رئيس التحرير
عصام كامل

خيري شلبي يكتب: حقا هو والد الشعراء

فيتو

في مؤلفه (صحبة العشاق رواد الكلمة والنغم) كتب الأديب خيرى شلبى فصلا عن الشاعر فؤاد حداد قال فيه:
إذا كان بيرم التونسى من أصول تونسية بعيدة، وفؤاد حداد من أصول شامية بعيدة.. فإن كلاهما تجسيد وتشخيص لسر مصر الحضارى العظيم للحلم المصرى الشاهق بالأرض التي تتكلم بالعربى بقول "إن الفجر لمن صلاه".
 

أول كلامى سلام، وتزققينى الكلام أيام في حضنك أنام، القلب الأبيض هنا، مصر يا أمنا، وأطلع في نور الأذان، إذا دعا الوالدان، المدرسة والميدان، والإنسانية هنا، يا مصر يا أمنا.

قام فؤاد حداد بتمصير الشعر، نعم هذه هي الحقيقة بعد أن ساد مفهوم في الأذهان أن الشعر لا بد أن يكون باللغة العربية الفصحى.. مما ظلم فن الشعر ظلما فادحا.

لقد وقعت أجيال طويلة من المحدثين في أسر البضاعة القديمة، ولم يكن الشعر في مصر أحسن حالا منه في بقية الأقطار العربية لأن الجميع أسرى نظام واحد وتقنيات عتيقة شائخة لم تعد قادرة على تلبية احتياجات العصور الحديثة واتساع رقعة الحياة وتجددها. 

ومنذ عصر سامى البارودى وشوقى وحافظ شهد الشعر فى مصر والعالم العربى محاولات عديدة للخروج من سجن التقنيات العتيقة والرغبة في خلق شعر جديد ونجحت محاولات وصلت ذروتها عند صلاح عبد الصبور وعبد الرحمن الشرقاوى وجيلهم. 

وبدأت ملامح التجربة المصرية في السطوع عند بيرم التونسى فعندما تقرأ شعره فأنت تدرك أنك تقرأ شعرا مصريا خالصا لغة أشد ثراء من الفصحى فكتب بلغة الشارع ولغة الحياة.

وجاء شعر فؤاد حداد فقدم فن الانتقاد الاجتماعى الصارخ فن السخرية وفن الهدف المباشر، وتجمع في شعر فؤاد حداد مواهب كل شعراء العربية قدامى ومحدثون، كما استفادت مواهبه من المفهوم الحضارى الحديث المتطور لفن الشعر.

هو عاشق لمصر، عشقها من خلال ناسها البسطاء بيض النفوس والقلوب، ساح في بحر الحب المصرى، عشق حوارى القاهرة ومآذنها وكنائسها ومشربياتها، واستطاع أن يجعل من المفردات العامية الشعبية ضفافا للشعر في أعالى بحاره، ونجح في ذلك لأن وراءه تراثا كبيرا من حضارة شعبية عريقة عميقة استوعبتها اللغة العامية المصرية.

عند فؤاد حداد تنسى تماما أنك تقرأ بالعامية المصرية بل تنسى أنك تقرأ أصلا، وسوف يتضح لك أن اللغة المصرية في الشعر العامى ليست ضد الفصحى العربية أو نقيضا لها.

مهمة جليلة قام بها فؤاد حداد في بساطة دون طنطنة أزال حاجز الغربة بين المتلقى والثقافة المعاصرة، لم يستخدم الشعارات البراقة الجوفاء التي يرددها مدعو الثورات إنما هو بكل بساطة يرينا أن اليقظة الحقيقية للشعوب يتمثل في انتباه الناس إلى الصلات الحقيقية التي تربط بينهم تحت سماء واحدة فوق أرض واحدة بدين واحد وثقافة واحدة.

إن صوت البعث المسمى بالمسحراتى الذي قدمه والد الشعراء فؤاد حداد يوقظ في الناس إحساسهم ويدعوهم إلى التآخي لملاقاة الفجر الصاعد فجر مكلل بالنور الروحانى الإنسانى تستقبله بنفس خالصة لله (الرجل تدب مطرح ما تحب). 

إن ديوان المسحراتى وحده هو كتاب الوجدان المصرى الذي لا بد أن ننصفه بتقريره على جميع المدارس ليتعلم الأبناء حب الوطن وكيف يصبحوا رجال حقيقيين.

وتجمع الصورة بين الأديب خيرى شلبى والشاعر فؤاد حداد.
الجريدة الرسمية