رئيس التحرير
عصام كامل

قصة أول أوبرا باللغة العربية.. وسر رفض "عبدالحليم حافظ" غناءها

عبدالحليم حافظ
عبدالحليم حافظ

"الأوبرا فن لا تستقيم فيه اللغة العربية، ولا يسيغه ذوق الجمهور العربي".. تلك المقولة التي أراد المسرحي المصري الراحل فريد فرج وصديقه المؤلف الموسيقى كامل الرمالي، تفنيدها في منتصف القرن الماضي.


بدأت القصة عندما عرض كامل الرمالي على فرج تأليف أول أوبرا باللغة العربية عن قصة "حسن الصائغ البصري"، من "ألف ليلة وليلة"، فوافق فريد فرج، وبدأ في التوافد يوميًا على منزل الرمالي للكتابة حتى أتمها كاملة، وشرع الرمالي فيما بعد بالتأليف الموسيقى لها.
أوبرا عايدة.. قصة 14 شهر تأليف و150 ألف فرنك هدية من مصر للمؤلف

يحكي فريد فرج تفاصيل قصته في كتابه "مؤلفات الفريد فرج"، الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، حيث يقول: "نسخ الرمالي بيده عدة مئات من الصفحات لأوبرا حسن البصري، نسخة مكررة من نسخة المايسترو، وحملناها وركبنا القطار، ونزلنا في "لوكندة البرلمان" خلف الأوبرا.. ودخلنا الأوبرا من الباب الخلفي المخصص للممثلين والإدارة، وطلبنا مقابلة المدير سليمان نجيب".

يتابع فرج حديثه، قائلا: "وقف سليمان نجيب خلف مكتبه، بعصبيته الفنية يقول: أوبرا؟ بالعربي؟ تقول انت ألفت أوبرا بالعربي؟ عجايب والله.. يا أستاذ الأوبرا مش لعبة... وجاينلي عشان أنتجها، أما إنك مجنون صحيح، اسمع أنا بحبك لأنك مجنون، بس انت عارف إنتاج أوبرا يعني كام ؟".

رد عليه الرمالي، قائلا: "مائة ألف جنيه"، فقال سليمان نجيب: انت ماهيتك كام يا أفندي عشان تقول مائة ألف جنيه كده، ده لو مألفها عبدالوهاب ماحدش يدي له مائة ألف، فمين اللي هيديك انت!".

حوار طويل أجراه الرمالي وفريد فرج مع سليمان نجيب، لم يسفر عن شيء سوى خروج الرمالي من الأوبرا بعصبية فاقدة للأمل، وبعد عدة شهور اتجه الرمالي وفريد فرج إلى الإسكندرية لحضور حفل الفنان الشاب عبدالحليم حافظ آنذاك، وبعد انتهاء الحفل عرض كلٌّ من الرمالي وفريد فرج الأوبرا على عبدالحليم حافظ، فقال لهما: "ياكامل انت مؤلف ناشئ وأنا مطرب ناشئ، مش هانفعك لمشروعك الجريء، لأنه أنا باتمنى يلحن لي عبدالوهاب، وانت محتاج مغني مشهور عشان يجيز عملك ومشروعك للجمهور، حاول تفكر في كارم محمود أو الناس اللي في مستواه، ماتفكرش في مطربين ناشئين، لأنه ماحدش هايصرف 100 ألف جنيه على مواهب كلها ناشئة".

ويؤكد فريد فرج في كتابه أنه التقى عبدالحليم حافظ مرة ثانية في قمة شهرته، فتذكرا معًا مقابلة الإسكندرية، ليعلق عليها عبدالحليم قائلا: "نعم، أنا الآن مشهور، ويمكنني أن أساعد في مثل هذا المشروع، ولكن الصحة ضاعت للأسف، وغناء الأوبرا يحتاج إلى تدريب شاق وغناء كل ليلة.. ليت الصحة كانت تسمح لي، أو يعود الشباب!".

تحقق حلم فريد فرج وكامل الرمالي عام 1954 عندما قررا إنتاج الأوبرا على نفقتهما الشخصية، وبالفعل شرعا في حساب التكلفة وأجرا قاعة "إيوارت" بالجامعة الأمريكية، وطبعا التذاكر وجمعا النقود وتعاقدا مع الموسيقيين، وشارك معهم بالجهد المجاني حمدي غيث مخرجا، ويوسف عزت وأميرة كامل وزملاؤها من خريجي معهد الموسيقى المسرحية، وثريا العجيزي بتصميم وتنفيذ الملابس والديكورات.

وتم العرض في قاعة "إيوارت" بحضور المثقفين والفنانين والشعراء، وكان أبرز الحضور هو السياسي البارز وعضو مجلس قيادة الثورة كمال الدين حسين، وامتلأت القاعة بالشباب المتحمس المهلل والمصفق للموسيقى الجديدة.. وعلى الرغم من النجاح الذي استطاع الرمالي وفرج إثباته، إلا أن بعض المثقفين خرجوا عليهم بعد الحفل منتقدين ذلك النوع من الموسيقى وإخراج أوبرا باللغة العربية، كان أبرزهم الروائي الكبير يوسف السباعي.
الجريدة الرسمية