رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

هوس تأنيث البلد


لا شك أن أزمة تأنيث مصر ترجع إلى ضلال فكرة المؤنث وغوايتها المتماهية في ضحالة عقدة ضمير المذكر وجمعه غير السالم في الحالة المصرية، ومن هنا جاءت عملية جرها وكسرها ونكستها، وإبقائها دائما في حالة المفعول الذي لا حول له ولا قوة، واستسلامه لممارسات الفاعل المجنون والفعل الأحمق!


هوس التأنيث وإلحاقه بكل نقيصة، هو عورة حقيقية في تراثنا الفقهي، والنقص الأكبر أن الثقافة اللغوية تُعلي من شأن المذكر الفاعل الذي يدور حوله أفق كل علة ليبقى هو الفاعل الزعيم سيد الجملة الذي لولاه ما جاءت الجملة ولا بنيت معناها ولفظها.

تم حشر مصر البلد داخل قولبة قواعد السردية المؤنثة التي تؤسس لمفهوم الأنثى المستكينة الضعيفة المهزومة أو الأنثى اللعوبة الغنوجة ذات الدلال السافر. كانت حيلة شعرية أو روائية جُبن أمامها صاحبها الذي عجز ونافق لسانه عن وصف العلة في الضمير الذكري وإلقاء مسئولية العوج والعار والتخلف والهزيمة على فعلته الذكورية في حق البلد.

ومن خنوع المبدع والمثقف أمام سلطة الفاعل المذكر جاءت الحيلة البكائية التي يلوكها السياسي في وصفها بالأنثى التي تعرت والتي اُغتصبت باعتبار أن مصر الأخت الكبيرة أو الأم المكلومة وفي أغلب المساخر زوجة الأب القاسية، و... إلى آخر قائمة المفردات النسوية التي لو قيلت في الأم لتبرأ منها الأبناء بحق!

ومن خلال هذا التوصيف المهادن التقليدي الذي استرخصه جملة من أشباه المبدعين وأعادوا صياغته في أساليب ركيكة مفضوحة تعكس نقصا شهوانيا يعوضونه في حب الأنثى "مصر"، وفي كل مناسبة تدليس عامة يحلو الترنم بتكرار اللفظ الأنثوي المعلب دون تأويل المعنى والتجديد في المتخيل الإبداعي لإضافة البصمة الخاصة للمبدع، ثم تبعهم رجال السياسة ورجال الدولة في التوصيف نفسه، مما جعل الزمن والمكان يتمرقع في وصف مصر.

ما سبق كان له ظرفه التاريخي التعيس ومناخه العام المنافق في ترقيع صورة الذكر الذي وجب عليه حماية شرف الأنثى مصر التي يجب ستر سمعتها (!)، ولم يتجرأ أحد أن يصف أو يلمح إلى أن السقوط والهزائم والعار الذي وضع البلد برمتها في بوتقة الرجعية والتخلف كان قرار القيادة السياسية!

مصر ليست رجلا ولا امرأة، مصر كيان وملامح وحدود. مصر وطن ودولة، وبلد أكبر مما يتخيل عقل الفاعل الممحون الذي لا يرى إلا نفسه في استخدام مفردات الترقيع لأنثاه العارية المغتصبة. ما عاد يتحمل الواقع ولا عقلية شباب مصر تلك الاستعمالات من سلوكيات التركيع والتدجين، وكأن مصر أرملة أو مطلقة أو شابة طائشة هوجاء تجلب العار لشرف ذكرها. إذن هذه اللعبة الأنثوية في توصيف البلد يجب أن تنتهي من أبجديتنا الراهنة.

إن دعوات إنقاذ مصر وضرورة يقظة فحلها الذكري للدفاع عن سمعتها ورد شرفها، ما عادت تجدي مع شباب الحاضر، ومن لا يلحظ أن قائمة المفردات التي تغيرت بفعله قسوة الزمن وعشوائية المكان فهو أعمى، وبالتالي ستكون الهزيمة هذه المرة أفدح مما قبل.

تخبرنا آلاف السنين والتاريخ والجغرافيا والزمن والمكان أن مصر تحديدا لا تخضع إلى عوامل التأنيث أو الذكورة. البلد وطن مجرد. خارج عن حدود التصنيف الجنسي والبلاغي الرخيص والسياسي المنافق.
فلا تستهينوا بمكر (ن ۚ وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ)..

Advertisements
الجريدة الرسمية