رئيس التحرير
عصام كامل

«فيتو» في زيارة خاصة لمعهد بحوث البساتين.. خطوات جادة لتحقيق الاكتفاء الذاتي من إنتاج البطاطس.. «جبر»: نستهدف تغطية إنتاجنا من رابع أهم غذاء للبشر.. والتصدير خلال 3 سنوات

فيتو

منذ اكتشافها في جبال الأنديز بأمريكا الجنوبية قبل ما يزيد على 5 قرون، لعبت البطاطس دورا محوريا في تغيير وجه العالم، بعد أن ضمنت للإنسان مصدرا مضاعفا ودائما طوال العام من الكربوهيدرات والطاقة، بعد أن كان الاعتماد على الحبوب فقط، ومن حينها أصبحت البطاطس عنصرا هاما في قيام مجتمعات كثيفة التعداد، وشكلت نواة مهمة للنهضة الصناعية في أوروبا.


التصنيف
وتماثل قيمة البطاطس في مصر قيمتها في العالم كله بصفتها صاحبة الترتيب الرابع كأهم غذاء للبشر بعد القمح والذرة والأرز، ولذلك فتوفير التقاوي بشكل دائم وبسعر منخفض يسمح باستدامة المحصول ويساعد على التحكم في السوق بشكل أكبر، وهو ما دفع القيادة السياسية إلى الاهتمام بدعم مشروع إنتاج تقاوي البطاطس بواسطة تقنية زراعة الأنسجة، والتي تتم في معهد بحوث البساتين منذ بداية العام الجاري، لتبدأ مصر مع هذا المشروع خطوة جديدة نحو تحقيق شعار "نأكل مما نزرع"، لتحقيق الاكتفاء الذاتي من البطاطس.

قبل الدخول في تفاصيل زيارة المعامل المختصة بالجزء المعملي في زراعة أنسجة البطاطس، يجب الإشارة لبعض الأرقام التي تبين وضع تقاوي البطاطس في مصر، حيث نستورد سنويا ما بين 112 إلى 155 ألف طن تقاوي بطاطس، وهو ما تصل قيمته إلى 1.7 مليار جنيه، ونصدر من إنتاجها محصولا تصل قيمته إلى 6.5 مليار جنيه، وفقا لما أكده الدكتور محمد جبر مدير معهد البساتين.

وتسعى مصر إلى استمرار التعاون مع الاتحاد الأوروبي في مجال استيراد التقاوي وتصديرها في صورة ثمار بطاطس ناضجة لإضافة ذلك للناتج المحلي المصري في النهاية، لكن السعي لإنتاج التقاوي سيكون للاستهلاك المحلي والتصدير للدول العربية وروسيا والدول غير الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، ومن المنتظر وفقا للبرنامج العلمي لمشروع إنتاج تقاوي البطاطس طرحها في الأسواق بعد 3 سنوات كاملة عقب انتهاء الخطوات المعملية الضرورية والانتقال للحقل للسير في إجراءات إنتاج التقاوي.

إنتاج التقاوي
من جانبه قال الدكتور محمد عراقي، المنسق العام لمشروع إنتاج تقاوي البطاطس بزراعة الأنسجة، إن توفر الإرادة السياسة هو ما ساعد في ظهور هذا المشروع إلى النور بعد تعطله لسنوات، فقد كان حلما لكل من يعمل في المجال البحثي بالبطاطس أن تتخذ مصر خطوات جادة لتوفير تقاوي الموسم الصيفي محليا، والتي يؤخذ منها تقاوي العروتين الشتوية والنيلية، حيث يغطي إنتاج العروة الصيفي من بطاطس المائدة الاستهلاك من شهر مايو إلى أكتوبر فقط، لذلك فإن تركيزنا على إنتاج التقاوي التي تغطى على الأقل نصف احتياجاتنا من التقاوي في العروة الصيفية لتقليل نسبة الاستيراد والاعتماد على التقاوي المستوردة وتوفير تقاوي مضمونة بشكل أكبر ولها صفات أفضل من المستوردة حاليا.

الاكتفاء
وهنا يمكن الإشارة إلى أن مصر حاولت الاكتفاء من تقاوي البطاطس من خلال مشروع لكسر التقاوي محليا خلال فترة التسعينيات كان يستهدف إطالة أمد تخزين تقاوي العروة الصيفية إلى العروة الصيفية التي تليها لتقليل الاعتماد على التقاوي المستوردة، لكن لم تستمر التجربة، ورغم صدور القرار الوزاري رقم 725 لسنة 2011 الذي ينظم إنتاج تقاوي البطاطس عبر زراعة الأنسجة والمراحل التالية لإنتاجها في المعمل والصوب الحقل المفتوح منذ 8 سنوات، إلا أن بعض شركات القطاع الخاص المتخصصة في تصنيع البطاطس أو تجارة التقاوي والتصدير باشرت العمل على إنتاج التقاوي بزراعة الأنسجة سواء استيراد المينى تيوبر أو انتاجها محليا دون أن تبدأ الدولة في العمل على تلك الخطوة المهمة طوال تلك الفترة.

بداية الرحلة
وتبدأ رحلة إنتاج تقاوي البطاطس محليا من خلال، انتخاب درنات لعدد من الأصناف الملائمة مثل الأسبونتا والكارا والليدى روزيتا والدايمونت، وهي الأصناف التي سينتج المشروع تقاويها.

ووفقا للأستاذ الدكتور عصام مصطفى عبد القادر مدير معمل زراعة الأنسجة والأصول الوراثية بالمعهد فإنها بعد انتخاب الدرنات تتم عملية تسمى بـ"ـكسر السكون" والتي تنتج نبوتات على الدرنة كتلك التي تظهر عند تعرض درنات البطاطس للرطوبة في المنزل، وبعد ذلك تؤخذ تلك النبوتات لاختبار الفيروسات، وقبلها يتم اختبار الدرنات في مشروع حصر مرض العفن البني في البطاطس، وبعد التأكد من مطابقتها للمواصفات، نستكمل عملنا بعملية معملية تتم تحت الميكروسكوب لاستخراج القمم المرستيمية، والتي تعتبر نواة زراعة أنسجة البطاطس، وعقب ذلك ننتقل لمرحلة زراعة القمم المرستيمية في وسط غذائي صناعي يحاكي التربة داخل أنابيب اختبار وبعد نموها تؤخذ البراعم النامية في برطمانات زجاجية، ويتم إكثارها بنفس الطريقة من 4 إلى 5 مرات فقط لحماية الصفات الوراثية للصنف.

ويقول الدكتور محمد مصطفى، الباحث بقسم بحوث البطاطس في معهد البساتين، إن النباتات تنقل بعد أن يتكون لها مجموع جذري جيد إلى الصوبات الزراعية المجهزة من كافة الجوانب لهذا الغرض، وبعد زراعتها تعطي ما يسمى بالـميني تيوبر mini tubers أو الدرنات الصغيرة، وهي المرحلة التي تسبق التقاوي الاقتصادية مباشرة، وتزرع تلك الدرنات الصغيرة لثلاث مرات حتى الوصول إلى الجيل الثالث من الدرنات، والتي تكون جاهزة للتسويق في هذه المرحلة للمنتجين كتقاوى معتمدة، حيث يكون الإنتاج مناسبا اقتصاديا للتسويق تصل لنحو 500 درنة تقاوي من النبتة الواحدة التي جهزناها داخل المعمل، ومن المنتظر أن ننتقل إلى مرحلة الصوب خلال شهر سبتمبر المقبل.

نظام البذور
وأشار إلى أنه يمكن إنتاج البطاطس بنظام زراعة البذور الحقيقية للبطاطس، وتستخرج تلك البذور من ثمار البطاطس التي تظهر على المجموع الخضري والتي تشبه الطماطم في شكلها وتحتوي بداخلها على بذور البطاطس، ولفت إلى أن الجدل الذي ثار قبل عدة أعوام حول نبات ينتج البطاطس والطماطم معا كان مجرد سوء فهم من البعض لوجود البذور الحقيقية للبطاطس التي تنتج الدرنات تحت سطح التربة، بينما قد تثمر من أعلى كما في الطماطم.

وأردف: "البذور الحقيقية للبطاطس تمكننا من زراعة أكثر من فدانين وربع باستخدام 100 جرام من البذور فقط، بينما نفس المساحة تحتاج إلى أكثر من 2 طن من درنات التقاوى، إلى جانب أن البذور تكون خالية من الأمراض إلا أنه يعيبها عدم تجانس المحصول الناتج إلا أنه أمكن إنتاج هجن ذات إنتاجية عالية متجانسة، وأجرى معهد بحوث البساتين تجارب عليها تحت ظروفنا المصرية في التسعينات".

من جانبه أكد الأستاذ الدكتور محمد جبر مدير معهد البساتين أن عملية إنتاج الجيل الثالث من التقاوي يستغرق 3 سنوات بمعدل سنة زراعة وتجهيز لكل جيل، مشيرًا إلى أن التقاوي المحلية المزمع إنتاجها ستكون من الجيل الثانى أي تمتلك كافة المواصفات الأصلية للأصناف المنتمية لها بينما التقاوي المستوردة في الغالب تكون من الجيل السابع وهي تقاوي تكون تعرضت لعمليات إكثار لمرات متعددة، مما يتسبب في تراجع مواصفات جودتها، بينما يتميز الإنتاج الذي نسعى له بأنه خالٍ من الأمراض ومطابق لمواصفات الصنف بنسبة 100% إلى جانب أنه قبل الإنتاج تجري 4 اختبارات للدرنات في المعامل وفي الأرض الزراعية، ثم تعود للاختبار في معامل أمراض النبات لتصدر لها شهادة بخلوها من الأمراض ومطابقتها للمواصفات لتسويقها.

وكشف تقرير لوزارة الزراعة أن مساحة زراعة البطاطس في مصر وصلت إلى 439 ألف فدان خلال العروات الثلاثة طوال العام وتنتج أكثر من 5 ملايين طن وفقا لإحصاءات 2016، واحتلت مصر بهذا الإنتاج المركز 12 على العالم بين الدول الأكثر إنتاجية.

وتحتل البطاطس الصدارة بالنسبة لمحاصيل الخضر التصديرية والمركز الثاني بعد الموالح والخامس عالميا حيث صدرنا قرابة 810 آلاف طن عام 2017 بمبلغ 262 مليون دولار للبطاطس الطازجة و82 مليون دولار للبطاطس المصنعة، ووصل التصدير العام الحالي إلى 700 ألف طن بطاطس طازجة.

"نقلا عن العدد الورقي..."
الجريدة الرسمية