رئيس التحرير
عصام كامل

محمد فودة يكتب: تذوق العذاب!

محمد فودة
محمد فودة

استوقفني قول الحق سبحانه وتعالى "لَّقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ" آل عمران/ ١٨١


وتوقفت أكثر عند كلمة (ذوقوا) ذلك أن التذوق يكون للشيء الموجود في الفم عن طريق اللسان.. فكيف يكون تذوق العذاب؟

فالذوق كما يعرف في معجم المعاني الجامع هو الحاسَّة التي تُميّز بها الذَّوْقُ خواص الأجسام الطَّعْمِيَّة بواسطة الجهاز الحِسِّي والفم، ومركزه اللسان، ولكن يكثر استعمالة في القرآن الكريم للعذاب قال تعالى (ليذقوا العذاب) سورة النساء /٦٥.. (فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون) الأنفال/ ٣٥ (إنكم لذائقوا العذاب الأليم) الصافات /٣٨

كما ورد الاستعمال مع الرحمة (ولئن أذقنا الإنسان منا رحمة) هود/ ٩

فما السر في كثرة استعمالها للعذاب يا ترى؟

يكشف الدكتور حسام النعيمي، رئيس قسم اللغة العربية بجامعة الشارقة في مقال بعنوان "عرض وقفة أسرار بلاغية" عن السبب في استخدام لفظ (ذائقة) في سورة آل عمران (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ.. ال عمران/ 185 وفي قوله تعالى (وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ ) آل عمران/ ١٨١

ويضيف: يوجد في العربية ما يسمى بالاستعارة، يقولون الاستعارة هي تشبيه حُذِف أحد طرفيه فإذا صُرِّح بالمشبّه به تسمى تصريحية وإذا لم يُصرّح به تسمى مكنية، هنا (كل نفس ذائقة الموت) الذوق للسان معنى ذلك أنّه شبّه الموت بشيء يُذاق ثم حذف المشبه به فهي مكنية.

أما عن الفائدة من ذلك الاستخدام فيضيف: هنا عندما يقول (ذائقة الموت) (ذوقوا عذاب الحريق) إشارة إلى شدة الإلتصاق والاتصال بحيث كأن الموت يتحول إلى شيء يكون في الفم بأقرب شيء من الإنسان بحيث يذوقه ويتحسسه يعني الموت ليس خيالًا وإنما يُذاق والعذاب ليس خيالًا وإنما هو سيُذاق ذوقًا.

وكما أن الشيء يوضع على اللسان فيحسه هكذا سيكون قُرب الموت من الإنسان والتصاقه به وهكذا سيكون العذاب من القرب والإلتصاق بهذا المعذّب لأنه سيكون في فمه فهذا هو الغاية من هذه الإستعارة.

وفي كتاب "بلاغة الحذف التركيبي في القرآن الكريم" للدكتور عدنان الأسعد أستاذ البلاغة جامعة الموصل يقول: إن قوله (ذوقوا العذاب) هو أمر إهانة، ولا يخفى ما لجمالية الاستعارة التهكمية ذلك أن أصل الذوق يكون باللسان، فجاء الأمر بذوق العذاب وهم لا يطيقونه على وجه الإهانة والتهكم، ففي (ذوقوا) استعارة تخييلية.. وفي (العذاب) استعارة مكنية، من حيث أنه شبه العذاب بشيء يدرك بحاسة الأكل والذوق تصورا بصورة ما يذاق، وأثبت له الذوق تخييلًا.. !
Advertisements
الجريدة الرسمية