رئيس التحرير
عصام كامل

الفنانة لبنى عبد العزيز : ولدت نجمة شباك.. وأحلم بتجسيد شجرة الدر وحتشبسوت

فيتو

لم تشغلني منافسة سعاد حسني وفاتن حمامة وهند رستم.

أصبت بلعنة الفراعنة في "عروس النيل" وأمضيت 3 شهور مريضة

طبيب أضاف لسني 6 سنوات لأحصل على أجر من الإذاعة


السينما المصرية خسرت رشدي أباظة 10 سنوات.. وهذا ما يميزه عن أحمد مظهر

جميع فناني الجيل الحالي يعتقدون أنهم نجوم ومعهد التمثيل أفسد فكرة الفن
السادات خرب بيتنا بعد إخراجه الإخوان من السجون.. وأحببت عبد الناصر لجرأة قراراته

أجرى الحوار: محمد طاهر أبو الجود
عدسة: حسام عيد

هي شخصية فريدة من نوعها، اجتمعت فيها كل الصفات الجميلة، الرقي والثقافة والأناقة واللطف والكرم والتواضع والذوق والحس والجمال والرقة والأدب والحب في أجمل معانيه.. هي عروس النيل، وفاتنة من زمن الفن الجميل، والحسناء الجميلة التي غنى لها العندليب عبدالحليم حافظ"أسمر يا أسمراني من قساك علي"، و"أول مرة تحب يا قلبي"، ومنحها ملك العود فريد الأطرش قلبه، عندما دندن عل أوتار قلبها بـ"قلبي ومفتاحه دول ملك إيديك"، وذاب دنجوان السينما رشدي أباظة عشقًا في هواها.. هي الحب الراقي في "الوسادة الخالية"، وحرية المرأة في أسمى وأنبل معانيها في "أنا حرة".

إنها الفنانة القديرة لبنى عبد العزيز، صاحبة البصمة المميزة والخالدة في تاريخ السينما المصرية والعربية، فعلى الرغم من أن رصيدها السينمائي لا يتجاوز 15 فيلمًا، إلا أنها استطاعت بفطرتها التمثيلية وموهبتها الفريدة أن تترك رصيدًا فنيًا مميزًا، وأن تشغل مكانة خاصة عند الملايين لم يملأها أحد بعد غيابها. 

بعد عدة محاولات وفقنا في لقاء لبني عبدالعزيز في منزلها الراقى، والملفت للأنظار في حي الزمالك، لتتحدث وتروي لـنا أبرز حكاياتها مع نجوم الزمن الجميل، على رأسهم رشدي أباظة، أحمد مظهر، وكواليس دخولها عالم التمثيل، وقصة لعنة الفراعنة التي أصابتها في "عروس النيل"، وأسباب انفصالها عن المنتج رمسيس نجيب، وأسرار تركها التمثيل والهجرة إلى أمريكا في عز نجوميتها، وأمور أخرى كان الحوار التالي:

*كيف جاءت انطلاقتك في الإذاعة؟
عملت مذيعة في سن 10 سنوات، وقدمت برنامج "ركن الأطفال" على موجات البرنامج الأوروبي، بترشيح من عبد الحميد يونس مدير البرامج الأوروبية بالإذاعة، الذي أبدى إعجابه من طريقة إلقائي للأشعار وذكائي وتلقائيتي في الحديث.

*هل كنتِ تتقاضين أجرًا في هذه الفترة من الإذاعة؟
ظللت أعمل بدون أجر حتى سن الـ15 عامًا نظرًا لصغر سني، ولم أكن بحاجة إلى المال بقدر إشباع رغبتي في النجاح، ولكن ردود الفعل الإيجابية على البرنامج كانت بسبب الأداء المتميز الذي قدمته، وتفوقي على مثيله في "بي بي سي"، دفع المسئولين لإيجاد حل لأحصل على أجر، وبالفعل تم اعتماد شهادة طبيب تبرز أنني أكبر سنًا.. تستعيد شريط الماضي، وتضحك: "الطبيب زود لي سني من 15 إلى 21 سنة، ودخلوا الورقة الحسابات وطلعوا لي شوية قروش، وكنت فرحانة جدا..أيوه، كبرت بقى مرة واحدة، وبعدين دلوقتي نادمة جدًا، فعمري في الباسبور والبطاقة والأوراق الرسمية ليس الحقيقي، ومهما أقول للناس محدش بيصدقني".

*كيف طرقت السينما بابكِ؟
كان المخرج الراحل صلاح أبو سيف دائم التواجد في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، وكان حريصًا على مشاهدة الروايات المسرحية التي نقدمها، حتى طلبني للاشتراك في أفلامه، كما أن الروائي الراحل إحسان عبد القدوس كانت لديه ايضًا رغبة ملحة في أن أصبح ممثلة سينمائية، ولكني لم تكن لدي نفس رغبتهم، حتى فوجئت في أحد الأيام باتصال تليفوني من العندليب عبد الحليم حافظ، يطلب مني الاشتراك معه في بطولة فيلم "الوسادة الخالية"، وكان الأمر دفعًا من عبد القدوس وأبو سيف بعدما فشلت محاولاتهما في إقناعي، وفي النهاية وافقت على بطولة الفيلم.

وفي هذه الفترة كانت شركة الإنتاج ترغب في توقيعي على تمثيل 3 أفلام، منها "الوسادة الخالية"، و"أنا حرة"، ولكني رفضت، وقررت الانتظار لما بعد عرض فيلمي أولًا"، وفي حالة نجاحه يمكنني الاستمرار والاشتراك في أفلام أخرى، أما في حالة عدم سعادتي بالعمل فلن أكرر التجربة مجددًا.. وبالفعل أقنعت الشركة برغبتي، ولكنهم اشترطوا في حال استمراري في السينما أن أكون معهم في فيلمين آخرين، وهذا ما حدث مستقبلًا.

*كيف حدث زواجك من المنتج رمسيس نجيب؟
تزوجنا بعد فيلم "أنا حرة"، وأتذكر أن بعض الأقلام كتبت أن زواجي منه كان بهدف إنتاجه لي عدة أفلام، وأقلام أخرى خمنت وزعمت بأنه تزوجني بهدف "أبيض له بيضة ذهب"، ولكن ما أريد تأكيده وحسمه بعد هذا العمر الطويل، أنه لا صحة لكل هذه الشائعات، والحقيقة أنه بعد نجاح فيلم "الوسادة الخالية" تلقيت 17 عرضًا سينمائيًا، بعيدًا عنه، لذلك لم يكن لي مطمع في الزواج منه.. وأود أن أؤكد أنني أدين لرمسيس نجيب بالشكر والعرفان؛ لأنه من علمني كيف أكون ممثلة سينمائية، والتعامل مع الجمهور، والنطق الصحيح للعربي واستفدت منه جدًا.. وبالرغم من أن رمسيس نجيب كان منتجًا كبيرًا، إلا أنه قبل فيلم "الوسادة الخالية" لم يقدم شيئًا؛ حيث كان يعمل كمدير إنتاج، وعندما نجح فيلمي الأول، أصبح مكتشف الوجوه الجديدة ومنتجا كبيرا ومنح العديد من الألقاب، لذلك أرى أن الاستفادة كانت مشتركة بيننا، وليست لطرف على حساب الآخر؛ حيث كنت أقدم له أفكارًا جديدة، وأوراقا أدبية جيدة، وبعد فترة من زواجنا لم يرد الله تعالى أن تستمر علاقتنا.

*هل جمع بينكما قبل الزواج قصة حب؟
جمعتنا قصة حب سريعة، وكنت أكرهه خلال تصوير "الوسادة الخالية"؛ بسبب شخصيته الصعبة الجامدة والشديدة، فعندما كان يدخل الاستوديو أُصاب بالرعب والهلع والخضة، وأقول لنفسي: "إيه يا رب اللى أنا عملته في نفسي ده.. نفسي الأرض تتشق وتبلعني"، حتى إنني كنت أناشده وأطلب منه: "سيبنا في حالنا وروح بيتكم من فضلك"، فإذ فجأة أحببته بعد نهاية "الوسادة الخالية"، عندما رافقته وصديقتي ابنة الدكتور إبراهيم ناجي، في رحلة سفر بلبنان وسوريا، وقتها حدث تفاعل كبير من الجمهور هناك معي، بشكل وصل من المحبة إلى جذبي من ملابسي، تقديرًا وحبًا لما قدمته في الفيلم، الأمر الذي جعل رمسيس ينظر لي نظرة مختلفة، وأصبح لطيفًا وحنونًا، وبادلته أيضًا نفس الأحاسيس والمشاعر، ومن هنا ولدت قصة الحب بيننا.

*هل كان الانفصال وديًا وبالاتفاق؟
قبل الانفصال دبت الخلافات بيننا، ففي البداية كان الحب جياشًا و"المشاعر هايصة والمخ في إجازة"، ولم نكن ندرك مدلول فارق السن الكبير، والفارق الواسع في مدارك الفكر والثقافة بيننا، ولكن مع الارتباط بدأت الفوارق بيننا تظهر بشكل واضح، إلى أن حدث اتفاق على ضرورة الطلاق.

*يتحدث فيلم الوسادة الخالية عن الحب الأول.. هل يمكنك تذكر حبك الأول.. وهل جسد العمل شيئًا في حياة الفنانة لبنى عبد العزيز؟
تتعالى ضحكاتها وتلمع عينيها: "فيه حب أول كتير"، وأتذكر أن إحسان عبد القدوس نفسه أخبرني بأنه يعتقد بوجود الحب الأول، واستحالة زواله من ذهن الإنسان، وأنه شيء جاد، ويمكنني أن أصف الحب الأول بأنه "بيتحط في ركنة القلب ويتقفل عليه بالضبة والمفتاح". وفي فيلم "الوسادة الخالية" حاولت بكل ما أستطيع أن أبرز في قصة "صلاح وسميحة" أن الحب الأول لا يموت، على الرغم من أن "سميحة" كانت مصرية تقليدية مخلصة ومحترمة، وعدم التفاتها لنداء حبها ومشاعره الفياضة نحوها، إلا أنها كانت تخفي بداخلها حبًا فياضًا نحوه، وأتذكر أن مواطنا صينيا قال لي: "إن الصينيين مغرمون بفيلم الوسادة الخالية، وأن شباب الصين يمرون بنفس القصة التي مر بها صلاح وسميحة".

*جسدتِ مع الفنان رشدي أباظة العديد من الأفلام.. من وجهة نظرك ما هي عظمة دنجوان السينما المصرية؟
تستجمع همتها وحيويتها: "عظمته من جماله، الكاريزما، الحياة، حبه، طريقته اللطيفة مع الناس، ضحكته التي لا تفارق وجهه، كان شخصا غريبا عجيبا ممتازا؛ لذلك يقع الجميع في غرامه".. وأتذكر أن أول ما رأيته كان في فيلم و"إسلاماه"، حيث كان يجسد دورًا صغيرا، الأمر الذي أصابني بالاستياء، وقلت وقتها.. تستعيد شريط الماضي ورد فعلها مع المسئولين عن الفيلم، وتتنهد تنهيدة ملؤها الغضب والألم: "الله..إزاي مديين الراجل ده دور تالت ولا رابع.. انتوا عمي كلكوا ولا ايه؟!..ده المفروض يبقى البطل"..

شخصية رشدي أباظة الطبيعية لا يمكن تصديقها، وكان يضفي أجواءً غير طبيعية في كل مكان يتواجد فيه، تجعل الجميع مغرمًا به وعاشقًا له، حتى إن النمل كان من الممكن أن يشد الرحال إليه من حلاوته- حسب وصفها.

*كيف كان رشدي أباظة يتعامل معكِ في كواليس التصوير؟
ترتسم الابتسامة على وجهها: "كان في منتهى الأدب والذوق، وعندما كنت أدخل غرفتي أجدها مليئة بالورد من أرضها لسقفها، ويتركني 15 دقيقة حتى انتهى من تغيير ملابسي، ويدق على باب غرفتي بهدوء، وبعد أن آذن له بالدخول، ينحني ويقبل يدي، ويقول لي: يا هانم، بعدها أشعر أنني أطير في السماء، وأذوب عشقًا وحبًا له، وأري أنه كان له خلق مميز خلاف الفنانين العمالقة الذين عملت معهم جميعًا، وكانت جاذبيته تصل لثلاثة أميال.

*مع بدايتك الفنية.. حاولتِ تمثيل أدوارا كوميدية، إلا أن صناع السينما كان لهم رأي آخر ما هي حقيقة الأمر؟
*حاولت عديد المرات لعب أدوار كوميدية، ولكن المنتجين الراحلين رمسيس نجيب، وجمال الليثي، رفضا الأمر، وقالوا لي: "دي حاجة بتاعة ماري منيب، وداد حمدي.. أنتِ لأ.. أنتِ جوليت جاردن سيتي"، حتى إن كمال الشناوي كان يشبهني بقطعة "المارون جلاسيه"، ولكن كانت لدي رغبة ملحة في لعب الكوميديا.

*وماذا عن رأيك في الكوميديا التي تقدم حاليًا؟
ما أراه ليس كوميديا ولا يضحكني، وجميع الأعمال الحالية تحمل "نكت بايخة".

*وماذا عن أكثر الأفلام التي تعتزين بها؟
أعتز بفيلم لا يعرفه الكثيرون "آه من حواء"- المأخوذ من قصة لشكسبير، وتم تمصيره بشكل جيد، وجميع الشخصيات أدت أدوارها بشكل ممتاز، ومنهم حسين رياض، وعبد المنعم إبراهيم، ولم يخل الفيلم من كوميديا المواقف، بعيدًا عن "النكتة البلدي" التي تحمل إسفافًا وقبحًا.. وأعتز أيضا بفيلم "هي والرجال" لإحسان عبد القدوس، حيث بذلت في هذا العمل مجهودًا كبيرًا، وأحببته لأنه يحمل هدفا اجتماعيا، وما حدث في قصة الفيلم بين "سنية" الخادمة، وحبيبها الطالب منعم، لا يزال يحدث في مصر، وكذلك في أمريكا، وهذه القصة تؤثر على جدًا حتى وقتنا هذا.

*وما الفارق بين رشدى أباظة وأحمد مظهر؟
لكل منهما شخصيته المختلفة، من الصعب المقارنة بين رشدي أباظة وأحمد مظهر، ولكن الأخير أيضًا كان محترمًا، و"جنتلمان"، وفارس عظيم، ولكنه متحفظ نوعًا ما في التعامل.

*تواجدتِ في فترة فنية غنية بحضور عدد من نجمات الشباك من بينهن هند رستم، فاتن حمامة، وسعاد حسني، وشادية، وماجدة.. كيف كانت المنافسة؟

لم أكن مختلطة بهؤلاء النجمات، ولكن صادف والتقينا، ولكن لم ترتقِ علاقتي بهن إلى الصداقة أو الشلالية، أو السهرات، وكان البعض يحاول مقارنتي بفاتن حمامة وماجدة وشادية، وكان لي رد حاسم في هذا الصدد عليهم: "أنا مالي"، فلم أشغل تفكيري سوى في عملي، وكانوا يقولون إنني الفنانة الوحيدة التي لم تبذل جهدًا أو تعبًا للوصول إلى القمة، مثلما كان حال سعاد حسني، ولم تكن لدي إجابة للرد عليهم، إلا أنني كنت بقول: "نعم نجمة شباك للأفلام الجيدة ذات الجودة العالية، ولا أشارك في فيلم درجة ثانية".

*بطبيعتك لا تحبين الأضواء، وتجتهدين في الابتعاد عنها.. ما السبب في ذلك؟

هذا صحيح؛ فبحكم شخصيتي أميل إلى الانطواء والوحدة، وأجد الكتاب خير جليس.

*وما الذي يسعدك؟
أكون سعيدة عندما أقرأ كتابًا ينال إعجابي، أو أشاهد اكتشافًا جديدًا في العلم، ولا يمكنني إضاعة وقت ثمين أعطاه الله تعالى لنا هدية في النميمة مع أناس لن أراهم مرة أخرى.

*يعتبر فيلم "عروس النيل" من كلاسيكيات السينما المصري.. احكِ لنا عن تجربتكِ في هذا العمل؟
أنا صاحبة فكرة الفيلم، ونالت إعجاب المخرج فطين عبد الوهاب.. تدخل في نوبة ضحك: "العيال الصغيرة لحد دلوقتي بتجري ورايا يا هاميس.. يا بتاع الجاز".

*وماذا عن ذكرياتك في كواليس تصوير "عروس النيل"؟
تسترجع أجمل ذكرياتها في الكواليس: "هذا الفيلم بالذات كان فيه لعنة فراعنة 100%؛ قعدت عيانة ومريضة 3 شهور، والاستوديو متأجر ومبنى الديكور، والمنتج بيدفع كل يوم، وأنا في المستشفى، وبعد ذلك بعتوا لي دكتور لكى يجدوا حلا معى؛ لأن الشركة كانت ستفلس، وأكملنا تصوير والسرير على البلاتوه من شدة مرضي، حيث كنت أصور مشهدا وأخلد للنوم.

*ما السبب وراء مرضك وذهابك للمستشفى خلال تصوير "عروس النيل"؟
كنت أسير حافية القدمين معظم الوقت، وخلال تصوير أحد المشاهد تمكن مسمار طويل من النفاذ لقدمي، تضحك وتتذكر ما حدث: "جاء المسمار من آخر الاستوديو علشان يدخل في قدمى"، لذلك كان الفيلم متعبًا للغاية.

وماذا عن فيلم "أنا حرة"؟
كنت أتحدث مع نجل إحسان عبد القدوس، خلال زيارته لي منذ فترة قريبة، وأكد لي أن رواية "أنا حرة" الأكثر طباعة، وهذا لم يحدث إلا بعد الفيلم، وهذا أمر أفتخر به، ولا تزال بعض الفتيات تتواصل معي وتشكرني بسبب دعمي لقضية تحرر المرأة من القيود منذ أوائل الخمسينيات، وفي إحدى المرات قال لي الناقد الفني عصام بصيلة: "اشمعنى أنتِ اللي بنفكر فيكي ونقول، هاميس، جهاد، نور، سميحة، ولا نقول لبنى عبد العزيز أو شادية أو ماجدة"، فأجبته: "علشان بتنسي إنها لبنى عبد العزيز، وتفتكر سميحة، وكل شخصية تجسدها، ودي كانت تربيتي في التمثيل".

*هل تحرصين على مشاهدة أفلامك؟
على الإطلاق.. لا أحب مشاهدتها، وفي حالة صادفت فيلمًا لي خلال تنقلي بين قنوات التليفزيون، أكون حريصة على تغيير القناة فورًا.. تصمت قليلًا وتؤكد: "جميلة، ولكن مبحبش أشوف أفلامي؛ بحس باستمرار إني مقصرة، فبتضايق.. أتضايق ليه بقى الحياة قصيرة".

*وماذا عن رأي بناتك سارة ومريم إسماعيل برادة في أعمالك وتاريخك الفني؟
دائمًا يحرصن على مشاهدة أفلامي في وجودي.. تتذكر مشهدا حاولت إحدى بناتها مشاهدة فيلم لها، وتضحك: "قلت لها لو صممتي هسيبلك البيت وأمشي".

*هل تحرصين على مشاهدة الأفلام الأخيرة؟
لا أشاهد فيلما عربيا إلا إذا كان أبطاله الراحل أنور وجدي، والراحلة ليلى مراد، والعظيم نجيب الريحاني، الذي أعتبره ورشدي أباظة من العلامات المميزة في تاريخ الفن المصري، ولا يمكن تعويضهما، وأرى أن الممثلين العظماء الذين لم يلتحقوا بمعهد التمثيل، كانت لهم بصمات قوية في تاريخ السينما المصرية، وقدموا أعمالًا أفضل من خريجي المعهد مثل زكي رستم، وزينات صدقي، واجعلني أقول لك بصدق: "معهد التمثيل بوظ فكرة الفن وأصابه بالعمى، وجميع الفنانين من الجيل الحالي أصبح يعتقد أنه نجمًا وغاب عنه أنه ممثل".

*وماذا عن أكثر كوميديان يغمرك بالضحك كلما سنحت لكِ الفرصة مشاهدة أعماله؟
بابتسامة عريضة: "نجيب الريحاني أكتر كوميديان بيضحكني".

*وماذا عن الزعيم عادل إمام؟
تظهر على وجهها امتعاضة واشمئزاز، وتجيب بتعليق مقتضب: "آخر فنان كوميديان شوفته فؤاد المهندس- وتضحك".

*هل ترين نفسك في إحدى فنانات الجيل الحالي؟
لا أرى فنانة واحدة تعجبني، جميعهن مقلدات، وبعد تراجع الفن، أصبحت لا أهتم إلا بمتابعة نشرات الأخبار فقط، وعندما أصاب بالتعب والملل، أشاهد فيلما قديما جدًا، وعندما عدت من أمريكا أصبت بالضيق من الحال الذي وصل إليه الفن، فلم أر فيلما واحدًا يعجبني سوى "الحرام"، ودور سناء جميل في "الزوجة الثانية"، ويؤسفني أن مصر ثاني بلد نهضت بالسينما، بعد فرنسا، يتدهور فيها الفن بهذا الشكل، ويصبح مشهد البلطجة والضرب والحرق هو المسيطر.

*ماذا عن الدور الذي كنتِ تحلمين بتجسيده؟
أتمنى تجسيد العديد من الأدوار التاريخية لسيدات مكافحات، مثل شجر الدر؛ كونها شخصية "تجنن"، وحتشبسوت؛ كونها شخصية عظيمة، ولا أحد يفكر في ذلك سوى أنا، حتى في فيلم "عروس النيل" تم وضع على الشاشة فكرة "لبنى عبد العزيز"- ودائمًا أتساءل كيف لنا ترك تاريخ عريق لأمريكا وفرنسا وإنجلترا لإبرازه في أعمال فنية- بنبرة حزينة: "مبنعملش تاريخ مصري، بنعمل الحارة والقافية".

*كان لك حظ في إجراء عدة حوارات خلال عملك بالإذاعة مع عدد من الشخصيات البارزة.. كيف حدث ذلك؟
نجحت في إجراء حوارات باللغة الإنجليزية مع جميع أعضاء مجلس قيادة ثورة يوليو 1952 (الضباط الأحرار)، وعدد من الكتاب الكبار أمثال طه حسين ومحمد حسنين هيكل، كما قدمت برنامج "أضواء القاهرة" باللغة الإنجليزية، قبل أن يقدمه الإعلامي مفيد فوزي بالعربية "حديث المدينة"، حيث كنت أزور المتاحف والمسارح ودور السينما، ومتابعة الأحداث من الشارع، كما قدمت أيضا برنامجا في التليفزيون، وما أزال أقدم برنامج "ركن الأطفال" حتى يومنا هذا، وأجريت حوارًا مع سوزان مبارك، مع بداية مشروعها "القراءة للجميع"، بعدما أعجبت بالفكرة؛ كونها تشجع الأطفال على القراءة، وحصلت منها على حديث لحث الصغار على القراءة، ورأيت خلال حوارى معها أنها سيدة لطيفة، وقلت لها: "تنفعي مذيعة".. فردت على مبتسمة: "كده"، ورأيت إجادتها للإنجليزية.

*وماذا عن حوارك مع الرئيس الراحل أنور السادات؟
خلال حواري معه، فوجئنا بابنته "لبنى" وكانت صغيرة في السن ورقيقة جدًا، وخائفة، عندما اقتربت منا.. تحاول رواية المشهد ووصفه بدقة- وجدت السادات يصرخ بصوت جهوري، موجهًا ابنته: "جعر وهو بينده عليها – لبنى -". تضحك- في       البداية أصبت بالخوف والرعب، حيث توقعت أن يكون انفعاله وغضبه موجها لي، ولكنه كان لابنته، ولكن في مجمل الحوار وجدته شخصا لطيفا، وأصبحنا اصدقاء بعد ذلك، وتقابلت معه في البيت الأبيض بأمريكا، عندما وجهت له دعوة من رئيس الولايات المتحدة الأمريكية الأسبق جيمي كارتر، وكان الود موصولا بيننا، وكنت دائمًا احترم كمية الغذاء العقلي عنده، حيث كان مفكرًا جيدًا، ولكن كان لي انتقاد على قرار خاطيء اتخذه، يظهر على وجهها الحزن والضيق:"عمل غلطة خربت بيتنا وهي إخراجه الإخوان من السجون.. والغلطة دي تعبتنا"، أما بالنسبة لقرار السلام مع إسرائيل فكان صائبًا من وجهة نظري.

*كيف كنتِ تنظرين للزعيم الراحل جمال عبد الناصر؟
كنت أحبه جدًا؛ كونه كان قائدًا جريئًا في قراراته، يبحث عن صالح أمته، وعندما أنظر لقائد يحب المخاطرة أشعر بأن الله تعالى يقف معه، أما القائد المتحفظ فلن يحرك الأمور ولن يحدث شيئًا لوطنه، لذلك أحببت عبد الناصر، فالمخاطرة تحمل أملا للنجاح، وهذا رأيي.

*تركتِ مصر في أواخر الستينيات، ثم عدتِ من جديد في عام 2000 ما سبب اختفائك عن الفن والمشهد السينمائي بعد النجاح الكبير الذي حققتيه في أفلامك؟

بصراحة خلال فترة ترك الفن، والهجرة مع زوجي إلى أمريكا في الستينيات تناسيت أنني كنت يومًا فنانة أو نجمة مشهورة، وأصبحت فقط أما وزوجة، سائقة، خياطة، طباخة، ربة منزل كما يجب أن يكون، وزواجي من الدكتور إسماعيل برادة، تلك الزيجة التي امتدت لـ45 عامًا، حتى وفاته، كان سببًا في الابتعاد عن التمثيل، والهجرة إلى أمريكا، ولم تكن هناك أسباب أخرى، ومع عودتي إلى مصر في 2000، تعرضت لإصرار من نقيب الممثلين أشرف زكي على التمثيل في مسلسل "عمارة يعقوبيان"- بعدها أخذت قرارًا بعدم التمثيل في أي عمل آخر.

الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ"فيتو"
الجريدة الرسمية