رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

في كل كبد رطبة أجر.. حكايات لبسطاء وهبوا حياتهم لأشرس الحيوانات

فيتو

في بلادنا لا يلقى الناس بالا لمسألة الرفق بالحيوان ويقصرونها على طبقة الأغنياء فقط، بل يعتبر البعض أن تعاطف الإنسان مع الحيوان من مظاهر الترف، خاصة في مجتمع، من وجهة نظرهم، يحمل من القسوة ما يكفي ليعادى البشر بعضهم البعض فما بالك بالحيوانات.


في حديقة الحيوان بالجيزة ستجد هؤلاء الذين يراهنون على أجر كل كبد رطبة، عمال بسطاء أفنوا أعمارهم داخل الحديقة لرعاية حيوانات برية لم يألفوا رؤيتها قبل أن تطأ أقدامهم أرض الحديقة، ولم تألف هي أيضا التواجد خارج بيئتها الأصلية في الغابات والصحاري.

يمكن لأي زائر لحديقة حيوان الجيزة الظن أن عمل حراس الحيوانات روتيني وممل ويجلب الغضب للنفس، فالعمل مع الحيوانات ربما تكون مهنة ليست ذات وجاهة في مجتمعاتنا، لكن الاقتراب من هؤلاء يكشف قصص مودة ووفاء غير مألوفه في علاقات البشر مع بعضهم وتظهر جانب مضيء ورحيم ربما نحتاج أن ننقله من علاقة العمال بالحيوانات إلى علاقاتنا اليومية معا في الشارع والعمل والمواقف المختلفة.

كوكو.. أكثر من شامبانزي
حديقة الحيوان بالجيزة لها نجوم يأتي الناس لرؤيتهم من كل حدب وصوب ومن أبرزهم القردة وخاصة الشمبانزي، وبسبب تقارب تلك الحيوانات في تصرفاتها من الإنسان فإن التعامل معها يحتاج إلى ذكاء وفهم لطباعها وهو ما توافر في وحيد محمد المسئول عن القردة والنسانيس في الحديقة، ويمكنك أن تدرك طبيعة مهنته خلال السير إلى جواره في الممرات التي تضم أقفاص القردة على اختلاف أنواعها فتشهد بعينيك الاحترام العجيب من القردة اتجاهه بالوقوف في ثبات وإصدار أصوات تناديه طلبا للطعام.

على مدار 32 عاما تكونت علاقة خاصة بين وحيد والشامبانزي يصفها هو بأنها تشبه علاقة الأب والأبناء خاصة أن من ضمنهم من ولد على يديه، ويحمل له معزة خاصة وهو القرد كوكو صاحب الـ23 عاما. 

حكاية كوكو مع وحيد طويلة فالمحبة التي نشأت بين الإنسان والحيوان، تخطت كل علاقات البشر وأصبحت مثالا يتعجب منه بقية العاملين في الحديقة.

يروي وحيد عن ارتباطه بـ"كوكو" والمواقف التي جمعتهما معا واستعداد كوكو للدفاع عنه ضد أي زائر يحاول الاشتباك معه ولكن القضبان هي ما تمنع كوكو من الفتك بأى شخص يتعرض لوحيد، ويحكى عن ألم الفراق الذي استمر لأسبوعين عندما تم نقل كوكو إلى حديقة الفيوم وشعور الغربة والفقد الذي تمكن من وحيد خلال غياب كوكو وحتى عودته مرة أخرى.

يتمنى وحيد أن يعى زوار حديقة القيمة الكبيرة التي تمثلها الحيوانات النادرة منها، خاصة أنهم يتعاملون معها بناء على تلك القيمة لا كونها بهلوانات هدفها الترويح عنهم فقط، بل التعرف على الحيوان والتعامل معه برحمة، خاصة أن حيوان كالشبمانزي هناك تقارب بينه وبين الحمض النووي للإنسان بنسبة 94%، أي أن المشاعر المشتركة كثيرة لا يتخيل وحيد حياته بدون كوكو أو أي من قردة الشمبانزي في الحديقة ولا يريد أن يفكر في لحظة الفراق التي قد تكون قريبة، وهو ما يجعله حريصا على البقاء مع الحيوانات أطول فترة ممكنة ولولا ضرورة البقاء بين أبنائه ليوم واحد في الأسبوع لكان تواجد بالحديقة يوميا دون انقطاع.

رزق والدببة.. حب ودموع
منذ أكثر من 40 عاما ومحمد رزق مفتونا بالدببة، كان يتردد على الحديقة صغيرا مع والده الذي كان عاملا بها وارتبط الطفل الصغير بقفص الدببة وأصبح المكان الذي يجد فيه ضالته من المتعة حتى قرر العمل في مهنة حراسة الحيوانات منذ 32 عاما ووقتها لم يكن الاختيار بين الحيوانات صعبا فكانت رعاية الدببة هي حلمه الذي انتظره منذ سنوات.

إظهار المحبة والعطف للحيوان ومعرفته عاداته والبعد عن ما يثير غضبه هي مفاتيح العلاقة الوطيدة التي تجمعني الآن بالدببة الأمريكية والروسية الشرسة بطبعها، ومن قبلهم كنت أرعى أشرس الدببة في العالم وهو حسونة الدب القطبي الأبيض والذي كان يخشى جميع من يعملون في الحديقة رعايته عن قرب ما عدا أنا كنت أدخل القفص واقترب منه وانظف الأرض من حوله وأربت على جسده بلطف حتى اعتاد عليّ وأصبحت ثقته فيّ بلا حدود وأصبحنا أصدقاء بشكل كامل وهو يمنحني الأمان الكامل لدرجة أننى كنت ألمس أنيابه الضخمة الحادة بكل أمان.

لحظة نفوق حسونة لن تمحى من ذاكرتي، يوم دلفت ذات صباح إلى مبيت الدببة ووجدته مسجى على الأرض نائما للوهلة الأولى التي رأيته فيها شعرت بانقباض قلبي لكنى حاولت أن اوقظه لعله يكون نائما لكنه لم يتحرك فخرجت والدموع في عيني أنادى المسئولين في الحديقة "حسونة ما بيتحركش" وعقب وصولهم أكدوا لى نفوقه، وقتها لم أشعر بنفسي إلا وأنا أبكي، وكانت تلك المرة الأولى في حياتي التي أتأثر فيها من شيء، حملت يده ووضعتها على قدمي وودعته، ورغم نفوقه عام 2005 إلا أنني قررت تسمية أحد الدببة الروسية التي وفدت إلى الحديقة قبل 3 أعوام باسم حسونة تخليدا لذكرى هذا الصديق الوفي.

نعيمة "طمرت" فيها العشرة
يبدو الفيل رغم ضخامته من فصيلة الحيوانات الأليفة فهذا ما يبدو عليه عند مشاهدته في برامج عالم الحيوان، لكن الحقيقة أن الفيلة الأفريقية على وجه الخصوص هي حيوانات شرسة بفطرتها ولا يعتمد عليها في الاستعراضات في السيرك لصعوبة السيطرة على غضبها، لكن رغم ذلك نجح صالح محمد الذي يعمل في حديقة الحيوان منذ 18 عاما، في تكوين علاقة خاصة مع أنثي الفيل الأفريقية نعيمة لدرجة جعلته يصف تلك العلاقة إنها تجاوزت المودة بينه وبين البشر وحسب تعبيره" الإنسان مبيطمرش فيه زي ما بيطمر في نعيمة".
لا تترك نعيمة الفرصة لأحد من الزوار للشجار مع عم صالح فهى تبادر بإبعاد أي زائر يتجاوز مع حارسها من خلال نثر الأتربة أو المياه تجاهه، ويقول صالح حتى الآن لم أجد في حنان نعيمة ورغم فطرة الفيل الأفريقي الشرسة إلا إنها في غاية اللطف والمحبة معى وبالمثل أنا لا أقبل أن يعاملها أي أحد بشكل يغضبها أو يغضبني أنا شخصيا وإذا حدث ذلك يكون قراري إدخالها للمبيت وإبعادها عن الجمهور حتى يعلم الزائر المتجاوز قيمة هذا الحيوان.
Advertisements
الجريدة الرسمية