رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

عبد الغفار شكر: ثورة يوليو أنقذت عائلتي من جحيم الإقطاع.. لكنها كرست السلطوية لا الديمقراطية

فيتو


  • تنحي الملك فاروق أسعد لحظات حياتي

في تمام الساعة السابعة ونصف صباحًا، وعلى مقهى أمام مدرسة طلخا الثانوية بنين، بمحافظة الدقهلية، وقف الصبي عبد الغفار شكر، في انتظار بداية اليوم الدراسي، وإذا بقنوات الإذاعة تتوحد، الجميع يترقب، يتحرك صاحب المقهى نحو المذياع، يحاول أن يرفع صوته ليسمع الجميع، فهو يمتلك الراديو رقم ٦ والأخير بين من يمتلكون هذا الجهاز في القرية بأكملها، ثوان ويتلو البكباشي محمد أنور السادات البيان الأول لثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢.


يسترجع السياسي المخضرم- الذي يتولى منصب نائب رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان المصري حاليا ونائب رئيس مركز البحوث العربية والأفريقية بالقاهرة ورئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي السابق أمين التثقيف في التنظيم الشبابي الاشتراكي السابق وعضو المكتب السياسي لحزب التجمع الوطنى التقدمى الوحدوي سابقا- تفاصيل ذلك اليوم التاريخي:«كنت حينها في الصف الثاني الثانوي، أجلس على المقهى أمام المدرسة، وبمجرد أن أذيع البيان الأول هرولت أنا ورفاقي إلى داخل الفناء، احتفلنا وأضربنا عن الدراسة في ذلك اليوم، وأعلنا انضمامنا للثورة وللضباط الأحرار، وبدأت منذ هذه اللحظة أتابع أخبار الثورة باهتمام شديد»

وتابع: «في تمام الساعة السادسة، أذيع البيان الثاني للثورة، كان بمثابة انتصار شخصي لي، والذي أعلن فيه مجلس قيادة الثورة تنحي الملك فاروق، ومغادرته للبلاد، سمعت الخبر في محل بقالة بجوار منزلنا، وتكلفت أنا بشكل لا إرادي بإذاعة الخبر لأهالي القرية، الذين انضموا لي تباعًا حتى تحول الأمر إلى مظاهرة شعبية، كنت أشعر بسعادة بالغة وكأني أخذت ثأر أبي وعائلتي المشردة»

لـ«شكر» وعائلته ذكريات أليمة مع الإقطاع، وهو ما يفسر مناصرته للثورة منذ اللحظة الأولى يقول:" كان لدى ثأر بايت مع الإقطاعيين والإقطاع، ففي عام ١٩٤٦، كنت ابن عشر سنوات، كان والدي الذي يبلغ من العمر حينها ٣٤عامًا، عمدة قرية تيرة مركز طلخا محافظة الدقهلية، وكانت ضمن أملاك عميد الإقطاعيين حسن باشا بدراوي عاشور، الذي كان يمتلك ٤٥ ألف فدان في زمام ١٤ قرية، وكان قراره بخوض انتخابات مجلس النواب كمرشح عن الكتلة الوفدية أو ما عرف بـ«الأقلية الملكية» لمؤسسها مكرم عبيد باشا، أمام على مروان، مرشح الوفد بداية الصدام بينه وبين عائلتي».

يذكر شكر الأحداث جيدًا رغم مرور عشرات السنين يقول:" طلب بدراوي باشا عاشور، من والدي باعتباره عمدة القرية، أن يأمر الفلاحين، بقطع الطريق عن فؤاد سراج الدين باشا، سكرتير عام حزب الوفد في جولته لدعم مرشح الوفد على مروان، وهو ما رفضه أبي، وهنا استأجر بدراوي باشا فلاحين من قرى أخرى، لمواجهة فلاحي قريتنا، ومنع وصول فؤاد سراج الدين باشا، وما كان إلا أن فلاحي القرية طاردوا اتباع عاشور إلى أن وصلوا إلى قصره، وكانت لحظة بمثابة انكسار لجبروته، وهو ما اضطره فيما بعد للإقامة الدائمة في القاهرة» وقد كان لتلك الواقعة تأثير كبير على حياة عائلة شكر:«شُرد والدي وأقيل من العمودية، وطرد أعمامي من مناصبهم، ولم يمر عام على الواقعة، حتى مات أبي كمدًا، وتبدلت أحوالنا المعيشية، قررت منذ هذه اللحظة أن أقرأ في مختلف المشارب، وأشمل وعيًا سياسيًا واجتماعيًا في مواجهة الإقطاع، من خلال أنشطة القرية»

اقتصاديا، قوانين الإصلاح الزراعي، كانت انتصار من نوعٍ آخر لدى عبد الغفار شكر، الشاب الواعي المتحمس لثورة يوليو، يقول: "أحدثت الثورة عدلا اجتماعيًا وحركت الوضع الطبقي الراكد في مصر، ووزعت أراضي الإقطاعيين على الفلاحين فانتعش الاقتصاد، ونقلت المجتمع المصري من اقتصاد متخلف راكد ووضع طبقي ظالم ومغلق إلى اقتصاد نامٍ، وظهرت طبقة صناعية جديدة بعدما كانت هناك هوة كبيرة بين الطبقات، باستثناء محاولات متواضعة لأبناء الطبقة الوسطى".

وأضاف: "إنشاء الهيئة الاقتصادية، كان بمثابة طفرة في مجال التصنيع، والاتجاه نحو إنشاء المصانع الحربية والحديد والصلب، وغيرها من المشروعات الصناعية الضخمة، بخبرة كبار الأكاديميين والمتخصصين، وهي المقومات التي عادة ما تكون قوامة أي اقتصاد ومجتمع صناعي قوي، أيضًا افتتاح المصانع، أعطى فرصة لظهور طبقة العمال مرة أخرى، وتحويل الفلاحين إلى عمال، فضلا عن توسع جهاز الدولة، وبالتالي إيجاد فرص عمل جديدة".

١٩٥٦ يقول عنها إنها فاصلة: "كنت طالبا في كلية الآداب جامعة القاهرة، رأيت بأم عيني في مخرج نفق شبرا سيارة نقل كبيرة بها أسلحة لتسليح الشعب ضد قوى العدوان «إنجلترا، فرنسا، إسرائيل» ودأبت القوى السياسية على تشكيل كتائب فدائية، لولا أن العدوان فشل، واكتفوا بوقف إطلاق النار، وعلى المستوى الخارجي مصر كانت حجر الزاوية تحققت عام ١٩٥٨م، الوحدة العربية بين مصر وسوريا، ودعمت مصر حركات التحرر في أفريقيا وبقوة، وجاءت على رأسها الجزائر، وظلت داعمة رئيسية للقضية الفلسطينية".

سياسيًا، حاربت الثورة الاستعمار وأجلت الإنجليز عن مصر، وحُلت الأحزاب السياسية، يقول شكر:" الأحزاب المصرية، خيبت الآمال، حتى حزب الوفد، صاحب التاريخ الديمقراطي الوطني، وزعيمه الذي كان له شعبية كاسحة، انحاز للملك، وهو ما استغلته الدولة وحلت الأحزاب جميعها بمختلف توجهاتها، حينها كان هذا الوعي السائد، ولم نكن ندرك أن النظام الديمقراطي قوامه التعددية الحزبية»

منظمة الشباب الاشتراكي، كانت محطة مهمة في تاريخ عبد الغفار شكر مع الثورة، ففي عام ١٩٦٢، عمل في الإدارة المحلية، بمركز بلقاس، محافظة الدقهلية، وكان حينها مدير التوجيه القومي، المعني بتنظيم دورات تدريبية تثقيفية، ولاسيما تشكيل الوعي السياسي لدى أبناء القرى.

في عام ١٩٦٤ تم ترشيحه لعضوية منظمة الشباب، وفي عام ١٩٦٥ تم اختياره و١٥ آخرين من أصل ٩٠٠ شخص، كموجه للتثقيف السياسي في المنظمة، ولم يكن حينها له أي توجه سياسي، ولم يكن للمنظمة هيكل تنظيمي في المحافظات، بل كانت في العاصمة فقط، تولى شكر تدريب طلاب كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، الذين كان منهم الدكتور مصطفى الفقي، والدكتور أسامة الغزالي حرب، وإيضًا من الطلاب الآخرين الدكتور منى ذو الفقار، وسيد حجاب، وعبد العظيم المغربي وغيرهم.

يحكي المفكر الكبير واقعة جمعته والشاعر الراحل سيد حجاب، وهو يساري التوجه، يقول": سيد كان صديقي، وكان شيوعيا، قلتله امشي من المنظمة لو عرفوا أنك شيوعي هتتحبس، وكان هناك مجموعة من الشيوعيين، ولكن لم يكشفوا عن هويتهم، ولكن قرناءهم أرشدوا عنهم، مع أنهم شباب وطني وواع، ولديه منطق، وهو ما استغلته أجهزة الدولة، وحملت المنظمة بعد هزيمة ١٩٦٧، جزءا كبيرا من الهزيمة، باعتبار أن الشيوعيين بداخلها كانوا سببًا رئيسيا في النكسة، وهذا غير صحيح، وعلى أثر ذلك عوقب الدكتور حسين كامل بهاء الدين، الأمين العام للمنظمة آنذاك، وتم إحالته إلى أمين المهنيين، وكنت حينها الأمين المساعد للمنظمة، لكن بعد رحيل الأمين العام، الداعم الأكبر لي، رفض أغلب الموجودين استمراري، وعدت إلى بلقاس ولوظيفتي في الإدارة المحلية، ولم أستمر في الوظيفة شهرين، حتى تم ترشيحي لعضوية المكتب الفني أمانة التثقيف في الاتحاد الاشتراكي، برئاسة ضياء الدين داوود، وبالفعل نظمنا دورات لأمناء المراكز والمحافظات»

تم حل الاتحاد الاشتراكي بعد وفاة الرئيس جمال عبد الناصر، وتقلد الرئيس محمد أنور السادات، أحد الضباط الأحرار، رئاسة البلاد وأعلن المنابر الثلاثة في ١٩٧٦ فكان عبد الغفار شكر، واحدًا من مؤسسي حزب التجمع التقدمي الوحدوي، الممثل للتوجه اليساري، إلى جانب الوفد والحزب الوطني، ورغم إيمانه الكامل بأهداف ثورة يوليو، ينتقد عبد الغفار شكر، آراء الساسة والمفكرين، الذين يرون الثورة بيضاء، بلا خطايا، ويؤكد دائمًا، أن المجتمعات لن تتقدم إلا بالتقييم الموضوعي والمحايد، للأنظمة والأحداث والقرارات والاستفادة منها لتدارك أخطائها، يقول:" رغم كل هذه الإنجازات إلا أن ثورة يوليو أسست للسلطوية، بدلا من أن تؤسس لنظام ديمقراطي يعتمد على التعددية والتداول السلمي للسلطة، ويعطى المساحة للمنظمات الاجتماعية، للنهوض بالمجتمع المصري".


الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ "فيتو"
Advertisements
الجريدة الرسمية