رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

"حمو بيكا" والشهر العقاري وأشياء أخرى


شاءت الأقدار أن أذهب لعمل توكيل من مكتب توثيق "زنانيري" والذي اضطررت لزيارته مرتين حتى أظفر بالتوكيل. المرة الأولى كانت الأسبوع الماضي حيث فوجئت بتعطل السيستم عن العمل، فعدت إلى بيتى بعد أن ضاع يومي دون جدوى، وعدت بعد عدة أيام والحمد لله كان السيستم راضي علينا وشغال، وبدأت أول إجراءات عمل التوكيل في العاشرة صباحا، فسلمت للموظف بطاقتي ومعها ورقة مدون فيها الغرض من التوكيل، وسألته عن الإجراء التالي فأخبرني أنه على الانتظار ساعتين على الأقل قبل الأستفسار عن أي إجراء آخر..


ومن حرص الرجل على راحتي نصحني بالذهاب لتناول الإفطار والجلوس على المقهى المقابل لمكتب التوثيق لحين مرور الوقت حتى لا أشعر بالملل، فهو يعلم تماما أن الجمهور الواقف في انتظار قضاء مصالحه حتما سيشعر بالملل والضيق والاستفزاز الذي يصل إلى حد التراشق بالألفاظ مع موظفي المكتب، ويبدو أن الموظفين لديهم من الخبرة والحنكة في تلك الأمور ما يسمح لهم من إيقاف كل مواطن عند حده والتهديد بتعطيل مصالحه إذا لزم الأمر، ودون الخوض في تفاصيل الأحداث الذي أظن أنها الآن تدور في مخيلتكم، فبالتأكيد مررتم أو تعرفون من مر بتلك السخافات التي لا مبرر، لها سوى أنها نوع من أنواع الفساد..

فكيف لي أو لغيري أن نثبت أننا قضينا خمس ساعات أو أكثر ما بين المقهى ومكتب الشهر العقاري للحصول على ورقة لا يستغرق إنجازها أكثر من بضع دقائق..

فليس هناك مادة في القانون تتيح للمتضرر أن يلجأ للقضاء إذا ما تعطلت مصالحه أكثر من الوقت المستحق، فليس لدينا وقت لنضع قانونا يحمي الوقت من عبث مثل هؤلاء الموظفين.

تلك التجربة ليست إلا شاهدا على واقع مرير نعيشه دون أن نكلف أنفسنا عناء تغيره، وحتى عندما يحاول أحدهم الدخول في مواجهة مع أحد الموظفين والاعتراض على تضيع الوقت المبالغ فيه تجد من يتدخل لإيجاد الأعذار والمبررات للموظف، بحجة أنه يعمل تحت ضغط.

ذلك الفساد يتشابه مع فساد الذوق العام، الذي يمسك أحد ألويته في الفترة الحالية حبيب الملايين (حمو بيكا) وحبيب الملاييين هنا ليست للسخرية لا سمح الله.

فالرجل حقق ما يدعيه أنها أغاني مئات الملايين من المشاهدات كما صرح في لقاء تليفزيوني، بعد التهديد العلني للعاملين بنقابة الموسيقيين والذي بثه مباشر على أحد مواقع التواصل الاجتماعي، وكان من المفروض أن نقرأ خبرا عن التحقيق مع "حمو بيكا" لما بدر منه في حق النقابة والعاملين فيها، بدلا من محاولة تهدئة الأمور على طريقة المواطن الذي يبرر للموظف خطأه.

من الذي سمح بظهور "حمو بيكا" ورفاقه على شاشات التليفزيون ومناقشتهم وكأنهم أصحاب رأي، وليسوا مدانين بتهمة إفساد الذوق العام، لكن للأسف أيضا ليست هناك تهمة في القانون بهذا الوصف، البرنامج الذي استضاف "حمو بيكا" أراد القائمون عليه تحقيق نسبة مشاهدة على حساب المحتوى، وهم بذلك لا يختلفون عن "بيكا" نفسه، وإلا فما فائدة الحوار مع شخص يعترف دون خجل أن صوته لا يصلح للغناء، لكنه يطالب بالحصول على عضوية النقابة، بحجة أنه يملك مستمعين بالملايين ويطالب نقيب الموسيقيين أن يتقبل اعتذاره، وعلى حسب تعبيره "يأخذه تحت جناحه"، مناشدا الفنان هانى شاكر إعطاءه (تسريح مزاولة المهنة) هكذا نطقها "بيكا".

وربما كانت هذه هي أقل الأخطاء اللغوية التي نطق بها قبل أن يتحدث متفاخرا عن تحقيق رائعته (شقلطوني في بحر بيرة) تسعون مليون مشاهدة. فهل يليق أن تدخل تلك الثقافة بيوتنا عبر وسائل الإعلام.

لا أجد وصفا لما يحدث في المجتمع أفضل حالا من الحوار المتبادل بين الفنان "جميل راتب" رحمه الله والفنان "يحيى الفخراني" في فيلم "الكيف" حين اتهم (البهظ) الناس بأنهم مغفلين ليرد عليه (الدكتور صلاح): هما مش مغفلين، اللي زيك أفسدوا ذوقهم، عودتوهم على الوحش لغاية ما نسيوا الحلو.

وحتى نستفيق من غفلتنا سنظل نتلقى أخبارا عن مقتل شباب مثل "محمود البنا" شهيد الشهامة، ودفع مواطن للقفز من القطار لأنه لا يملك ثمن التذكرة على مرأى ومسمع من الناس الذين لم يتدخلوا.
ahmed.mkan@yahoo.com

Advertisements
الجريدة الرسمية