر موقف مصر الواضح من خلال تصريح للرئيس السيسي أكد فيه أنّه "لن يتم تشغيل سد النهضة بفرض الأمر الواقع ولا بُد من الحِفاظ على حصّة مِصر المائيّة كاملة"، ويعرف المصريون جميعا أن وراء تفاقم الأزمة وظهورها مجددا العدو الأول لمصر وهي إسرائيل التي حرّضت إثيوبيا على بناء هذا السّد، وقدّمت لها القُروض والخبرات الهندسيّة في هذا الصّدد من أجل تهديد أمن مِصر، وتقليص حِصصها المشروعة من المياه..

ولا نستبعد أن تستمر الدولة العِبريّة في دعم الموقف الإثيوبي من خلال حثّ الطّرف الأمريكيّ على تبنّي موقفا لصالح إثيوبيا، خاصّةً أنّ إثيوبيا كافأتها، أيّ إسرائيل، بالاعتراف بها وتوثيق علاقاتها بدول أفريقية أُخرى، واستضافة بنيامين نِتنياهو رئيس وزرائها في أديس أبابا، ومُخاطبة اجتماع لمُنظّمة الوحدة الإفريقيّة. وللحديث بقية إن كان في العمر بقية

الجريدة الرسمية