رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

النهضة.. تجربة الإنسان في عمان


سنوات طويلة مضت منذ زيارتى الأولى لسلطنة عمان، وفي كل مرة أتلمس مساحات من التغيير في كافة مناحي الحياة، تجربة النهضة العمانية واحدة من التجارب التي وضعت أسسها كاملة حول بناء الإنسان، العاصمة مسقط واحدة من المدن الأليفة بمبانيها العربية، ورصيفها المتمدد زهورا ووردا ورياحين، كل شيء يتغير إلا ملامح الهوية العربية الإسلامية التي تراها في رجال دين منفتحين وهوية عربية أصيلة وجسور من العلاقات الممتدة، استجابة لموقع جغرافى يفرض جغرافيته السياسية بامتياز.


أعرف مصريين كثرا عاشوا مع أولى لبنات النهضة العمانية، مدرسين وأطباء وصحفيين وعمال تستطيع أن ترى في سطور حكاياتهم المعنى الحقيقي لنهوض بلد محدود الإمكانيات، راهن على الإنسان، والإدارة الرشيدة للموارد، فخلق واحة للأمان، تعد الأولى عالميا في الخلو من الإرهاب، والأكثر تسامحا مع الأديان والمذاهب..

بلد ابتنى نفسه بنفسه، وبدأ أولى تجارب الإحلال بامتياز، فأصبح هناك الطبيب الماهر، والمهندس المتميز، والمدرس العالم، والعامل المجتهد، والسائق، وموظفى الفنادق المهرة، كل ذلك جرى باتساق مع الذات ودون ضجيج.

مازلت أتذكر أولى تجارب الشورى العمانية، وكيف جرت وقائعها لتتطور فترة بعد فترة، وها أنا اليوم أشاهد تقدما ملموسا في التصويت في انتخابات الشورى للفترة التاسعة، تصويتا عن بعد، ومشاركة أكثر جرأة من المرأة، وحرصا شبابيا على التفاعل، ناخبين ومنتخبين، واحتفالية ساخنة بلا صراع رخيص، أو صوت عال، أو خروقات تؤثر على أصوات الناخبين..كل شيء يجرى وفق القانون، والالتزام الإنسانى لأبناء تجربة النهضة.

سلطنة عمان بلد حكيم، واجه الصعاب بالعمل، وأعلن منذ بداية تجربته أنه يصادق الحق ويخاصم الباطل، فعندما حاصرت دول عربية كبيرة مصر، كانت سلطنة عمان هي الدولة العربية الوحيدة التي لم تغادر سفارتها القاهرة، وقالت كلمتها في وقت كان المخالف للقرار العربى يوصف بما لا يليق، وعندما عاد العرب عادوا من بوابة عمان، عندما خرج العرب من العراق خلال الغزو الأمريكي لبغداد لم تغادر سلطنة عمان، وبقيت إلى جوار الشعب العراقى..

شن البعض حروبا كلامية، وأبعد من ذلك ضد السلطنة، غير أن البلد الحكيم كظم غيظه، ومارس دوره وما نادت به السلطنة من حوار عربى إيرانى تجرى الآن خطواته على نحو ما كان ممكنا قبل ذلك بسنوات وبدون كلفة، ونعتقد أن كل ما كان من مواقف أثبت الدهر نجاحها وحكمتها إنما جاء لأن العمانيين آمنوا بدورهم، وبما يجب عليهم، وما يفرضه عليهم موقعهم عربيا وإسلاميا وآسيويا، وهو دور قديم قدم الحضارة العمانية الممتدة في عمق التاريخ، لأن الدول الحضارية تمتلك مقومات واضحة المعالم لا تؤثر فيها طفرات التمدد الكاذب.
Advertisements
الجريدة الرسمية