رئيس التحرير
عصام كامل

كواليس عداء يوسف إدريس لنجيب محفوظ.. حصول الأخير على «نوبل» يشعل صراع العمالقة.. «السروى»: صاحب الثلاثية انحاز لسكان المدن.. وتشيكوف العرب اهتم بأهل الريف

فيتو


لفترة طويلة ساد الجفاء في العلاقة بين العملاقين أديب نوبل نجيب محفوظ وتشيكوف العرب يوسف إدريس، جفاء بدا واضحا أكثر من ناحية إدريس الذي كان يصرح برأيه فيما يكتبه محفوظ لدرجة أنه قال في حوار له مع مجلة «الكرمل» التي أسسها الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش «لا أحب ما يكتبه لأنه مدرسة فنية مختلفة تماما عن مدرستي»، على الجانب الآخر كان محفوظ أكثر دبلوماسية من إدريس وقال عشية رحيله لمجلة المصور: «يوسف هو كاتب القصة العربية الأكثر إبداعا».


الغاضب الوحيد
لا يمكن أن يخفى على أحد أن رائد القصة القصيرة في العالم العربي يوسف إدريس، كان وفقا لما قاله الناقد "رجاء النقاش"، هو "الغاضب الوحيد على فوز محفوظ بجائزة نوبل للأدب في أكتوبر عام 1988"، فحينما حضر محفوظ إلى جريدة الأهرام عقب فوزه بالجائزة، وذهب جميع الزملاء لتهنئته أراد إدريس أن يذهب إليه ويخبره بأنه الأحق بالجائزة، لولا تدخل الكاتب "إحسان عبد القدوس" ومنعه وقوع تلك الكارثة. لكن الأمر لم يمر هكذا مرور الكرام، بل وسع الهوة بين هؤلاء القطبين اللذين مثلا أساس القصة القصيرة والرواية في مصر والعالم العربي، فأصبحا نقيضين دائما، حيث يأتي الحديث عنهما، ليس فقط من حيث التوجهات الفكرية والسياسية والطابع الشخصي لكل منهما، بل أيضا على الجانب الأدبي والفني

المشروع الأدبي
وهذا ما سنتناوله في تقريرنا استنادا إلى ما طرحه بعض النقاد الأدبيين والفنيين خلال حديثنا معهم، والذين بدورهم أفردوا العديد من الخصائص والصفات التي تميز بها المشروع الأدبي لكل منهما، فإذا كان الجميع وصل إلى نقطة الالتقاء ذاتها، واصفين نجيب بعميد الرواية العربية وكاتبها الأول بلا منازع، كذلك وصفوا يوسف إدريس بكاتب القصة القصيرة الأول أيضا، والذي لم يستطع أحد أن يأتي بما أتى هو به.

الناقد الأدبي صلاح السروي، يرى أن ثمة فوارق كبيرة بين أدب نجيب محفوظ ويوسف إدريس، فأدب محفوظ، وفقا للسروي، هو محاولة دراسة الواقع المصري في ضوء التغيرات الاجتماعية والسياسية، وهذا الأمر كان يتطلب نفسا طويلا، لأنه لا يمكن اجتزاء تحولات اجتماعية كبرى في قصة قصيرة.

ومن هنا لمع محفوظ في أدب الرواية، حيث كانت الرواية هي المجال الأكثر مواتاة لهذا الاتجاه، هذا جعلنا نرى في أدبه تأثير ثورتي 1919 و23 يوليو، حتى أولاد حارتنا، اعتبرها السروي دراسة للتحولات الفكرية والعقائدية الكبرى في تاريخ البشرية من خلال نموذج الحارة والمواطن في شكله المصري البحت.

سيكولوجيا الإنسان
ويتابع قائلا: "بينما كان يوسف إدريس مهتما أكثر بقراءة النفس البشرية وسيكولوجيا الإنسان، كيف يكون الإنسان إنسانا، فكانت القصة القصيرة أكثر ملاءمة لما يريد أن يقدمه، أيضا لا ننسى أن إدريس اتجه إلى كتابة الرواية، لكنه كتبها بنفس القصة القصيرة، فالحرام على سبيل المثال هي دراسة في نفسية البطلة الفقيرة التي تضطر أن تسقط في الرذيلة"، مشيرا إلى أن الأخير يعمل على الفرد، أما محفوظ فكان يعمل على المجتمع، لذلك كانت الرواية عند نجيب محفوظ هي النوع الأدبي الأبرز، بينما كانت القصة القصيرة لدى إدريس هي النوع الأقرب إلى فكره.

فارق آخر أبرزه السروي بين العملاقين، وهو فارق اللغة، فاللغة عند محفوظ لغة وسطى بين الفصيح المعجمي والعامية اليومية، فكانت لغة مستساغة وقابلة أن تفهم من أقل الناس تعليما، أيضا هو جعل اللغة محايدة حيث جعل الحدث والشخصية هي من تتحدث وليست اللغة، أما اللغة عند إدريس فيغلب عليها طابع السخرية واقتناص المرافقة والكوميديا في بعض الأحيان، ولذلك سمي يوسف إدريس تشيكوف العرب على اعتبار أن أدبه كما أدب الكاتب الروسي تشيكوف الذي يقوم على العواطف والمشاعر وأبنية الشخصية. مختتما حديثه قائلا: "رغم كل هذه الفوارق إلا أنني أرى أن كلاهما له مشروع عظيم وكبير، فنجيب هو نجم الرواية العربية بلا منازع، كذلك يوسف هو نجم القصة القصيرة العربية بلا منازع".

نقاط مشتركة
أما الناقد حسين حمودة، فاعتقد بدوره أن محفوظ وإدريس يلتقيان في بعض الجوانب ويتمايزان في جوانب أخرى. فكلاهما راهن في كتاباته الروائية والقصصية على التقاط عالم غني وممتد ومتشعب، مرتبط بتفاصيل الحياة المحلية المصرية من ناحية، ولكنه مفتوح على آفاق الحياة الإنسانية كلها. كلاهما كان مشغولا بأن يجسد العالم الذي يعيش فيه، وأن يتعاطف مع الناس في هذا العالم، وأن يحلم لهم بحياة أجمل وأفضل من ناحية أخرى. كذلك كان كلاهما مهتما بأسئلة الوجود الكبرى: الحياة والموت والمستقبل الإنساني والزمن وما يفعله بالإنسان.

لكن من ناحية أخرى جسد كل من محفوظ وإدريس عالمه الخاص بطريقة مختلفة، فمحفوظ اهتم بسكان المدن بشكل أساسي، فيما اهتم إدريس بأهل الريف ومشاغلهم وبامتدادهم في المدينة، وكان السبب في هذا أن كل منهما يكتب العالم الذي عايشه وعرفه أكثر من غيره.

ومن ناحية أخرى، يؤكد حمودة على تمايز تجربة كل منهما من حيث الارتباط بالتأملات والذاكرة، بمعنى أن يوسف إدريس عبر عن تجارب حياتية عميقة وغنية من خلال التقاط لحظات عابرة تتجسد فيها أبعاد كثيرة، بينما اهتم محفوظ بتأمل عوالم قديمة ممتدة في أزمنة سابقة ومتعددة، ومن المؤكد أن كل من محفوظ وإدريس يمثل تجربة إبداعية غنية في الأدب المصري والعربي والإنساني كله.
الجريدة الرسمية