رئيس التحرير
عصام كامل

ملأت فراغ وزارة بأكملها.. كيف أصبحت السوشيال ميديا بديل «الإرشاد الزراعي» الرسمي

فيتو

في قضايا الأمن الغذائي يكون العلم هو الحلقة الأولى في المعادلة، من خلاله يزيد الإنتاج وتحل العقد العويصة وبه ينعم الناس بحياة مستقرة، لكن لو بقي العلم حبيس الأدراج معبأ داخل العقول دون تصريح خروج للعامة فإن شبح الجوع سوف يطاردنا طويلا ولأن أغلب أجهزتنا الحكومية ما زالت تحبو نحو عصر التكنولوجيا، وخاصة وزارة الزراعة المكلفة بتوفير المعلومات لـ35% من الشعب المصري من الممتهنين بالزراعة، فإن تأخرها خطوات عن عصر التكنولوجيا إلى جانب سوء انتشار أذرعها التنفيذية، دمر الثقة في الوزارة المسئولة عن إطعام الناس.


في أكثر من مناسبة أعلنت وزارة الزراعة عن انتهاء عصر المرشد الزراعي ليس للانتقال إلى عصر الإرشاد عن بعد لكن لأن بحلول عام 2022 لن يتبقى في قطاع الإرشاد الزراعي سوى 200 مهندس فقط بسب خروج 1300 للمعاش، وفقا لتصريحات الدكتور سيد خليفة نقيب الزراعيين الحالي ورئيس القطاع السابق .

ووفقا لتصريحات خليفة خلال العام الماضي 2018 فإن المتبقي الآن من المرشدين يبلغ 1500 مهندس مطلوب منهم تقديم الخدمات الإرشادية لـ6 آلاف قرية.

ولأن الحكمة الشعبية تقول إنك إن لم تشغل الفراغ سيأتي غيرك ليشغله، فإننا نرى الآن نوعا جديدا من الإرشاد الزراعي عن بعد بدأت ثورته مع توغل وسائل الاتصال والتكنولوجية الحديثة في كل ربوع مصر واستخدام قطاعات واسعة من المزارعين لوسائل التواصل الاجتماعي وخاصة فيس بوك وواتس آب.


دكتور أون لاين
ومن خلال وسائل التواصل الاجتماعي بدأ الدكتور محمد على فهيم الخبير الزراعي والأستاذ في معهد المناخ الزراعي بمركز البحوث الزراعية، عمله التطوعي لإرشاد المزارعين خارج محيطه الجغرافي ليصل بإرشاداته التي تعتمد على المناخ وتأثيره على كافة العوامل الزراعية إلى مزارعين في المحيط العربي من المحيط إلى الخليج.

يعرف فهيم نفسه إلينا فيقول إنه دارس لأمراض النبات ويحمل شهادة الدكتوراه فيها، وإنه في الوقت الحالي يركز عمله على علاقة المناخ بأمراض النبات وتطورها وهوِ علم متطور جدا ويحتاج إلى خبرات حقلية كبيرة اكتسبها من بيئته الريفية التي يعيش فيها إلى الآن بقرية المرازيق بمحافظة الجيزة.

بدأ فهيم نشاطه في الإرشاد الزراعي عبر وسائل التواصل الاجتماعي في مايو 2018، وقبلها عكف على دراسة علاقة المناخ بسلوك المزارع والمظاهر السلبية على الزراعات ومارس النشاط الإرشادي في محيط قريته في محاولة لسد الفراغ الذي أحدثه غياب الدور الحكومي خاصة مع إدراكه المبكر لتأثير التغيرات المناخية الحادة على الزراعة وحياة المزارعين وعدم التفات الجهات الرسمية لهذا الخطر الذي يفوق في أثره نقص مستلزمات الإنتاج الزراعية، لذلك انطلق في الحقول وعبر فيس بوك وواتس آب يحاول تقديم معلومات موثقة للمحافظة على أقوات المزارعين وحياتهم البسيطة القائمة على الدخل الناتج من بيع المحاصيل الزراعية، وقال: "أنا فلاح وأعلم إحساس المزارع عندما يجد نفسه مديونا في نهاية الموسم بعد عمل شاق ومتواصل".


100 ألف متابع
يقدر فهيم عدد متابعيه عبر مواقع التواصل الاجتماعي خلال عام ونصف من العمل بـ100 ألف شخص من مصر وأغلب الدول العربية من المنصات الإلكترونية التي يطل من خلالها على متابعيه، وتمكن من كسب ثقتهم من خلال البحث والاطلاع الدائم على عالم الأمراض والآفات الزراعية وتحديث المعلومات بشكل دائم إلى جانب مراجعة المعلومات في حالة الإصابات غير الواضحة لأن التسرع في الجواب معناه تعريض قوت مزارع للخطر، لذلك يجب أن تخرج المعلومة عن علم كامل ودراية، إلى جانب السبق دائما بالتنبيه بالتغيرات المناخية المفاجئة كموجات الحر المفاجئة وغير الاعتيادية في درجة حرارتها والعكس في الشتاء والتنبيه على المعاملات الزراعية التي يجب اتباعها قبل وبعد وأثناء موجة الحر أو الصقيع.


بعد أن ذاعت شهرة الدكتور محمد على فهيم على مواقع التواصل الاجتماعي وزيادة المتابعين بدأ يتولى إدارة بعض الصفحات والمجموعات الزراعية على فيس بوك لتوجيه معلومات إرشادية للمزارعين، وجذبت جودة المعلومات التي يقدمها مزارعين جددا من دول اليمن والجزائر وسوريا وفلسطين والعراق والكويت وليبيا وتونس والمغرب والسودان والإمارات والبحرين وبعض المصريين في السعودية، يراسلونه عبر تطبيق ماسنجر أو من خلال الواتس آب ويرسلون صور الآفات والأمراض التي تصيب زراعاتهم مع شرح لحالة النبات وعندما يتأكد فهيم من تشخيصه يمنح المعلومة مباشرة، إلى جانب نشاط إرشادي تطوعي آخر يمارسه من خلال زيارات خاطفة للأراضي الزراعية في أكثر من محافظة من الشمال إلى الجنوب لرؤية الأمور على أرض الواقع. 



حلول التكنولوجيا
ويوضح فهيم أن دوره إلكتروني 100% فالتكنولوجيا ووسائل التواصل الحديثة هي وسيلة مجانية لتوصيل المعلومات بشكل سهل ويسير، ويرى أن القطاع الإرشادي الرسمي يجب أن يعتمد على التكنولوجيا في توصيل التوصيات الإرشادية فإذا كان متابعوه أكثر من 100 ألف شخص فإننا يمكن أن نصل إلى مزارعي العالم العربي بالكامل لو كان هناك 1000 مرشد زراعي مدرب على التواصل عبر الوسائل الإلكترونية لتوصيل المعلومات الزراعية.

ويظهر الدور الكبير لفيس بوك من خلال إحصاء أعلنه الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء بالتعاون مع اللجنة الإحصائية للأمم المتحدة أن عدد مستخدمي فيس بوك في مصر تجاوز 34.5 مليون مستخدم، وأن الفترة من يونيو 2014 إلى يناير 2017 فقط، شهدت دخول 14 مليون مستخدم جديد، وأن نسبة الشباب المستخدمين لـ"فيس بوك" في سن أقل من 30 عاما، تصل إلى %65.8 من إجمالي المستخدمين، يزيد فيهم الذكور على الإناث.


للمزارعين دور أيضا
فضاء السوشيال ميديا وخاصة المرتبط بالقطاع الزراعي أصبح نشطا بشكل كبير عن السابق وأصبحت بعض الصفحات والمجموعات مصدر ثقة والتقاء بين كافة المزارعين ومنها صفحة عالم المبيدات التي يشترك في إداراتها محمد الجوهري أحمد المزارعين والمهتمين برفع وعي أعضاء سلسلة إنتاج الغذاء في مصر من ملاك الأراضي والمزارعين.

يبدأ الجوهري حديثه بالتأكيد على أن غياب الدور الإرشادي الرسمي دفعهم للبحث عن بديل في توصيل المعلومات الإرشادية الموثقة وكانت مواقع التواصل الاجتماعي وخاصة فيس بوك هي الملاذ المميز لذلك.

وقال: "لكن رغم ذلك فإننا نواجه بعض محبي الشهرة والانتشار الذين يمدون الناس بمعلومات خاطئة ومعاملات زراعية كارثية تتسبب في خراب بيوت المزارعين، فقررت أنا ومن معنا من أصحاب الخبرات الزراعية الجيدة التصدي للخزعبلات التي قد تروج عبر السوشيال ميديا من خلال جروب عالم المبيدات الذي يضم ربع مليون عضو، ويركز على توعية المزارعين بالطرق الآمنة في استخدام المبيدات وما هي المنتجات الأصلية التي يجب شراؤها والتفريق بينها وبين المنتج المغشوش".


ويضيف: "أسسنا أيضا صفحة (فناكيش زراعية) للرد على ما يروج من معاملات غير صحيحة لحماية المزارعين من الغش، إلى جانب أن السوشيال ميديا أحدثت أكبر تغيير في زراعة البطاطس في مصر عندما كانت رابطة زراعة البطاطس على فيس بوك من الأدوات المؤثرة في نشر الوعى بكل ما يتعلق بتقاوي وزراعة وتخزين البطاطس، وأنا شخصيا كمزارع بطاطس تعلمت منها أمور جديدة في عمليات التخزين إلى جانب مساهمة الرابطة من خلال فيس بوك في نشر طريقة زراعة البطاطس بنظام الري بالتنقيط وهو ما أثمر عن نتائج جيدة جعلت مناطق كثيرة تتحول إلى نظام التنقيط".

يوتيوب يدخل المنافسة
الإرشاد الزراعي على مواقع التواصل الاجتماعي اتخذ منحى آخر على موقع يوتيوب، حيث ظهر محمد عبد الحافظ وهو شاب في الـ24 من عمره ويهوى الزراعة بكل أشكالها ويقدم مقاطع مصورة عبر قناة عالم الزراعة ترصد مراحل زراعة المحاصيل سواء في الحقل أو بطريقة زراعة الأسطح بداية من تحضير التربة والمعاملات الزراعية وحتى الحصاد.

يقول عبد الحافظ إن ما يميزه هو تقديمه لتجارب حية وليس محاضرات نظرية وهو ما يضطره أحيانا إلى السفر لبعض المناطق ليصور مراحل إنتاج محصول معين على أرض الواقع والمعاملات الزراعية المطلوبة بغرض أفضل إنتاجية وهو يقوم بذلك بدافع من حبه للزراعة التي ارتبط بها من صغره ورغم التحاقه بكلية الآداب قسم نظم معلومات وجغرافيا إلا أنه واصل ممارسة الزراعة وقراءة الكتب والمنشورات الزراعية وحضور عدد كبير من الندوات وورش العمل الخاصة بالزراعة.

ويملك عبد الحافظ 400 ألف متابع على قناة يوتيوب ويمتلك 35 مليون مشاهدة لفيديوهاته ويحرص على طرح سلاسل مصورة لتنازل بعض المحاصيل بشكل دقيق وعملي وهو ما جعله مميزا بين من يقدمون محتوى مشابه، وينوي الحافظ البدء في دراسة الزراعة أكاديميا في وقت قريب لصقل موهبته وشغفه علميا.

محاولات لم تكتمل
رغم اختفاء دور قطاع الإرشاد الزراعي في مجال توجيه المزارعين للمعاملات الزراعية الجيدة، فإن عدة محاولات تمت خلال السنوات الأخيرة لإعادة صياغة منظومة الإرشاد لكن لم يكتب لها الاستمرار ومنها تجربة الدكتور صفوت الحداد نائب وزير الزراعة السابق الذي بدأ في إجراءات تنفيذ مشروع إلكتروني تعوض فيه التكنولوجيا دور المرشد الزراعي، معلنًا وقتها أن التعيينات في الحكومة في الوقت الحالي أمر غير وارد والتفكير فيه غرق في الحلول العادية والسهلة.

خطة الحداد كان ترتكز على افتتاح أكبر منظومة إلكترونية للإرشاد الزراعي تضم 922 جهاز كمبيوتر حديثا، و533 طابعة إلكترونية وألفي جهاز تابلت لخدمة الفلاحين من خلال كارت الفلاح الذكي الذي سيكون أحد مهامه الرئيسية دعم الفلاح بمعلومات إرشادية توفر له الوقت والجهد والمعلومة الدقيقة وتستدعي له فريقا من مركز البحوث الزراعية إذا كانت المشكلة تستدعي ذلك.

ورغم بدء تنفيذ الخطة التي وضعها الحداد بشكل جزئي بافتتاح مركز الزراعة الإلكترونية لمراقبة الجمعيات الزراعية وعمل الحيازات الإلكترونية لكن بعد رحيله من منصبه انتهى الأمر ولم يظهر للنور مرة أخرى.
الجريدة الرسمية