رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

باب الخلق


من عدالة الحكمة المصرية أنها تمنح كل مصري حالة من التفرد التي لا تتكرر وإن تشابهت في بعض المرويات. والتفرد هنا يكون في مشوار المصري في حياته ومسيرته الخاصة التي تختلف في بصمتها عن الأخرى كما بصمة العين. ثمة رواية متفردة في مسيرة المصريين يتوجها إبداعهم في طرائق البوح عن مسيرتهم تلك.


يرصد هذا البوح في التعبير عن مسيرة التفرد في حياة كل مصري عين مصور أو قلم أديب أو ريشة فنان أو خاطرة كاتب أو رؤية مفكر. هي حالات ونماذج ولوحات عظيمة منحوتة عن حياة المصريين، ولكل مصري فيهم حكاية وبوح خاص يدركها ويفك شفرتها من يعرف قيمة وجوهر المصريين.

يصر بعض تجار النخاسة المتسيدين في مصر على تصدير حكايات فاسدة عن حال المصري في واقعه الراهن. لا تصدقوا هذا، ولا تشتروا من هذه البضاعة. البضاعة المصرية الأصيلة لا يتلفها عوج الواقع أبدا وانحراف بوصلته.

الباحث في المسيرة المصرية يجدها مكتظة بحكايات وقصص ليس للعبرة ولا للعظة إنما هي حالات بوح حرف لحرف كما شجن الناي المنغوم الراقص على حواف الوجع. يتفرد في غزل حكاية عملاقة لا تشبه أحد غير صاحبها.

اللحظة الراهنة في الحياة المصرية، لحظة ليست معتمة كما يحاول البعض ترويج تلك العتمة في الضمير والعقل والشخصية المصرية. الواقع الآني طاقة نور متجددة !

نعم هي كذلك طاقة نور، وإن لم يرها لصوص مصر. والحمد لله أنهم لم يروها، فلو رأوها لسرقوها وقاتلوا الناس عليها.

تلك هي النعمة المسطورة في شقاء وتجاعيد وغبرة بلون خمرة القمح التي نشاهدها في وجوه المصريين التي تحكي قصتها في لضم حرف في حرف وحرث صخر الواقع المسروق، تحاول جاهدة أن تبني لها واقعا أسسه حلم عنيد وأمل محال، وهذه هبة المصريين وجين أصيل من أسلافنا المصريين القدماء.

لا شك عندي أن الكتابة موهبة قد وضعها وخصها خالق الخلق بالمصريين، وهو فن لو تعلمون عظيم ليس بالضرورة الكتابة بمعناها المادي إنما في جوهرها غير المرئي وهذه هي كتابة المصريين التي تؤرخ أحلامهم العملاقة رغم تفاهة الزمن وخبث المكان.

الذي يريد أن يرى مثل هذه الكتابة في وجوه المصريين عليه أن يغتسل من جنابة العتمة، وأن يتوضأ بنور التاريخ، وينظر بضمير سليم، ويقلب صفحات وجوه الناس في مصر المجردة من ميوعة التأنيث أو سلطة التذكير أو من خنوثة جمع المذكر غير السالم !

يترجم كل ما سبق، برنامج "باب الخلق" في رصده حكايات المصريين الأصليين لهذا البلد، ويقدم الأستاذ "محمود سعد" في برنامجه حالة من الحميمية المصرية المفتقدة الدالة على عبقرية التفرد المصري في بوح مسيرته مع الوجود وتحقيق الذات، رغم الصعاب في إثبات إنسانية المصري الوليفة والأليفة.

ونحج الأستاذ "محمود سعد" بأسلوبه وأدائه في رصد بوح الناس في باب الخلق، وكأنه هو الآخر صاحب حالة من التفرد في حكايته وبوحه المعجون في حكمة الخلق، وهي جميعا حالات تؤكد أن ناس مصر طيبين وعائشين بالرضا، وأن الله ساترها معهم. سترا لا يتخيله عقل. يقين ما ينتابنا أن جوهر مصر هو أنها فعلا باب للخلق!
فلا تستهينوا بمكر (ن ۚ وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ)..

Advertisements
الجريدة الرسمية