رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

الدبلوماسية المصرية تحسم ملف «السد الإثيوبي».. القاهرة تلتزم بـ«هدوء الكبار».. وأديس أبابا تواجه رفضا عربيا ودوليا لـ«المشروع الأزمة».. مصر أظهرت مرونة كبيرة خلال التفاوض

سد النهضة - أرشيفية
سد النهضة - أرشيفية

>> إثيوبيا احترفت عرقلة التفاهمات وكسب الوقت لإنجاز السد
>> السفيرة منى عمر: حدوث مواجهة عسكرية بين مصر وإثيوبيا «غير وارد» والتحكيم الدولى مستبعد

>> السفير حسين هريدى: مصير إعلان المبادئ غير معلوم بعد التحرك المصرى الأخير

«النفس الطويل».. إستراتيجية التزمت بها مصر طوال سنوات ثمان، هي عمر المفاوضات (المصرية – الإثيوبية) فيما يتعلق بـ«سد النهضة»، فتارة تميل القاهرة إلى الجلسات والمفاوضات الودية، وتارة أخرى تجنح إلى اللقاءات العامة واللجان الفنية، متمسكة بـ«حق الجار»، غير أن الطرف الآخر، الجانب الإثيوبي، ظل طوال السنوات الماضية هذه يلعب على سيناريو «حرق الوقت»، فكلما تقدمت القاهرة بمقترح معقول للتفاهم حول المشكلات العالقة بـ«السد»، والتأكيد على أنها لا تمانع في التنمية التي تسعى أديس أبابا لتحقيقها، يصدر عن الأخيرة تصرف أحمق، تتجاوزه القاهرة بـ«حكمة الكبار».

التسويف «الإثيوبي» الذي تجاوز الحدود في أوقات عدة، لم تتعامل معه القاهرة بـ«غضب متوقع»، بل على العكس، طرحت المبادرة تلو المبادرة، والتزمت بسياسة «الهدوء الدبلوماسي»، غير أن التمادى الإثيوبي، دفع القاهرة مؤخرًا لإطلاق ما يمكن وصفه بـ«القذيفة الدبلوماسية» التي لم تخطئ هدفها، وذلك خلال اجتماع وزار الخارجية العرب، في دورته العادية التي تحمل رقم 152، عندما أثار وزير الخارجية، سامح شكرى، ولأول مرة، آخر التطورات في ملف السد الإثيوبي، وهو ما اعتبره المهتمون بالشأن العربي والأفريقى، تأكيد مصرى جديد على الموقف الثابت في الإلتزام بإعلان المبادئ الذي تم التوقيع عليه في الخرطوم في مارس 2015، فضلًا عن تأكيد القاهرة أنها لا تزال تمسك بين يديها بالعديد من الأوراق التي يمكن أن تستخدمها، لكنها تفضل استمرار المفاوضات الثلاثية المباشرة بين (مصر والسودان وإثيوبيا).

ردود الأفعال التي أعقبت «حديث شكرى» سرعان ما ظهرت للعلن، وفي خطوات حازمة وثابتة، حيث دعا – بعد 48 ساعة من التصريح المصرى- دعا السفير حمدي سند لوزا، نائب وزير الخارجية للشئون الأفريقية، سفراء الدول الأوروبية المعتمدين لدى القاهرة، لاطلاعهم على آخر مستجدات المفاوضات الخاصة بسد النهضة الإثيوبي، وبحسب بيان صادر عن الخارجية، أعرب مساعد الوزير للشئون الأفريقية، عن عدم ارتياح مصر لطول أمد المفاوضات، موضحًا أن «القاهرة قدمت للجانب الأثيوبي طرحًا عادلًا لقواعد ملء وتشغيل السد يحقق أهداف إثيوبيا في توليد الكهرباء من سد النهضة ويحفظ في نفس الوقت مصالح مصر المائية».

وتعقيبًا على الخطوة الأخيرة التي اتخذتها القاهرة، قالت السفيرة منى عمر، مساعد وزير الخارجية الأسبق للشئون الأفريقية: من الواضح أنه هناك خطة تحرك مصرية مدروسة خلال الفترة الحالية بشأن ملف المياه وسد النهضة، من خلال محاولة كسب تأييد المواقف العربية والأفريقية والدولية للرؤية المصرية.

كما أن التحرك المصرى يهدف أيضا إلى محاولة حلحلة الموقف وعدم استغلال الوضع الموجود في السودان وتوقف المزيد من المماطلة، لا سيما وأن مصر تقدمت ببدائل كثيرة الآن لم يتم تبنى أي منها من الجانب الإثيوبى، ومصر عرضت العديد من البدائل لتوليد الطاقة وأسلوب تخزين المياه، غير أن الجانب الإثيوبى لم يتخذ أي خطوة في هذا الموضوع، ويوجد تعثر في المفاوضات، ولا يصح أن ننتظر خمس سنوات أخرى في إجراء مفاوضات لكى نصل لاتفاق في الوقت الذي تستمر فيه إثيوبيا في بناء السد».

«لن تكون هناك مواجهة عسكرية».. رأى قاطع قدمته السفيرة «منى» فيما يتعلق بما تردد حول إمكانية حدوث مواجهة عسكرية بين القاهرة وأديس أبابا، مضيفة: هناك قرارات كثيرة يمكن اتخاذها مثلما تحركت مصر خلال الفترة الماضية واستطاعت وقف تمويل بناء السد، لكن الآن هناك وثيقة تم توقيعها من قبل الرؤساء الثلاثة (مصر، إثيوبيا، السودان) وملزمة للدول الثلاثة وبمقتضى هذه الوثيقة يوجد قدر من التعاون المطلوب لتحقيق مصالح الشعوب الثلاثة».

بدوره.. السفير حسين هريدى، مساعد وزير الخارجية الأسبق، اعتبر تصريح أحمد أبو الغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية، في المؤتمر الصحفى الختامى لاجتماع وزراء الخارجية العرب في دورته الـ152 بأن «الأمن المائى المصرى جزء من الأمن القومى العربى» يدل على تأييد عربى واضح للموقف المصرى بشأن مشكلة المياه، وأضاف: التحرك المصرى خلال اجتماع الوزارى العربى الأخير واستضافة السفراء الأوروبيين والأفارقة في مصر بمقر وزارة الخارجية لاطلاعهم على الموقف الأثيوبى المماطل، بحسب تصريح وزارة الخارجية، مفاجأة ويمثل تصعيد من جانب مصر.

«هريدى» أشار أيضا إلى أن «مصر أعلنت مرارا وتكرارا التزامها بإعلان الخرطوم في مارس 2015، والموضوع الآن من الصعب التكهن بما سوف تؤول إليه الأمور مع إثيوبيا والسودان، مع الأخذ في الاعتبار أن مصر كانت حريصة أن يتم التعامل ملف المياه وفقًا لإعلان المبادئ، كما أنه هناك العديد من الأسئلة المطروحة خلال هذه الفترة تدفع مصر إلى التريث خلال الفترة المقبلة حتى يتم الإجابة عليها، والتي تتعلق بإعلان المبادئ.. هل سقط بعد التحرك المصرى؟ وهل الحكومة السودانية الحالية لا تعترف به؟ وكل ذلك سوف يتضح خلال الفترة المقبلة.

من جهته أكد السفير جمال بيومى، مساعد وزير الخارجية للشئون الخارجية الأسبق، أن «التحرك المصرى الأخير بشأن ملف المياه وسد النهضة على المستوي العربى والأفريقي والدولي يدل على حجم القلق الذي تشعر به القاهرة، كما أن ما تمارسه إثيوبيا ضد مصر أبعد بكثير من كونه ملف مياه، ولكن إثيوبيا تتعامل مع مصر من منطلق شعورها بالتعالى المصرى عليها، حتى أصبحت أي موافقة مصرية في هذا الملف يتم قبولها برفض إثيوبى».

وفي نفس السياق قال الدكتور عباس شراقي، أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بكلية الدراسات الأفريقية - جامعة القاهرة، إن «مصر التزمت بمسار التفاوض السلمي، وسلكت الطريق الدبلوماسي طوال 8 سنوات من المفاوضات مع إثيوبيا، في حين لم تلتزم الأخيرة بنصوص القانون الدولي ومبادئ الأمم المتحدة التي تفرض على الدول التي تشترك في الأنهار العابرة للحدود الوصول لحلول توافقية، من خلال التفاوض في حال وجود أي مسألة تتعلق بحقوق دول حوض النهر، بشرط ألا يتم البدء في تشييد السدود والمشروعات المائية قبل الوصول لحل توافقي، وهو ما خالفته إثيوبيا.

واستمرت في بناء السد بسرعة فائقة لدرجة دخولها موسوعة جينيس في صب أكبر كمية خرسانة خلال 24 ساعة، قبل أن تنخفض سرعة بناء السد في العامين الأخيرين، على خلفية المشكلات التي واجهت الشركة الإثيوبية التي تعهدت بتركيب توربينات توليد الكهرباء وفشلت في ذلك، وهو ما تسبب في مطالبة الشركة الإيطالية المسئولة عن تشييد الهيكل الخرساني للسد بتعويضات لتأخر أعمالها بسبب تعطل تركيب التوربينات».

وأوضح «د. شراقي» أن «مصر طلبت في بداية التفاوض مناقشة مواصفات السد من حيث الارتفاع وسعة الخزان وعوامل الأمان، وهو ما رفضته إثيوبيا، وأدى في النهاية إلى تعليق المفاوضات من جانب مصر في يناير 2014، بعد رفض الجانب الإثيوبي تشكيل لجنة دولية بها أطراف محايدة لمتابعة توصيات اللجنة الدولية الفنية الأولى التي أنهت أعمالها في 31 مايو 2013 ووضعت ملاحظات سلبية هامة حول سد النهضة في تقريرها الذي انتهت منه خلال عام كامل، بسبب عدم تعاون إثيوبيا في مد اللجنة بالمعلومات الكاملة عن السد، قبل أن تكثف من المعلومات التي منحتها للجنة في الأسبوع الأخير من عملها، وأن 75% من توصيات التقرير تحدثت عن أمان السد والنواحي الهندسية ورفضت إثيوبيا مناقشة الأمر باعتباره شأن داخلي يخصها، وطلبت اختصار التوصيات والدراسات عن الجوانب الاقتصادية والبيئية والاجتماعية فقط».

ولفت «د. شراقى» النظر إلى أن «إثيوبيا رفضت مرة ثانية تشكيل لجنة دولية لمتابعة تنفيذ التوصيات بعد استئناف المفاوضات، وأظهرت مرونة كبيرة وقبلت بتشكيل لجنة وطنية بدون أعضاء من دول محايدة لمتابعة تلك التوصيات، بدلا من لجنة دولية لو كانت تشكلت كانت بالتأكيد ستوصي بخفض ارتفاع السد وسعته التخزينية، لأن إثيوبيا لم تجر الدراسات اللازمة حول السد هندسيا والمشكلات التي يمكن أن يتسبب فيها بتصميمه الحالي، والإثيوبيين طلبوا أن تنحصر الدراسات إلى جزئين في مجال الهيدرولجي ودراسة أخرى اجتماعية بيئية اقتصادية.

ووافقت مصر على أن تكون تلك هي الدراسات التي يختص بها المكتب الفرنسي الذي تم اختياره خلال التفاوض، وبناء على رغبة إثيوبية أقرتها مصر، ولكن حتى بعد اختيار المكتب وعرضه لتقرير استهلالي عن خطة عمل الدراسات في نوفمبر 2017 رفضت كل من إثيوبيا والسودان التقرير، وبالتالي تم تعليق المفاوضات مرة أخرى بسبب التعنت الإثيوبي الذي يهدف إلى كسب الوقت، حتى أنه بعد عودة الاجتماعات الثلاثية مرة أخرى في الخرطوم في أبريل 2018.

أعلنت إثيوبيا خلال سير المفاوضات تغيير مجرى النهر كأحد المراحل المهمة في بناء السد، في دليل واضح على سوء النوايا الإثيوبية، التي تتأكد عندما نعرف أن التشغيل التجريبي للمرحلة الأولى من سد النهضة من المتوقع أن يكون في صيف 2020 حسبما أعلنت أديس أبابا، بينما من المقرر أن ينتهي المكتب الفرنسي من الدراسات المكلف بها خلال عام من وقت التوافق بين مصر وإثيوبيا والسودان حول التقرير الاستهلالي للمكتب، وهو ما تدور حوله المفاوضات إلى الآن، أي إنه من المرجح أن يبدأ تشغيل المرحلة الأولى قبل انتهاء المكتب الفرنسي من دراساته.

"نقلا عن العدد الورقي...."
Advertisements
الجريدة الرسمية