رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

بالأرقام والتفاصيل: خريطة الفوضى في مصر.. «المحليات» رأس الأفعى.. وأقوى أسباب الفساد.. فقد 3 أفدنة ونصف كل ساعة....3 ملايين و240 ألف عقار مُخالف.. و4 ملايين بائع متجول

الدكتور حمدي عرفة
الدكتور حمدي عرفة أستاذ الإدارة المحلية

لا توجد ترتيبات ثابتة لأولويات الملفات والأزمات في مصر، لكن لن يختلف أحد أن المحليات هي صاحبة السبق في أهمية الاشتباك معها، لتأسيس دولة تؤمن بالعمل المحلي، وتسعى بكل قوة لنزع بذور الفساد من المجال العام للبلاد، بعد أن ترسخ فيها على مدار عقود مضت؛ فالمدن والمشروعات تحتاج حالة إدارية مختلفة، تستطيع حل الأزمات في المحافظات والمدن والقرى، دون أن تكون عامل ضغط إضافيا كما هي حاليًا.


وهو محور حديثنا مع الدكتور حمدي عرفة أستاذ الإدارة المحلية وخبير استشاري البلديات الدولية، الذي تمتد رؤاه الحالمة، إلى ضرورة استحداث وزارة للقرية المصرية، يكون مهمتها العمل على حل معاناة المواطنين اليومية، وقبل الانخراط في الحديث عن تحديات العمل المحلي، الصورة مؤخرا لم تكن سوداء تماما، هكذا يشرح لنا خبير الإدارة المحلية الخطوات التقدمية الأخيرة التي اتخذتها الدولة للنهوض بهذا الملف، ممثلة في المجلس الأعلي للجامعات، بعد موافقته على تأسيس أقسام الإدارات المحلية «المحليات».

وكان عرفة قد تقدم بالمقترح في شهر أغسطس من العام الماضي، للدكتور خالد عبد الغفار، وزير التعليم العالي، على أن يكون قسم الإدارة المحلية تابعا للكليات المختلفة، وخاصة كليات التجارة، ولا يقتصر عليها، بل تحتويه أيضا كليات الاقتصاد والعلوم السياسية، ليكون الأول من نوعه في الجامعات المصرية وعلى المستوى الدولي أيضا، وتم تحويل الطلب إلى نائب وزير التعليم العالي لشئون الجامعات الذي قام بدوره بإحالته إلى المجلس الأعلي للجامعات بعد شهرين.

تعميم المشروع البحثي
وتم تشكيل لجنة على أعلى مستوى، وافقت على المقترح، وأوصت بتنفيذه، وتعميم المشروع البحثي المقترح على الكليات ذات الصلة في الجامعات المختلفة، فضلًا عن التوصية بإمكانية الحصول على دبلومات مهنية وأكاديمية، وتشجيع الباحثين في الحصول على دكتوراه وماجستير مهني وأكاديمي تخصص إدارة محلية.

هذا الإجراء وغيره بنظر «عرفة» يؤسس عمليًا، لإنتاج أقسام تعليمية قادرة على تطوير القري والعزب والكفور والنجوع والمدن والأحياء والمحافظات، كي نستطيع في المستقبل تطبيق المفاهيم الصحيحة للإدارة المحلية والحكم المحلي والفيدرالي على نهج الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا ودولة الإمارات العربية، التي نجحت ببراعة في تطبيق مفاهيم الفيدرالية، وتفوقت فيها على الولايات المتحدة وفرنسا، على حد تعبيره.

يقول الخبير المحلي: لدينا 27 محافظة و184 مركزًا و214 مدينة و92 حيا و1411 وحدة محلية قروية، ومسئولين عن 31 ألف كفر ونجع وعزبة في شتى أنحاء جمهورية مصر العربية، والقسم الجديد سيختص بتقديم الأبحاث التطبيقية والاستشارات الإدارية والتنفيذية وإجراء البحوث العلمية للوصول بالإدارات المحلية والمراكز التابعة لها، إلى مستويات تناظر البلديات الذكية المتقدمة، في المجتمع الدولي، وفقا لمنهج الذكاء الاصطناعي في وقت وجيز جدا، فتقدم بلديات المحافظات المختلفة الخدمات بكل كفاءة وفعالية.

المحليات
الدكتور حمدي عرفة، أستاذ الإدارة المحلية وخبير استشاري البلديات الدولية، يرى من جانبه أن المحليات بمصر بها الكثير من مظاهر الفوضى والفساد التي تحتاج إلى إجراءات صارمة للقضاء عليها وإنهائها بشكل كامل، مشيرًا إلى أن الفوضى بمصر لها أوجه كثيرة ومتعددة منها أزمة التعديات على أراضي الدولة التي تحدث عنها الرئيس.

وأوضح أن من أهم أسباب استمرار التعديات على أراضي الدولة وانتشارها بشكل كبير وموسع عدم تطبيق القانون بشكل صارم على المعتدي بجانب تخفيف العقوبات، مما أدى إلى تشويه الصورة الحضارية للدولة وكذلك المظهر العمراني.

وأشار إلى أن مصر تفقد كل ساعة 3 أفدنة ونصف من أجود الأراضي الزراعية بسبب البناء عليها ووجود3 ملايين و240 ألف عقار مُخالف تم بناؤهم على الأراضي غير الزراعية.

4 ملايين بائع
وأوضح أن من مظاهر الفوضى في الإدارات المحلية، وجود نحو 4 ملايين بائع جائل في مصر موزعين على 27 محافظة، مشيرا إلى أن الكارثة أن الأغلبية العظمى منهم لا يحملون التراخيص ويحتلون الأرصفة، موضحًا أنه من ضمن مظاهر الفوضى أيضًا انتشار القمامة بطريقة مفزعة بالقرى والمراكز والمدن والمحافظات، واختلاط مياه الصرف الصحي بالقرى والتعدي على رصف الطرق وعدم وجود خدمات تحفظ كرامة الإنسان في حياة آدمية بالقرى.

وأضاف أنه يوجد في مصر نحو 3 ملايين توك توك، وهو يُعد من أحد أكبر مظاهر الفوضى؛ وذلك لأن المسئولين عن ذلك هم المحافظون بالتعاون مع أجهزة المرور، مؤكدًا أنه يجب أن يتم الإطاحة بالمحافظين المتكاسلين والمقصرين واستبعاد بعض من المحافظين غير المدركين لملفات المحليات استنادا إلى قياس معاناة المواطنين اليومية ونقص وتدهور الخدمات المتكاملة لسكان القرى وما يتبعها من كفور ونجوع وعزب.

وأكد أن هناك عدم اهتمام من قبل الأغلبية العظمى من المحافظين الحاليين من حيث الاهتمام بالقرى والعزب حيث تمثل عدد القرى في مصر 4726 قرية يتبعها ما يقرب من ٢٦٧٥٧ ألف عزبة وكفر ونجع يمثلون في مجملهم 40% من مساحة وسكان مصر، وعلى الرغم من ذلك فإن نسبة الاهتمام من قبل الأغلبيه العظمى من المحافظين بتلك المناطق هزيل للغاية.

وأوضح أنه للقضاء على تلك الفوضى والتصدي لها لابد من سن قوانين جديدة ووضع ضوابط وقواعد للتفتيش وإصلاح التشريعات وتغليظ العقوبات، فيوجد 3185 قانون ولائحة وقرارا يتعلقون بالإدارة المحلية تحتاج إلى التعديل، وكذلك يجب تغليظ العقوبة والرقابة على المحليات، ورفع أجور العاملين بالإدارات المحلية للقضاء على الفساد والرشاوى، حيث يوجد نحو 3 ملايين و200 ألف موظف بالمحليات يجب رفع أجورهم، مؤكدًا على ضرورة وجود شرطة متخصصة في الإدارة المحلية وكذلك نيابة خاصة بالإدارة المحلية.

وكشف "عرفة"، إلى أن استخدام التكنولوجيا في المحليات سوف يؤدي إلى الحد من الرشاوى وذلك لتسجيل كل شئ إلكترونيا، موضحًا أن إصلاح الفساد بالمحليات يبدأ بإصلاح الأجور وإعادة تدريب العاملين وإعادة الهيكلة وميكنة أجهزة العمل واستخدام تكنولوجيا المعلومات والذكاء الاصطناعي.

وبعيدًا عن الأهداف التي تتجاوب معها الدولة، يعبر «عرفة» عن تدني مستوى الخدمات المحلية، مما يساهم في المقام الأول، فيما يحدث من انفلات أمني وأخلاقي واجتماعي، وبشكل خاص من قبل سائقي التوك توك، بجميع المحافظات، وليس فقط بالعاصمة، ويوضح أنه طالب الـ27 محافظا بالتعاون مع مساعد وزير الداخلية لإدارة المرور، بإنشاء وحدة خاصة، ضمن الهيكل الإداري في كل إدارة مرور تحت اسم وحدة «تراخيص التوك توك».

الرؤية التطويرية
ويكمل الخبير المحلي رؤيته التطويرية: المحليات يمتد عملها لملفات السكك الحديدية، إذ تشتبك في المصالح مع أكثر من 12 ألف كيلو متر خطوط سكك حديدية من أقصى الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب، ومع محاولة وزارة النقل، السير بأقصى سرعة تجاه ميكنة وتطوير هذا الملف، ولكن يبقى التحدي أن نقل البضائع بالسكك الحديدية لا يتعدي ‎%1‎ بسبب عدم تطبيق اللامركزية في المحليات التي تعوق وجود دور فعال للمحافظين في هذا الصدد.

يضيف: نقل الركاب يصل إلى 500 مليون راكب سنويًا «نحو 1.4 مليون راكب يوميًا» ونقل البضائع يصل إلى 6 ملايين طن سنويًا، والحل يبدأ بتطبيق اللامركزية ومنح الإدارات المحلية سلطة كاملة على المزلقانات وتطويرها، وهذا لن يتم إلا بتعديل قانون الإدارة المحلية الحالي الذي وصل العمل به إلى أكثر من 40 عامًا من دون تعديل.

الخبير المحلي يرى أن النقل النهري في المحافظات الذي يعد من ملفات النقل، لابد من تنظيمه والاستثمار فيه، وحتى يحدث ذلك يجب على رؤساء المراكز والأحياء إنارة المراسي وتقديم مختلف الخدمات، ويوضح أن نسبة نقل البضائع والمواطنين في نهر النيل أقل من ‎%1‎ سنويًا، ويرى أن الاستثمار في ١٥٢٦ كم طول مجري نهر النيل من خدمات ومواصلات داخلية ونقل سلع وترفيه، خطوات الإصلاح الإداري والتنفيذي لنهر النيل.

المصارف والترع
ويعرج "عرفة" إلى الحديث عن تطهير المصارف والترع، واختلاط مياه الشرب بالصرف الصحي، عدم وقاية الحدائق، انتشار القمامة ومخلفات الهدم في القري والعزب، ما يتسبب في انتشار الثعابين وغيرها من الحشرات السامة، وهي ظاهرة عالمية لاتقتصر على مصر وحدها، يحدد الخبير المحلي أولا الجهات الإدارية والتنفيذية المسئولة في كل محافظة عن كل هذه الأزمات التي أصبحت عرضا مستمرا دون حل.

يقول «عرفة»: المسئول مديريات الصحة والزراعة والري ورئيس الوحدة المحلية في كل قرية ومدير مديرية الطب البيطري ومدير إدارة البيئة، ولإنهاء أزمة تسمم المواطنين، التي أصبحت ظاهرة من جراء انتشار الثعابين في القري والعزب والكفور والنجوع، مطلوب إنشاء 1411 وحدة للسموم تتبع الوحدات الصحية في القري، فضلا عن إنشاء مراكز الأقسام للسموم في 184 مركزا و92 حيا و214 مدينة ويمكن لمدة محددة.

المجتمع المدني
ويطالب الخبير المحلي بإدماج القطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني، في هذا العمل الضخم، للمشاركة في إنشائه نظرا لعدم قدرة الموازنة العامة للدولة على تكلفته، فضلا عن تخصيص المحافظين جزءًا من أموال المحافظات بالصناديق الخاصة في كل محافظة بالتعاون مع مخصصات وزارة الصحة لحل هذا الملف الملح.

ويرى «عرفة» أن مسئوليات القيادات المحلية، تمتد لهذا الملف، بداية من المحافظين مرورا بسكرتارية العموم وصولا إلى مديري الزراعة والري والطب البيطري ومديري المستشفيات والوحدات الصحية المنتشرين في المحافظات، ويضيف: لا يوجد أي مركز للسموم في نطاق الوحدات المحلية القروية المسئولة إداريا وتنفيذيا عن جميع الوحدات الصحية، والتي لا يوجد بها أمصال للسموم أو سيارات إسعاف، مؤكدا أن الجمهورية بأكملها لا يوجد فيها إلا 20 مركزًا للسموم وفي عواصم المحافظات وهي أزمة كبرى، حيث تحتاج المستشفيات والوحدات الصحية في القري إلى استحداث أقسام جديدة للسموم في المستشفيات والوحدات الصحية شاملة الأدوية والأجهزة الطبية وتصل التكلفة لإنشاء كل وحدة 400 ألف جنيه.

يرى عرفة أن المحافظين لا يتابعون كل هذه الأمور، وخاصة في القري والعزب والنجوع والكفور، بسبب عدم وجود موازنات كافية، وعدم تفكير بعض المسئولين منهمً خارج الصندوق في شتي الملفات، مطالبا المحافظين بالتفكير خارج الصندوق، وحث رجال الأعمال على مشاركتهم في حل منظومة الصحية في مصر.

الحل الأكثر مؤسسية لإنهاء كل هذه الأزمات، يراه الخبير المحلي، ينحصر في إصدار قرار إداري من كل محافظ وبصورة عاجلة، ينعقد في ضوئه لجنة دورية تحل الأزمة، على أن تتشكل هذه اللجنة من مدير مديرية الصحة بالمحافظة، ووكيل وزارة الزراعة ووكيل وزارة الري ورئيس الوحدة المحلية في كل قرية ومدير مديرية الطب البيطري ومدير إدارة البيئة في المحافظة، وينصهر هؤلاء جميعا في ضوء خطة قومية على مستوى جميع الوزارات للتعامل مع هذا الملف.

ينهي الخبير الحالم رؤيته قائلا: أطالب رئيس مجلس الوزراء بسرعة استحداث وزارة للقرية المصرية، يكون مهمتها العمل على حل معاناة المواطنين اليومية، ونقص الخدمات المتكاملة لسكان القرى وما يتبعها من كفور ونجوع وعزب.
Advertisements
الجريدة الرسمية