رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

يحيى حقي يكتب: مأزق الأوبرا الحديثة

فيتو

في جريدة المساء عام 1964 كتب الأديب يحيى حقي مقالا عن حال الأوبرات الحديثة قال فيه:

جمهور الأوبرا ـــ من الخبراء المدققين ــ والهواة من منازلهم وعابرى السبيل طيارى، يذهب إليها لا ليمتع ببراعة التمثيل، بل لعله يتوقع ـــ دون كرب أو استهزاء ــ أن يرى نماذج بديعة لخيابة التمثيل.


هذا هو بنيامينو جيلى ـــ أشهر تينور سمعته وأنا أتتلمذ على الأوبرا تعزه إيطاليا كلها وتحبه من صميم قلبها لأنه إلى جانب موهبته الفذة في الغناء كريم النفس سخي اليد يغدق على قريته وفقرائها من ماله بالقفة والشوال وليس في حياته فضائح، ولكنه على المسرح لا يختلف في بدانته وثقل حركته عن بالة القطن عسير على جسده أن ينفعل وعلى يده المطخطخة أن تنذر أو تهدد أو أن تدل على هيام إذا وضعها على قلبه ومكانها الطبيعى أن يضعها على قلبه بعد تناول طبق هائل من المكرونة.

كان على المسرح كأنه شماعة تعلق عليها الثياب دون أن يلبسها.. إنه غير منتبه لما يدور حوله وبما يشارك هو فيه من أحداث الحب والقطيعة، إنه ينتظر اللحظة التي ينطلق فيها بأغنيته فلا تتطلع الأعين والأسماع إلا إلى صوته لتسمع منه كيف تكون الفرحة والحب واللهفة.

أما براعة التمثيل فهى في الأغلب ملهاة كومبارس الكورال وبخاصة الرجال منهم، فكلما زاد دورهم ضآلة زادت مبالغتهم في الحركة والإشارة، انظر إليهم في الفصل الذي تدعو فيه غادة الكاميليا ـــ لاترافيا من تلحين فيردى زمرة أصدقائها إلى دارها فنرى الكومبارس فرحين بملابسهم الأنيقة وبالتنقل بين الموائد وبالتجمع في حلقات مع زعقة أو زعقتين مع خبطة الطبلة وظنوا أن المسرح ملكهم وأنهم هم الأبطال.

وجمهور الأوبرا لا يذهب إليها لكى يتمتع بمسرحية محبوكة الأطراف.. إنما يذهب جمهور الأوبرا إليها لشيء واحد أن يستمع إلى غناء ليطرب بحلاوة الصوت من مختلف الطبقات.

كان واضحا في العهد الذي كنت أتتلمذ فيه على الأوبرا أن هذا الفن قد دخل في مأزق لندرة العثور على التوليفة الكاملة من حيث التقارب في المستوى الغنائى ومن حيث تملك ولو قسط ضئيل من القدرة على التمثيل.

أصبح واضحا أن أغلب الأوبرات يحملها صوت واحد على كتفيه وبجانبه فراغ من يمين ويسار، ولعل هذا المأزق هو السبب في أن اهتمام الأوبرا بالديكور والإضاءة قد ازداد في العصر الحديث زيادة كبيرة كأنها تريد أن تعوض المشاهد ما يجده من ضعف في مستويات الأصوات.. تريد أن تبهر به عينه لينسى أذنه.
Advertisements
الجريدة الرسمية