رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

"خير أنيس"..عم سمير يقضي 50 عاما في صحبة الحمام (فيديو وصور)

فيتو

لو ملكش صاحب الحمام صاحبك.. لو ملكش حد قريب تشكي له همومك الحمام خير من يسمع ليك".. كلمات بسيطة، عفوية وبعيدة كل البعد عن المصطلحات المعلبة الجاهزة، لكنها في نفس وعقل الستيني "سمير السداوي" صانع الحُلي في منطقة الغورية، كانت فلسفة ومعتقدا يضرب بجذوره لأكثر من خمسين عاما، فإن كان كل منا منذ اللحظات التي يعي بها الحياة حوله، يبحث عن أنيس وخليل له، فقد وجد العم سمير في بضع حمامات تسكن الحجرة المجاورة لحجرة عمله، خير أنيس وصاحب وفي يؤتمن فلا يخشى تقلباته وغدراته.



في الجهة المقابلة لمنطقة الغورية بحي الحسين في القاهرة، وتحديدا في مدخل شارع المعز لدين الله الفاطمي، بيت قديم يعود ربما لمئات السنوات، تحيط بها محال الملابس والمفروشات وغير ذلك، وبينما لا ينقطع الضجيج ولا تتوقف أصوات الباعة عن مناداة المارة والزبائن، اتخذ سمير ورشته وملجأ له للتنفيس عن ضغوط الحياة، بالقرب من آل بيت النبي، وهناك أيضا جمع أحبته وخير من صادقهم من المخلوقات ليكونوا إلى جواره طوال المدة التي يعمل بها على صناعة هذا الخاتم أو تلك السلسلة، "أنا من صغري كبرت هنا في شقة جدتي لوالدتي كنت بشوفها وهي بتربي الحمام، وهي بتأكله بفمها، وهي بتخيط حوصلة حمامة مريضة بالخيط والإبرة، شفت قد إيه روحهم كانت متعلقة بها، لقيت نفسي بمشي على نهجها وبربي حمام أنا أيضا لكن هو أصبح بالنسبة لي صديقا أيضا لو عندي مشكلة بيحس بيا ويجري عليا يقف على كتفي، ويلعب في خدي وأذني بفمه عشان أروق وأفك لو مكشر".



"يا ولد.. يا بنت تعالوا"، بهذه الصيغة ينادي عم سمير على صحبته من الحمام التي تتنوع ألوانه ما بين الأسود والأبيض والرمادي وآخر متعدد الألوان، لا يطلق على كل واحد منهم اسما لكنهم يعرفون في كل مرة ينادي بها، على من بالتحديد يطلق صفارته ونداءاته، حمامة بيضاء ذات بقع بنية، عادة ما تكون أول ما يلبي نداءه لذلك كافأها بأن أعطى لها اسما وهو "مشمش"؛ ما إن يستمع مشمش لحركة قدمي العم سمير خلف الباب الخشبي الأبيض، تسارع لتقف بالقرب من الباب، ينخفض لأسفل بجسده، لتقف هي مسرعة على كتفه، بينما يفرغ هو محتويات الكيس الذي يحمله في الأواني الفخارية الصغيرة، "أول حاجة بعملها أول ما باجي هنا من البيت اللي ساكن فيه مع أولادي، بدخل حجرتهم، أفضي الطعام والمياه في الأواني، الحمام ميقدرش يعيش يوم واحد من غير مياه إطلاقا، قبل ما أبدأ شغل لازم أجي هنا ألعب معاهم وآكلهم، بعضهم بيحب إني أملأ فمي بالطعام وأكله".



بين أربع إلى ست ساعات يقضيها عم سمير، أمام ما يطلق عليها "التازجة" وهي عبارة عن صندوق خشبي مفتوح الجانبين مضاء من أعلى بمصابيح كهربائية، يجلس هو أمامها ممسكا بالمنشار وقطعة الحلي التي يريد صناعتها، "أنا في المهنة دي بقالي أكثر من 50 سنة، ورثتها عن والدي هو كان صانع حلي بالنحاس، فضلت فيها لحد ما أصبحت في الثلاثينات من العمر وتعلمت صناعة الصاغة على يد أحد كبار المهنة، بقت الناس بتطلبني أعمل مصوغات بكافة أشكالها خاصة الفرعوني والكتابة العربية الفصحى، كان الشغل مبيخلصش، "اذكر إني سنة 1979 عملت "صمدية" من الذهب للفنانة الراحلة مريم فخر الدين. كان ممكن أقعد في ورشتي أسبوعا كاملا مخرجش منها، لكن الآن لو الواحد مننا قعد 4 ساعات شغال هو كدة أنجز".



يتحدث عم سمير وهو منهمك في نحت اسم سيدة تدعى "همس" على لوح نحاسي استعدادا لصناعة خاتم مخصص لها، في حين يحط "مشمش" من حين لآخر على التازجة الخشبية، أو يحلق حوله، يقف في منتصف رأسه، فيقرب العم سمير فمه منه يرسل له قبلة في الهواء، "هو وزوجته بيحبوا يقعدوا جنبي وأنا شغال، بيزعل لو لاغيتها أو كلمتها وهو لأ".



ثمة لغة تواصل نشأت بين عم سمير وحماماته، فنحو خمس ساعات يوميا، وربما أكثر، مدة كافية لتتولد بينهم الألفة التي تجعله يدرك ما تريده الحمامة بالضبط، ويسارع في تلبيته، "الحمام زي أي طائر محتاج يحس بالحنية والألفة، بعرف امتى عايز يأكل وامتى ينام، وامتى عايز يستحمى"، يذكر سمير أيضا أنه ذات ليلة شتوية قارصة البرودة، أخذ أحد الحمامات ووضعها بجواره على الوسادة، فمنذ أن أشرقت الشمس، أيقظته ومن إيماءة واحدة منها علم أنها تريد الخروج لإخوتها، "، زي ما هما حاسين بيا في فرحي وحزني أنا أيضا بحس بيهم".




Advertisements
الجريدة الرسمية