رئيس التحرير
عصام كامل

د. هاني أبو العلا يكتب: مصرنا الجديدة بلا ملائكة ولا رحمة!!

د. هاني أبو العلا
د. هاني أبو العلا

شب عودنا، ويرمينا الشغف لسر تسمية الأطباء بملائكة الرحمة، وقد علمنا أهلونا أن الأطباء هم الأحق بهذه التسمية، فهي المهنة السامية، التي ما إن تخرج في إحدى كلياتها طبيب وحلف يمين أبقراط إلا وقد حمل على عاتقه مسئولية جسيمة ورسالة لا ينتظر مقابلها شكر ولا يعدلها أجر.


تربينا على تلك القصص البطولية لأطباء يُشار إليهم بالبنان، بذلوا الوقت والغالي والنفيس، ولم يدخروا جهدًا في خدمة تلك المهنة الملائكية، فهم لا ينامون كما ينام البشر، تحسبًا لحالة طارئة يخرج من أجلها الطبيب في أي وقت محتسبًا الأجر عند ربه، الذي يبارك في دينه ودنياه، فالطب ليست مهنة تجارية، هكذا علمنا.

واليوم، ومع الجهد الجهيد من القيادات العليا للنهوض بمصرنا، ومع وجود نماذج عظام كالدكتور غنيم والدكتور مجدي يعقوب وعددًا قليل ممن يُشار إليهم بالبنان. وفي حين إننا نستبشر بمصرنا الجديدة، تطالعنا صورًا سوداوية، للأسف أبطالها هم من كنا نعدهم ملائكةً للرحمة، وللأسف هم العدد الأكبر.

فقد دعت الظروف أن اقترب من المشهد وأعايشه، حينما سقط عم إبراهيم "جار" مغشيًا عليه، وحملوه متوجهين لأقرب مستشفى مركزي، مرورًا بالمستشفى القروي، التي إن صح التعبير فنادها بالـ "خرابة". 

وفي المستشفى المركزي قابلهم طاقم التمريض، ومسئولو الأمن، وعمال المستشفى، وهم من استحقوا الوصف بملائكة الرحمة. وأين الأطباء إذن؟!
للأسف ليس هناك طبيب.. الحالة حرجة، وتحتاج لأشعة مقطعية للكشف عن مستوى الإصابة، بالطبع الأشعة معطلة، والمسئول غير موجود.. إذن فالحل في المستشفى العام، فأين سيارة الإسعاف إذن لتحمله لمسافة ٤٠ كيلو مترا؟! إنها في مرفق الإسعاف، وعليكم الذهاب إليها!

وطبعًا رفض سائق الإسعاف التحرك متعلِّلًا بضرورة إحضار اسم الطبيب المتوقع أن يستقبل الحالة في المستشفى العام ورقم هاتفه المحمول، وكيف لنا أن نعرف ذلك نحن جيرانه؟!!

ومع أن الممرضين قد أخبرونا (باجتهادهم) باحتمال وجود نزيف بالدماغ، إلا أنهم نصحونا بحَمله، ونقله إلى المستشفى العام بسيارتنا الخاصة، وبالفعل حملناه ما يقرب من ٤٠ كيلو مترًا، ليجري أشعة مقطعية، ويَكتشف أنه نزيف بالدماغ بالفعل، قد غطى ثلثي الدماغ، وأن الحالة أصبحت أكثر حرجًا وأنه ليس هناك مكانًا بالعناية المركزة.

ويجتهد المجتهدون فيحملون لمستشفى خاص ليقضي بها يومين ثم ليخرجوه منها نظرًا لضيق الحال، وينقلوه لأحد الأماكن الخالية في العناية المركزة بالمستشفى العام، التي خلت بوفاة صاحبها.

يمكث عم إبراهيم يومين ليقابل ربه تاركًا ذنب التقصير في حالته في رقبة المقصرين في أداء واجبهم بالمستشفى المركزي، الذين لو تواجدوا لربما تم إنقاذ الحالة، التي تدهورت بالتباطؤ في الإسعاف.

إلى كل من تباطأ في عمله، فلتتق الله في عملك ووطنك الذي تربيت فيه، وتعلمت بالمجان، وله عليك حق.
آن الأوان، ونحن نبني مصرنا، أن نلتف حول مؤسساتنا، ونحاول إتقان عملنا، فلن يضير الطبيب أن يراعي الله بالتواجد في مستشفى مجاني لمدة ٤ ساعات يوميًّا، استقيموا أيها السادة، فأنتم ملائكة الرحمة.
الجريدة الرسمية