رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

المخرجة إنعام محمد علي : إعلان صغير حولني من الصحافة إلى الإخراج.. وأنعى حال الدراما المصرية

فيتو


 

 



 

  • ما يقدم اليوم عبارة عن فورمات أجنبية يجري تمصيرها بعضها جيد ومعظمها سيئ!




هي سيدة الدراما بلا منازع، اسمها مقترن بالنجاح دائمًا. ارتباط اسمها بمسلسل شهادة ضمان له بالتميز. مسيرتها الإبداعية تشمل مسلسلات لا تُنسى مثل: "هي والمستحيل، الحب وأشياء أخرى، ضمير أبلة حكمت، أم كلثوم، قاسم أمين، قصة الأمس، مشرفة رجل من هذا الزمان. وُلدتْ بإحدى قرى محافظة المنيا العام 1938، وتخرجت في جامعة عين شمس العام 1960، وهو نفس العام الذي شهد التحاقها بالعمل في التليفزيون، كما حصلت على درجة الماجستير من الإعلام عام 1973، أخرجت أول أعمالها التليفزيونية العام 1964، وتدرجت وظيفيًا حتى وصلت إلى منصب "نائبة رئيس قطاع الإنتاج" باتحاد الإذاعة والتليفزيون بدرجة "وكيل وزارة الإعلام". سجلها الفني يشمل 20 فيلمًا و18 سهرة درامية، و5 أفلام سينمائية أبرزها: الطريق إلى إيلات، فضلًا عن عدد كبير من البرامج والأفلام التسجيلية والتمثيليات القصيرة. بدأت رحلتها مع الجوائز والأوسمة منذ العام 1984، عندما حصلت على جائزة أحسن مسلسل، وكان اسمه "دعوة للحب" من أول مهرجان يقام في الكويت للأعمال الدرامية العربية، واختتمتها بجائزة الدولة التقديرية العام 2003، بعد 4 سنوات من منحها وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى.. إنها المخرجة الكبيرة "إنعام محمد علي" التي تلتقيها "فيتو" في حوار شامل عن أسرار حياتها ومسيرتها الفنية المتوهجة..

أصول صعيدية
في البداية.. أبدت المخرجة الكبيرة اعتزازها بأصولها الصعيدية، حيث أبصرت النور بالمنيا، وسبقها إلى الحياة 5 أشقاء، جميعهم الذكور، لذا كانت فرحة أسرتها بها طاغية، حتى إنها أطلقت عليها اسم "إنعام"؛ باعتبارهما النعمة التي طال انتظارها، حتى أنعم الله عليها بها، كما تعتز بوالدها الذي تصفه بأنه كان منفتحًا، بحكم انتمائه لحزب "الوفد"، في الوقت الذي كان يصر جدها على تعليمها وتنشئتها نشأة طيبة.
تعود مخرجة "أبلة حكمت" بالذاكرة إلى أكثر من 7 عقود مضت، منوهة إلى أنها واظبت على القراءة منذ نعومة أظافرها، فكانت تقرأ جريدة الحزب التي كان والدها يحضرها إلى المنزل، كما كانت تتلقف ما تطاله يدها من صحف أخرى ومجلات وكتب، وفي السنوات الأولى للدراسة، أبدت الطفلة "إنعام" نشاطًا كبيرًا، سواء من خلال الاشتراك في الإذاعة المدرسية، حيث كانت تقرأ النشرة، وتشارك في تحرير صحيفة المدرسة، ومعظم الأنشطة الفنية، وظلت لافتة للأنظار حتى أنهت مرحلة الثانوية العامة، ولا تنسى المخرجة الكبيرة رفض أشقائها الخمسة التحاقها بكلية مختلطة، ما دفعها إلى الإضراب عن الطعام ثلاثة أيام، وتمكنت من تمرير رغبتها، والتحقت بكلية الآداب جامعة عين شمس، ما كان سببًا في انتقال الأسرة بأكملها للإقامة بالقاهرة.
لا تتذكر مخرجة "الطريق إلى إيلات" كثيرًا من أيام الجامعة، باستثناء ذكريات محدودة، كبعض أساتذتها مثل: الدكتور إبراهيم نصحي، الدكتور صلاح عبد الكريم، الدكتور زينب راشد، حيث لا تزال تذكرهم بالخير، كما لا تنسى أنها كانت سكرتيرة تحرير المجلة التي كان القسم يصدرها، وإن غاب اسمها عن ذاكرتها.

حلم الصحافة
كانت الطالبة الجامعية "إنعام" تفكر في العمل بالصحافة، فذهبت إلى دار الهلال، والتقت الشاعر صلاح جودت الذي ساعدها في التدريب بمجلة "الإثنين"، وكان طموحها أن تصبح صحفية كبيرة، ولكن كيف تغير مسارها من الصحافة إلى العمل بالتليفزيون؟ تجيب المخرجة الكبيرة قائلة: "البداية جاءت عبر إعلان في الصحف يطلب خريجي جامعات من الجنسين للعمل "مساعدي مخرج"، فتقدمتُ ضمن 1600 من خريجي معظم الكليات، اجتاز الاختبارات منهم 63، من بينهم 11 فتاة، كنتُ واحدة منهن".

انطلقت مسيرة مخرجة مسلسل "أم كلثوم" داخل ماسبيرو من إدارة التمثيليات، ومن خلالها أصبح اسمها يتردد بقوة، مبشرًا بمخرجة من الوزن الثقيل، أما النقلة الحقيقية في حياتها العملية – كما تقول "إنعام"- فجاءت عبر التعاون مع الفنان الراحل محمود مرسي، الذي بدأ حياته مخرجًا بالبرنامج الثاني بالإذاعة، حيث درس الإخراج السينمائي في فرنسا، والإخراج الإذاعي في إيطاليا، حيث تعلمت منه كيفية تدريب الممثلين وإدارتهم، وإكسابهم جميع مفردات الأداء الفني، مؤكدة أنها لا تزال تطبق ما تعلمته منه حتى الآن، رغم تعاقب السنين، واختلاف الزمن، وتضيف "سيدة الدراما": كما تعلمت من محمود مرسي كيف أوجِّه الممثل، واستفز طاقاته الفنية، لأخرج أفضل ما لديه، كما تعلمت الكثير والكثير أيضًا من المخرج الكبير نور الدرمرداش، الذي كان مدهشًا ومتميزًا في "تحريك المجاميع"، فضلًا عن أنه كان مخرجًا رائعًا سواء على صعيد التليفزيون أو المسرح.

قبل أن تطوي صفحة الحديث عن "الدمرداش"، تتذكر "إنعام" أن المخرج الكبير كان يؤمن بأن المرأة لا تصلح للعمل كمصورة أو مخرجة، باعتبارها "مخلوقًا رقيقًا" لا تتحمل مشقة وعناء مفردات العمل الدرامي، مضيفة باعتزاز وتحدٍ: "ولكني جعلته يتراجع عن وجهة نظره وأثبتُّ له عمليًا أن المرأة قادرة على النجاح في جميع المجالات، بما فيه الإخراج الدرامي".
في مرحلة البدايات.. تذكر مخرجة "قصة الأمس" بالخير المخرجة "مجيدة نجم" التي تعاونت معها في برامج المرأة، كما أخرجت خلال هذه الفترة وتحديدا في العام 1969 برنامج "في بيتنا مشكلة"، قبل أن تطير إلى ألمانيا في بعثة دراسية، استفادت منها كثيرًا، على حد قولها.

الماجستير وتأثير الدراما
حرصت "إنعام محمد علي" على صقل موهبتها بالدراسة، فالتحقت في العام 1972 بالمعهد العالي للإعلام وحصلت على المركز الثاني، قبل أن تحصل على درجة الماجستير عن رسالتها "الدراما التليفزيونية ودورها الاجتماعي"، غير أنها لا تتذكر أسماء من أشرف على الرسالة أو من ناقشوها، وتعتز المخرجة الكبيرة بحصولها على درجة الماجستير، وتعتبره نقلة نوعية في حياتها، وجعلتها تتخير طبيعة أعمالها الفنية، ولا تتصدى إلا للأعمال القادرة على التأثير في المجتمع وتصويب مساره وتصحيح أخطائه، إيمانًا منها بأهمية الدور الفن في إصلاح المجتمع، وليس الإسهام في إفساده وتدميره ونشر الفوضى في أوصاله، وبدا ذلك في باكورة أعماله الدرامية وكانت تمثيلية من 3 حلقات عنوانها: نفوس حائرة" كتبها طبيب نفسي، حاولت من خلالها تقديم حلول علمية لبعض المشكلات النفسية، وأعقبتها بمجموعة سهرات مثل: "حب بلا ضفاف" و"أم مثالية" و"أمهات لم يلدن أبدا"، وعرفت من خلالها طريق الجوائز حيث حصلت على جائزة "أفضل مخرجة" عن مسلسل "حب بلا ضفاف".
ولأن المقدمات الصحيحة، تؤدي غالبًا إلى نتائج ونهايات صحيحة، فإن "إنعام محمد علي" حددت طريقها من البداية، ولم تتخل عن رسالتها وأهدافها النبيلة في جميع أعمالها التي تحمل اسمها، وتضرب مثلًا بمسلسل "هي والمستحيل" الذي تعرض لقضية الأمية وأثرها السلبي في المجتمع، من خلال البنت التي تجهل القراءة والكتابة والتي تزوجها زوجها لتكون خادمة لأمه ولا شيء سوى ذلك، ما أشعرها بإلإهانة و"كسرة النفس"، فتحدت الظروف وحققت المستحيل، وتعلمت القراءة والكتابة وصارت امرأة متعلمة ومثقفة.
تعتز مخرجة "هي والمستحيل" كثيرًا بمسلسلها وبردود الفعل الذي أحدثته محليًا وعربيًا، وضربت المثل بما حدث في المملكة المغربية فور عرض المسلسل، حيث طالبت الأميات بفتح المدارس لتعليمهن وتخليصهن من عار الأمية إلى نور العلم، وامتد أثر المسلسل حتى العام 2016، حيث التقت أثناء تكريمها في معرض الكتاب سيدتين مغربيتين أخبرتاها بأنهما نتاج مسلسل "هي والمستحيل". وأبلغاها بأنهما كانتا تجهلان القراءة والكتابة ولكن المسلسل غير حياتهما بالكامل وأصبحتا الآن أستاذتين بكلية الآداب، ما يؤكد أن الدراما قادرة بالفعل على تغيير المجتمع للأفضل وللأسوأ، حسبما تطرحه من محتوى وما تتصدى له من موضوعات وما تطرحه من قضايا.
تقدر "إنعام" الفترة التي تعاونت خلالها مع الكاتبتين فتحية العسال ونادية رشاد، حيث تشاركن في تقديم عدد من الأعمال المهمة، على حد تعبيرها، مثل: "هي والمستحيل " و"الباحثة"، و" دعوة للحب" و"آسفة أرفض هذا الطلاق "، لأنها أحدثت صدى ودويًا كبيرًا عند عرضها. 

أم كلثوم
من العلامات المهمة في مسيرة "إنعام محمد علي" مسلسل "أم كلثوم"، الذي حقق نجاحًا طاغيًا فاق كل التوقعات، بحسب مخرجته، التي كشف أن جميع مسؤولى التليفزيون، ومن بينهم رئيس الاتحاد عبد الرحمن حافظ كانوا معترضين على اختيار "صابرين للدور"، ولكن بعد عرض المسلسل، انهالت عليها التهاني والاعتذارات، مضيفة أن زوجة الشاعر أحمد رامي كانت تتصل بها يوميا أثناء عرض المسلسل، لتخبرها أنها تشعر بأنها تشاهد "رامي" الحقيقى، ونفس الحال بالنسبة لنهلة القدوسي التي أكدت لها أنها تشعر بأنها تشاهد زوجها محمد عبد الوهاب بجميع تفاصيله وحركاته.
ورغم اعتزازها أيضًا بنجاح مسلسل "ضمير أبلة حكمت" إلا أن "أنعام" لا تنسى المشكلات التي واجهتها أثناء التصوير، وأبرزها مع بطلة العمل "فاتن حمامة" التي كانت قادمة من خمسين سنة سينما إلى عالم مختلف تمامًا وهو عالم التليفزيون الذي يختلف تمامًا في جميع التفاصيل. والطريف – كما تقول "إنعام" أنه كان هناك إجماع على عدم عرضه خلال شهر رمضان، ولكن تم عرضه وحقق نجاحًا مدويًا، لأنه لامس مشكلات مجتمعية لا تزال مستمرة مثل قضية الدروس الخصوصية.
تتحدث "إنعام محمد علي" بإكبار شديد أيضًا عن مسلسل "قاسم أمين"، معتبرة أن المسلسل الذي كتبه محمد السيد عيد، قدم قاسم أمين ورفاقه: الشيخ محمد عبده، وجمال الدين الأفغاني، وعبد الله النديم، وطلعت حرب، وسعد زغلول، ولطفي السيد وغيرهم، باعتبارهم مصلحين وتنويريين حقيقيين يملكون رؤى وحلولًا لإصلاح المجتمع.
أما المسلسل الذي يكمل هذا المثلث مع "أم كلثوم" و"قاسم أمين" فهو مسلسل "د. مصطفى مشرفة" الذي قدم السيرة الذاتية للعالم المصري الفذ مصطفى مشرفة الذي كان سابقا لعصره بكل المقاييس، ولكنها تعتقد أن المسلسل كان سيئ الحظ لأنه عرض في ذروة الفوضى خلال الفترة التي أعقبت ثورة يناير، متمنية أن يتم عرضه خلال الفترة المقبلة حتى يتعلم الناس القيمة والقدوة ويشاهدوا قصة نجاح غير عادية.

السينما
ومن التليفزيون إلى السينما، تعتز "إنعام محمد علي" بفيلم "حكايات الغريب"، حيث تصفه بأنه ليس فيلما عاديًا، فهو أول فيلم وطنى عن انتصارات أكتوبر بعد تسعة عشر عاما من الحرب، وكان الهدف تعريف الجديد الذي لم يعاصر الحرب بالملحمة الوطنية التي قدمها الجنود المصريون، الأمر نفسه يمتد إلى فيلم "الطريق إلى إيلات" الذي لا يزال واحدًا من الأفلام الوطنية المهمة، مشيرة إلى أن تصوير الفيلم استغرق عامين وواجه ظروفًا صعبة حتى خرج إلى النور.
لا تنكر "إنعام محمد علي" أن الدراما المصرية انحرفت عن مسارها، وعانقت حالة من العشوائية والتخبط والفوضى، أنتجت أعمالًا تتنافس في نشر الفوضى وشيوع الجريمة، وتمكين الانحلال، كاشفة عن أن مسلسلا عن "طلعت حرب" في الأدراج منذ 8 سنوات، لأن زمن الأعمال الجيدة والمتميزة والإصلاحية ولى وأدبر بلا عودة، مضيفة: الدراما لم تعد تعبر عن المجتمع، تدير له ظهرها، ترفض أن تساعده، أن تقدم له حلولًا، تبارزه العداء، وتبادله الخصومة.. ليست هذه هي الدراما التي عرفناها وتربينا عليها وأنفقنا عمرنا فيها!!
وتساءلت المخرجة الكبيرة: أين مسلسلات الأطفال، أين المسلسلات التاريخية، أين المسلسلات الدينية؟ مضيفة: "مايقدم للناس اليوم فورمات أجنبية، يجرى تمصيرها، القليل منها جيد ومعظمها غير جيد"!
وفى رسالة مؤثرة تختتم بها "إنعام محمد علي" حوارها مع "فيتو" تقول: "أصلحوا حال الدراما، ما يحدث أمر مريب وغريب وغير مبرر، نمتلك جميع عناصر تقديم أعمال متميزة، من فنيين إلى فنانين، ومن كتاب إلى مخرجين، نمتلك ثروة هائلة من العناصر الفنية، لا ينبغي إهدار طاقاتها في أعمال هزيلة وسخيفة وبلا معنى، الدراما الجادة قادرة على إصلاح المجتمع، الدراما الجادة سلاح قوي وفعال فلا تطرحوه أرضا وتتركوه وتتخلوا عنه بهذه السهولة".


الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ "فيتو"

Advertisements
Advertisements
الجريدة الرسمية