رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

محمود عبدالدايم يكتب: "أجراس نصر الله".. ثلاثية "المفتاح والعين والميلاد"

فيتو

اختصار الوطن في حدود.. تراب.. بيوت حتى، سيكون نوعًا من الجهل الأعمي بـ«أبجدية الحياة»، فالوطن.. نحن.. الآباء.. الأبناء.. الأحفاد.. الأجداد.. الكبار.. الصغار.. الجميع.. الوطن «بشر» ثم تأتي البقية.. البشر عمود الخيمة الأساسي.. الرئيسي.. الوتد الذي يحميها من السقوط.. وإن كان يمنحها في أحيان أخرى فرصة التمايل تفاديًا لريح عاتية.. تأتي وتمر سريعًا.. ودائما تأتي وتمر!


لا يمكن أن تقرأ «ثلاثية الأجراس.. ظلال المفاتيح، نور العين، ودبابة تحت شجرة الميلاد»، للأديب والروائي الفلسطيني، إبراهيم نصر الله، دون أن تصل إلى الحقيقة هذه، حقيقة مفادها أن البشر «عماد الأوطان»، أصل المقاومة.. ويأتي بعد ذلك السلاح.. التظاهر.. الصمت حتى.. مادام البشر حاضرين.. متصدرين المشهد.. فـ«للوطن قلوب وأجساد تحميه».

كعادته.. منذ مشروعه الروائي العظيم «الملهاة الفلسطينية» الذي يضم روايات (قناديل ملك الجليل، زمن الخيول البيضاء، طفل الممحاة، طيور الحذر، زيتون الشوارع، مجرد 2 فقط، أعراس آمنة، تحت شمس الضحى) يأخذك «نصر الله» - مع حفظ الألقاب والمقامات- من يدك إلى هناك.. إلى فلسطين.. ليس فلسطين التي نسمع عنها في الأخبار، أو التي نتابع انتفاضاتها الواحدة تلو الأخرى على شاشات التليفزيون، لكنه يأخذنا إلى «فلسطين الحقيقية»، فلسطين التي تمتلك بشرًا.. تاريخًا.. حكايات طويلة للمقاومة والمواجهة والصمود.

في جديده «ثلاثية الأجراس».. يمسك الروائي الفلسطيني «نصر الله» بيدك.. يضعك هناك على أرض «رأس السرو».. القرية الفلسطينية التي هزمت غرور العدو الصهيوني.. كسرته.. أهانته.. غرزت بقوة صاحب الأرض أنفه في التراب.. وتركت جبينه ملطخًا بالعار لأكثر من نصف قرن.

التاريخ لم يكن حاضرًا في ثلاثية «نصر الله» كما اعتدنا عليه، لكن الروائي الفلسطيني صنع تاريخًا من نوع خاص.. تاريخًا كان الصورة، التي أبدع الكاتب في التقاطها، بطل الروايات الثلاث.. كانت المقاومة حاضرة في كل فقرة.. كل جملة.. كل حرف كان يصرخ «تحيا فلسطين»، والغريب هنا أن المقاومة لم يجعلها صاحب «ثلاثية الأجراس» حكرًا على البشر.. بل كانت الطبيعة هي الأخرى تقاوم.. الحيوانات تقاوم.. الطيور تقاوم.. كان فلسطين بكل ما على أرضها يقاوم.. فـ«ناحوم» الصبي صاحب الـ17 خريفًا هزمته في بيت «أم جاسر» بقرة، خلال أحداث رواية «ظلال المفاتيح».. و«ناحوم» الذي تحول إلى المحقق «داود» في رواية «دبابة تحت شجرة الميلاد» هزمته للمرة الثانية أبقار «بيت ساحور» ودجاجها وكلابها وقططها وأحصنتها أيضا.. حتى سيارة «سلامة» وقفت حائلًا دون تحقيق أمنيته القذرة بـ«قتل الجميع».

أما في «نور العين» فكانت الأماكن هي الأخرى تقاوم.. الكنائس.. البيوت.. القصور.. الأسطح.. وإلى جوارها يقف البشر ليثبتوا زيف الكذبة الصهيونية «العروس الجميلة التي تبحث عن زوج»، ويؤكدوا أن فلسطين متزوجة بشعبها.. ليس هذا فحسب، لكنها زوجة وأم لملايين الأطفال.. الأبطال.

الممتع أثناء قراءة «ثلاثية الأجراس» أنها ستجعلك على حافة كل شيء.. على حافة الانهيار عندما تطير بيت «رأس السرو» في الهواء، عندما يقذف «ناحوم» بجثة الطفل الفلسطيني، عندما يعلو صوت الجرافة ليهدم القرية التي صنعتها «مريم».. كما ستجعلك على حافة الضحك.. عندما تدور مع «ناحوم» باحثًا عن البقرات في بيوت «بيت ساحور»، عندما يحدثك «سلامة» عن واقعته الشهيرة عندما اصطدمت سيارته، التي تحولت بعد ذلك إلى تابوته- بسيارة المندوب السامي البريطاني، مؤكدًا أنه لو كل سيارة فلسطينية اصطدمت بسيارة محتل لأصبحت فلسطين لأهلها منذ سنوات طويلة، وما احتجنا لحجارة الأطفال أو بيانات ووعود القادة الكبار، وعندما يطفئ «زيدان» الأنوار.. ويدور حول كل من في الغرفة هامسًا في أذن كل واحد منهم «تحيا فلسطين» ستكتم دموعك.. ستسمع الهمسة في أذنك.. ستبكى.. ستندم.. وفي النهاية ستصبح مثلهم «ستقاوم» رافضًا أن يأتي يومًا وتصبح عبارة «تحيا فلسطين» مجرد همس ولا شيء آخر..! 

وبعيدًا عن البكاء والضحك والسخرية والانهيار.. تأتي «المرأة» التي صنع منها «نصر الله» أيقونة في أحداث الروايات الثلاث، بدءًا من «مريم» في «ظلال المفاتيح» ومرورًا بـ«كريمة» في «نور العين»، و«مرتا» و«رولا» و«فاتن» و«كاترين» وبقية النساء الجميلات المناضلات في «دبابة تحت شجرة الميلاد»، لن تفوتك هالات الضوء والنور التي يحيط بها «نصر الله» نساء رواياته.. ستنعكس على وجوههن البيضاء، الضاحكة أحيانا، المتعبة دائما، المشرقة إلى أبد الآبدين، صورة «فلسطين»، ستخرج كل واحدة منهن لتعطيك درسًا في محبة الوطن.. الذوبان فيه حد الاكتمال.. ستتوحد كل واحدة منهن مع وطنها فتصير هي بدورها وطن.. وقتها ستصرخ بكل ما تمتلك من قوة «تحيا فلسطين».. لن تهمس بها بل ستخرج حروفها عالية.. غاضبة.. نابضة.. ستخرج لتعانق سحب السماء.. وتحجب شموس الاحتلال.. ستخرج لـ«تحيا فلسطين» دومًا.
Advertisements
الجريدة الرسمية