رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

شاهد الحريق من شُرفة منزله.. «فيتو» تحاور مُنقذ جثث «قومي الأورام»

فيتو

الساعة تقترب من الحادية عشرة من مساء أمس الأحد، بدل "عمر" الشاب العشريني الذي يعمل بأحد محال الأدوات الصحية بحي المنيل ملابسه، وسارع إلى منزله بعد يوم عمل شاق استمر لساعات طويلة، أنهى وجبة العشاء واستلقى على سريره استعدادا لإنهاء أول يوم عمل في الأسبوع، لكن القدر لم يمهله أو يعطه دقيقة واحدة تغفو فيها عيناه، وقع حريق محيط معهد الأورام بالجهة المقابلة لمحل سكنه: "سمعت صوت انفجار ضخم، صميت أذني وحسيت إني غبت عن الوعي للحظات".


سارع عمر إلى شرفته نظرة سريعة ومباغتة لمبنى المعهد الذي يفصله عن منزل عمر فرع النيل فقط، تتصاعد النيران بينما ما زالت عين عمر مثبتة عليها، "أول حاجة جات في دماغي الناس اللي جوة قلت أكيد اتحرقوا ماتوا، نزلت جرى بلبس البيت اللي بنام بيه في الصيف".

في طريقه إلى المعهد بالجهة المقابلة لمنزله ارتطم عمر بالأعداد الغفيرة التي تخرج مهرولة إلى الكوبري الفاصل بين المعهد والشارع، واجهات المبانى المتواجدة في الشارع تصدع بعضها، وتكسر زجاج بعض النوافذ، فإذا مررت الآن من الشارع ستجد آثار ليلة الرعب مازالت ضاربة بجذورها بقوة حتى الساعات الحالية.

بينما كان يهرول إلى المعهد رفقة عدد من جيرانه، دار في رأسه ما سيشاهده هناك فور وصوله: "أنا أول مرة أتعرض لموقف زي ده، كنت خايف متوتر مش عارف أقرب ولا أبعد وأقول ماليش دعوة بحد أو أقف اتفرج من بعيد"،

في طريقه ووسط التكدس الشديد الذي نتج عن تناقل خبر حريق المعهد بين سكان المنيل، تعثرت قدماه في جثة طفل لم يتعد عمره العشر سنوات على الأكثر، جثة بلا رأس تفحمت وتجوفت من الداخل: "دي اللحظة اللي حسيت فيها فعلا إني لازم أعمل حاجة، جريت عليه مسكته وأنا كل همي ألاقي رأسه نفسي ألاقيها مقدرتش وفشلت".

لم يكن عمر وحده الذي هرول إلى موقع الحادث سبقه آخرون من جيرانه ومن المارة الذين تصادف وجودهم :"كنت متخيل أن مفيش ناس كتير هتشارك في إنقاذ الضحايا، لكن اكتشفت جدعنة المصريين في المواقف الصعبة كان فيه ناس كتير وكل واحد بيقوم بدوره على أكمل وجه اللى بيطفى النار واللى بيخرج مرضى من المبنى كان مشهد رائع الحقيقة". 

دارت رأس عمر لدقائق كأنه دهر كامل مر عليه وهو واقف بين الجثث، أصوات تتلاطم خلفه تصل إلى أذنيه مبهمة لا يستطيع تحديدها بدقة، هاهو بجسده النحيل وقامته المتوسطة يقف بين الجثث يباعد بينها وبين النيران: "أنا حاولت أشيل أكتر من أربع جثث واستخدمت طفاية حريق كان السكان بيجيبوها ويدوهالنا نخمد بيها النار لأن الجثث كانت خلاص تفحمت تماما، شيلت جثة رجل شكله كان قاعد مستني أمام المعهد أو بيحاول يدخل، لأنه كان على مسافة قريبة جدا من المدخل".

الموت محقق ولا مفر منه فلم يكن من عمر إلا أن حاول أن يخفف من آثاره الممتدة على طول جسد الرجل المجهول الذي حضر من بيته للتداوي بالمعهد أو زيارة أحد أقاربه: "الناس كانت فعلا ماتت خلاص بس كنت بفكر إزاي أرحم أجسادهم من النار وكفاية الصورة اللي كانت عليها".



كالقشة التي قصمت ظهر البعير، تراءت أمام عين عمر صورة لجثة سيدة تحتضن ابنتها بقوة، كأنها لوحة فنية بريشة أحد عمالقة الفن التشكيلي في العالم، سيدة جالسة أمام المعهد في انتظار دورها المعتاد، تحتضن ابنتها بقوة عندما وقع الانفجار علها تبتلع وحدها ألسنة النيران فلا تطال الصغيرة، "بين الجثث وأنا بلف في المكان لقيت جثة ست حاضنة بنتها مرمية وواخدة نفس وضع الحضن بعد التفحم، شيلتهم بعيد على جنب علشان النار متكملش على اللي باقي منهم، من امبارح الساعة ٢ ونص صباحا وقت ما روحت معرفتش أنام بسبب المشهد ده".
Advertisements
الجريدة الرسمية