رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

الممر.. فيلم الدولة الذي يستحق المشاهدة


قد يكون لديك تصور معين لفيلم "الممر" من خلال مشاهدتك للإعلان الدعائي الخاص به، لكن صدقني سوف تتفاجأ كثيرا عندما تشاهده، فهو عمل يهدف إلى إعطاء كل ذي حق حقه وتحميل كل شخص مسئولياته في نكسة 67 بدون تجميل.


بداية مأساوية
تبدأ أحداث الفيلم باستعدادات إسرائيل للهجوم على سيناء في 1967 "النكسة"، واستغلالها لحالة التردي والتشرذم والتفكك التي عانى منها الجيش المصري في ذلك الوقت، فهو جيش مشتت بين حروب لا دخل له فيها ومن بينها حرب اليمن والخسائر التي تكبدها هناك، وما بين جنود غير مدربين، وعدم تخطيط وغيرها، واستغلت إسرائيل لتلك الحالة بالهجوم على مصر، وكل ذلك تم استعراضه في أحداث الفيلم بسلاسة.

وأجمل ما في أحداث الفيلم أنه لم يتحامل على أحد ولم يجامل أحدا، فقد حمّل الرئيس عبد الناصر وقيادات الجيش وعلى رأسهم المشير عبد الحكيم عامر مسئولية الهزيمة مباشرة، وفي المشهد الأول في الفيلم يوضح لك كيف كان يتم نقل الجنود إلى سيناء بدون تدريب، وكيف كانوا عبئا على قيادات الصف الثاني هناك، كونهم عناصر تحتاج لتدريب طويل لأنهم غير مستعدين للقتال.

وفي خلال مشاهد قليلة قصيرة ما بين اجتماعات كبار قادة الجيش والرئاسة الإسرائيلية، وبعض المحادثات ما بين قيادات الصف الثاني في الجيش على الجبهة، يتضح لك كم الإهمال وحالة التردي التي وصل لها الجيش المصري في ذلك الوقت، والتي كان يعلمها الجميع ويتجاهلها قيادات الجيش الكبار.

تحدث النكسة ويتم ضرب الطائرات وهي على الأرض بدون "دُشم" أو حظائر تحميها، ويتم ضرب المعسكرات والقواعد المصرية، قد يكون حكى لك أحدهم من قبل عن الأهوال التي حدثت في النكسة، ولكن مشاهدتها أمر آخر، خاصة عندما ترى الطائرات الإسرائيلية وهي تخرج للصحراء المكشوفة في أي وقت يحلو لها لتقوم بقتل الجنود المصريين المنسحبين في طريق عودتهم، فالطائرات المصرية والمدفعية تم ضربها بالكامل وصدرت أوامر الانسحاب وأصبحت سيناء بالكامل تحت سيادة الصهاينة، ولا شيء يحمي المنسحبين من الطيران الإسرائيلي.

لم يكن الأمر هينًا عندما وصل من تبقى منهم إلى الضفة الأخرى القناة، فقد كان أفراد الجيش يعانون من سخرية الشعب منهم بسبب فقدانهم للأرض، وهو ما اتضح من خلال المشهد الذي جمع أحمد عز بحجاج عبد العظيم في أحد السنترالات، فما بين كوابيس تطاردهم ومشاهد قتل أصدقائهم وسخرية الشعب منهم قضى أفراد الجيش حياة صعبة في تلك الفترة.

ولكن العودة كانت أقوى، فقد تم جمع شتات الجيش، وبدأت التدريبات مرة أخرى واستئناف العمل وتلافي الأخطاء، وتم الإطاحة بالمقصرين والمهملين وحل محلهم قيادات من ذوى الكفاءة العالية والقوة والانضباط والوطنية، وبدأ الجيش في استعادة عافيته، وهنا بدأت مهمة الفريق الذي كونه أحمد عز ليدخل إلى قلب سيناء لأداء مهمة خطيرة، وقد حرص مخرج ومؤلف الفيلم شريف عرفة والمؤلف أمير طعيمة أن يكون الفريق ممثلا لجميع طوائف مصر، فمن بينهم النوبي والصعيدي والقاهري والسكندري والسيناوي.

أحداث مشوقة
وتبدأ الأحداث الساخنة مع دخول الفريق إلى سيناء وتكتشف مدى الاحترافية التي يتعامل بها الفريق، حتى في الملابس التي يرتدونها والتي تناسب طبيعة المكان حتى لا يتم كشفهم، وطريقة إمدادهم بالطعام من خلال الدليل الذي يصاحبهم، وكيفية التخلص من جثث الجنود الصهاينة الذين قتلوهم في طريقهم، حتى وصولهم إلى القاعدة المراد تدميرها.

وتصل الأحداث إلى ذروتها مع قرار القيادة الأعلى بإلغاء المهمة بعد علمهم بوجود أسرى مصريين في هذه القاعدة، ولكن تصميم أحمد عز على المهمة وتحرير الأسرى غير موقف القيادة للموافقة، لتبدأ معركة دامية.

3 معارك بطولية
وبعد اتخاذ القرار بدخول القاعدة وتدميرها وتحرير الأسرى المصريين، تخوض فرقة الصاعقة 3 معارك بطولية لا يمكن حكيها ولكن يمكنك التمتع بمشاهدتها فقط بعدسة شريف عرفة.
المعركة الأولى داخل القاعدة، خطة متوازنة تم إعدادها بإحكام ويتم تنفيذها وقتل عناصر الجيش الصهيوني بهدوء حتى يتم تحرير الأسرى وينكشف أمر فريق الصاعقة فتبدأ معركة صريحة بكل الأسلحة الخفيفة والثقيلة، تنتهى بنجاح الفرقة بالخروج من القاعدة سالمين ومعهم الأسرى المصريين وتدمير القاعدة.

ويستقر الفريق في إحدى المدن المهجورة حتى يتم الاتصال بالقيادة فتبدأ معركة جديدة مع جيش مصغر أرسله الصهاينة لقتل أبطال الصاعقة بعد كشف مكانهم، تنتهي المعركة بالانتصار واستشهاد مجموعة من الفريق، ثم معركة ثالثة مع مجموعة من الدبابات تفصل بين الفريق وبين البر الغربي من القناة، ليتم اختراقهم بنجاح والوصول إلى البر الآخر سالمين.

شريف عرفة
ربما لو كان هذا الفيلم مع مخرج آخر غير شريف عرفة لما كانت النتيجة النهائية مذهلة بهذا الشكل، فلا أحد يستطيع إخراج المعارك بتلك الطريقة "الهوليودية" الممتعة التي شاهدناها في الفيلم غير شريف عرفة، والأمر لا يتوقف على المعارك والأكشن فقط.. لكن حتى مشاهد الصحراء واستغلاله للأماكن الطبيعية وإظهار جمال الطبيعة المصرية بشكل غير مباشر في فيلم حربي شيء يحسب له فكثيرين سيتفاجئون بجمال الصحراء المصرية في مشاهد مختلفة من الفيلم.

وركز المخرج الكبير بشدة على مشاهد المدينة، وحرص على أن تكون كل الأشياء الظاهرة في تلك المشاهد متوافقة مع تلك الفترة الزمنية، سواء من حيث الملابس أو الديكور أو الأدوات المستخدمة في أماكن مختلفة أو حتى السيارات.

وبالرغم من أنه هو أيضًا مؤلف الفيلم، إلا أن شريكه الأخر أمير طعيمة أثبت نجاحه في أول تجاربه في كتابة السيناريو، وقدما معًا دويتو رائع في رسم الشخصيات والحوار الدائر بينهم، خاصة الحوارات الثنائية، أبرزها التي دارت بين محمود حجازي وأحمد رزق، والتي كان يدور أغلبها في إطار كوميدي يكسر سخونة الأحداث، وكذلك الحوار بين أحمد عز وإياد نصار "الضابط الإسرائيلي".

نضوج أحمد عز
ولن تأخذ وقتا طويلا في قاعة السينما لتكتشف أن أحمد عز يقدم واحدًا من أفضل أفلامه في تاريخه الفني، ظهور جيد منذ اللحظات الأولى، تجسيد متوازن لشخصية ضابط الجيش المنهزم الذي يحاول استعادة حياته الأسرية والمهنية مرة أخرى، والثأر لأصدقائه من العدو.

ووضح على أحمد عز النضج الفني في هذا الفيلم، خاصة في المشاهد التي جمعته بـ هند صبري ضيفة شرف الفيلم التي تؤدي دور زوجته، وكذلك مشاهده مع إياد نصار التي لم يؤثر فيها الحوار ما بين ضابط مصري وآخر صهيوني على انفعالاته، فخرجت بشكل منضبط متوازن، ولم تأخذه الحمية للظهور بشكل وطني أكثر من اللازم، فكان الأداء على قدر ما يحتاجه المشهد فقط.

وتألق نجوم الفيلم بالكامل في أداء شخصياتهم، خصوصًا إياد نصار في دور الضابط الصهيوني الجبان، وتوضيحه لعنجهية الجيش الإسرائيلي الفارغة المستمدة من الانتصارات الزائفة، والجبن وضعف العقيدة لديهم، وكذلك أحمد صلاح حسني الذي أدى واحدًا من أفضل أدواره من خلال تجسيد شخصية ضابط البحرية للمرة الأولى.

وتميز أحمد رزق ومحمود حجازي ومحمد فراج في المنافسة الكوميدية على الرغم من اختلاف شخصياتهم في العمل، وكذلك أحمد فلوكس الذي قدم "دور عمره"، ومحمد جمعة الذي أجاد في دور السيناوي، حتى محمد شرنوبي ومحمود حجازي أجادوا على الرغم من قلة مشاهدهام.

دعم القوات المسلحة
وبالتأكيد هناك دعم واضح من القوات المسلحة ووزارة الدفاع للفيلم، ما بين دعم مادي أو لوجيستي، وهو ما جعل الفيلم يخرج بهذا الشكل الرائع، وهو ما جعل البعض يطلق عليه فيلم الدولة، مستنكرين الأمر، ولكن إذا كانت الدولة ستدخل لإنتاج هذه النوعية من الأفلام ودعمها بهذا الشكل لتوضيح تاريخنا بشكل جيد للجيل الجديد، والقديم أيضًا، وتجعلنا نعيش تلك اللحظات وكأننا داخلها فليت الدولة تتدخل لتنتج فيلما أو أثنين من هذه النوعية سنويًا، فلا أحد يكره أن يرى تاريخ بلده يجسد بشكل مبدع على شاشات السينما.

وبدلًا من أن نحتفل كل عام بفيلمين أو ثلاثة فقط في مناسبات حرب أكتوبر وعيد تحرير سيناء وتحرير طابا، يكون لدينا مخزون سينمائي لبطولات الجيش المصري من حرب الاستنزاف وحتى حرب أكتوبر نحتفى به في تلك المناسبات. الفيلم يحتاج إلى مساحة أكبر بكثير للحديث عنه لأن مدته ساعتين ونصف، ولكنك لن تشعر بهذه المدة وأنت تشاهده.
Advertisements
الجريدة الرسمية