رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

اضطهاد في أوراق رسمية ضد مسلمي «الإيجور» بالصين.. سجون للأطفال تحت لافتة «المدارس الداخلية».. الحزب الشيوعي ينفذ مخطط «تفريق الأسر».. وتقارير أجنبية تكشف المستور

فيتو



«صمت دولي.. تقابله معاناة دائمة».. هكذا يمكن وصف الأزمة الطاحنة التي تعاني منها الأقلية المسلمة في الصين من الاضطهاد والتمييز العنصري منذ عشرات السنين، دون تحرك أو تسجيل موقف رسمي من شأنه أن يجبر الحزب الشيوعي الصيني الحاكم على وقف الانتهاكات التي يمارسها ضد الأقلية المسلمة، ما أدى إلى تفاقم الأزمة وتضاعف الإجراءات الرسمية المتخذة ضدهم على مدار الأشهر القليلة الماضية.


الوجود
وبالنظر إلى تاريخ وجود المسلمين في الصين، نجد أن الظهور الأول لهم كان في القرن السابع، عن طريق القادمين من الشرق الأوسط، والذين أقاموا أول مسجد في البلاد بميناء جوانزو التجاري، ليمارس العرب والفرس المسافرون من التجار شعائرهم داخله، وفي تلك الأثناء، قرر بعض التجار الإقامة في الموانئ الصينية، وبعض الأماكن المختصة بالمسائل التجارية بالقرب من طريق الحرير.

بمرور السنوات وتحديدًا خلال القرن الثالث عشر.. الوضع تغير قليلًا، فمع تولي سلالة «يوان» المنغولية مقاليد الحكم، تزايدت أعداد المسلمين القادمين للصين بنسب غير معهودة، وعمل عدد منهم لدى الحكام الجدد من سلالة جنكيز خان، خاصة من مسلمي بخارى وسمرقند، إضافة إلى تجنيد مئات الآلاف من شباب منطقة آسيا الوسطى، ونقلهم إلى الصين للمساعدة في السيطرة على الإمبراطورية المغولية.

بداية المأساة
ومع مرور الوقت وخلال القرن الثامن عشر، اعترض بعض السكان الأصليين على زيادة نسب المهاجرين، وبالأخص المسلمين، وشهدت البلاد عدة ثورات وحملات متمردة ضدهم، لكن تم قمعها، وعاش المسلمون لقرون في سلام مع الفئات المختلفة من الشعب الصيني، وخلال القرن الماضي، عندما تأسست جمهورية الصين الشعبية، أقبل علماء الأنثروبولوجيا بناءً على توجيهات سياسية، على تقسيم فئات المجتمع إلى 56 جماعة على أسس عرقية، منها الديني والتاريخي والجغرافي واللغوي، وكان من بينهم 10 جماعات تم تصنيفها كأقليات مسلمة وهي «الإيجور ودونج شيانج وهوي والقازاق وسلار وبونان والأوزبك والقرغيز، والتتار والطاجيك».

ومع تصاعد ما يسمى بـ«الثورة الثقافية» خلال ستينيات القرن الماضي، أقبلت جماعات الحرس الشيوعي الأحمر التابعة للحزب الشيوعي الحاكم، على تدمير المساجد وحرق نسخ من القرآن، إضافة إلى حرمان المسلمين من أداء فريضة الحج، لكن بعد وفاة الزعيم الصيني ماوتسي تونج، بدأ الشيوعيون في منتصف السبعينيات اعتماد سياسات أقل حدة مع المسلمين، وبحلول عام 2001م ووقوع أحداث 11 سبتمبر، تصاعدت النعرة العرقية من جانب الشيوعيين للأقليات المسلمة.

العنصرية
وتم رصد أحداث عنصرية وعنف ضدهم، وصلت لأشدها خلال عام 2009م، بالأخص بين مسلمي الإيجور والصينيين الهان في مقاطعة شينجيانج، ومن وقتها تبلورت العنصرية ضد الأقليات المسلمة بشكل أكبر عن طريق فرض الحكومة الصينية لقيود اجتماعية وسياسية على مسلمي «الإيجور» والأقليات المسلمة الأخرى، وكان أبرزها إصدار قانون يقضي باحتجاز المسلمين الذين يعيشون في الإيجور غرب الصين، واتخاذ إجراءات تلزم الموظفين في الأماكن العامة مثل المطارات والمحطات منع النساء المرتديات للزي الإسلامي وإبلاغ الشرطة عنهن، كما أمرت أقلية الإيجور بتسليم المصاحف وسجاجيد الصلاة وإلا سيواجهون عقوبة مشددة.

التعليم
ومن أحدث الانتهاكات التي تمارسها الصين ضد المسلمين بها، المدارس التي أنشأتها بزعم توفير أبسط الحقوق لأطفال المسلمين وهي التعليم والحماية من الفكر المتطرف، وحتى تستخدمها كوسيلة لتكذيب الاتهامات الموجهة للحزب الشيوعي ببكين، بشأن استهداف المسلمين وتعذيبهم.

وذكر معهد «جلوبال سيرش» الأمريكي أن «الحكومة الصينية أقامت مدارس خاصة للمسلمين في إقليم شينجيانج المنعزل، وبالأخص في منطقتي دابانتشين وهوتان، موضحا أن «الهدف منها عزل الأسر المسلمة عن أطفالهم الذين تتم إعادة هيكلة ثقافتهم الدينية وزرع حب الفكر الشيوعي في عقولهم»، وخلال تحقيق أجراه المعهد عن المدارس تلك، كشف أن الحكومة الصينية تأخذ الأطفال عنوة، مشيرا إلى أن الأسر التي ترفض الأمر يتم عقابها بالسجن أو التعذيب.

وأضاف أن المباني التي تشبه المعتقلات، والتي يطلق عليها اسم «مدارس» ما هي إلا سجون يتم فيها فصل الأطفال عن عائلاتهم ولغتهم وديانتهم، من أجل خلقهم من جديد، مبينا أنه يتم تقسيم الأطفال في معسكرات ضخمة، فتفصل الحكومة الأطفال دون العاشرة في مبانٍ، وهناك معسكرات أخرى للأطفال من سن 10 حتى 18 عاما، وأخرى لمن هم أكبر من ذلك، موضحا أن الصين تضع بالأخص أبناء العائلات السلفية في تلك المدارس، وذلك بعد أن اعتقلت الآلاف منهم وهدمت مدارسهم.

سجون صغيرة
كما أشار المعهد إلى أن صور الأقمار الصناعية التي التقطت مؤخرا، كشفت بناء مدارس ضخمة في عدة ملاعب ظلت مهجورة لسنوات، مشيرا إلى أنها محاطة بأسوار ضخمة وسياج من الأسلاك الكهربائية لمنع الاقتراب منها، وذكر أن اللغة المستخدمة في تلك المدارس هي اللغة الصينية الرسمية، كما أنها تدرس الفكر الشيوعي والمبادئ التي يقوم عليها، أما بالنسبة لزي الطلبة فممنوع ارتداء الحجاب، وتعاقب الفتيات اللاتي يرتدينه بالسجن أو الضرب أو الحرمان من الطعام لأيام.

بدورها.. أكدت صحيفة «الجارديان» البريطانية، أن أكثر من مليون شخص موجودين في تلك المدارس، ورصدت شهادات بعض أهالي الأطفال الذين تم أخذهم بالقوة منهم، فقالت سيدة، رفضت الكشف عن هويتها: إن «الشرطة الصينية اقتحمت منزلها وأخذت أطفالها الثلاثة، الذين تتراوح أعمارهم بين 3 و6 سنوات منذ أشهر ولا تعلم شيئا عنهم»، موضحة أنه لا توجد أي وسيلة للتواصل بهم، في حين قالت أخرى، وتدعى أمينة: إنه تم إخبارها أنه تم أخد أولادها لدور رعاية، لكن لم يسمح لها بمعرفة مكانهم.

ووجدت صورة على الإنترنت لابنتها وهي ترتدي الزي الرسمي التقليدي للصين، وأوضح عبد الرحمن التوهي، ويعيش بتركيا، أن زوجته أخذت أطفالها وعادت لموطنها منذ 3 سنوات لزيارة جدتهم ببكين، ولم يسمع عنهم شيئا منذ ذلك الحين، وبعدها بعام ونصف شاهد فيديو على الإنترنت مننتشر لولده الذي لم يبلغ الـ4 سنوات وهو يتحدث بالصينية وليس باللغة الأويجورية.

وذكر أدريان زنز، وهو محاضر في المدرسة الأوروبية للثقافة واللاهوت في ألمانيا، وأجرى بحثا متعمقا عن تلك المدارس وقام بعدة زيارات للصين، أن تلك المدارس تعمل تحت أسماء متعددة منها مدارس إصلاحية أو دور رعاية، مؤكدا أن الإحصائيات الحقوقية أكدت أن نحو 1.5 مليون طفل موجود في تلك المعتقلات، كما أشار إلى أنه لا توجد عائلة من طائفة الإيجور في الصين لا يوجد أطفال لها في تلك المدارس، وأنه تم ضم أطفال مجموعة الكازاج وأقليات مسلمة أخرى لها مؤخرا، في حين اختفى أكثر من 400 طفل فجأة من بعض المدن، ولا يعلم عنهم أحد شيء.

تعقب
ومن جهتها.. ذكرت شبكة «بي بي سي» أن بعض الأطفال لا يتجاوز عمرهم السنتين وأخدوا من أسرهم منذ سنوات ولا يعلم أحد عنهم شيئا، وأكدت أنه يتم تعقب الصينيين المسلمين الذين يعيشون بالخارج وحين عودتهم يتم اعتقال أطفالهم في الحال، موضحة أنه تم إنشاء مئات المدارس خلال عامي 2017 و2018، ومعظمها في المناطق التي تسكن فيها طائفة الإيجور، حيث بلغت نسبة بناء تلك المدارس 148%، وبينت أنها حاولت القيام بجولة للتعرف على تلك المدارس عن قرب، ولكن لم تستطع أن تصل إليها حيث إن الشوارع المؤدية لتلك المدارس مغلقة بالكامل وممنوع تجاوزها، مؤكدة أن بعض البالغين المختطفين ظهروا في فيديوهات يرددون شعارات تحيي الحزب الشيوعي، وتؤكد ولاءهم للحكومة وعداءهم لكل الطوائف التي تخالفها ومن بينهم الإيجور.

ورغم كل الانتقادات الأممية لتلك المدارس ودعوات المراكز الحقوقية بالكشف عن مصير الأطفال المختطفين، إلا أن الحكومة الصينية ترفض التقارير التي تؤكد وجود معتقلات للأطفال تحت مسمى «المدارس الداخلية»، وتنفي اختفاء أكثر من مليون ونصف طفل من أسرهم، بل وتتفاخر بدور المدارس الداخلية مدعية أنها تساعدها في إعادة تنشئة جيل يحمل الولاء لبلده والحزب الشيوعي الحاكم، كما وفرت عدد من المدارس المزودة بكل خدمات الترفيه وأتاحت التصوير بها لوسائل الإعلام، مدعية أنه تم ضم الأطفال لتلك المدارس لتعليمهم بشكل صحيح، وشبه أحد كبار المسؤولين بإدارة الدعاية في شينجيانج، ويدعى ينكر شو جوي شيانج، أن أطفال المسلمين ليس لديهم آباء، ولذلك على الدولة رعاية عدد كبير من منهم، وتأهيلهم.

"نقلا عن العدد الورقي..."
Advertisements
الجريدة الرسمية